نواكشوط، موريتانيا -- أثارت المواجهة التي وقعت مؤخرا بين مجموعة فاغنر والدولة الروسية مخاوف في البلدان الإفريقية التي تقيم شراكات مع مجموعة المرتزقة حول مستقبل تلك العلاقات.
وتوقع محللون أفارقة أن يكون للتمرد الذي قاده قائد مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين انعكاسات على أمن البلدان الإفريقية التي تتواجد فيها فاغنر، وذلك على الرغم من فشل ذلك التمرد.
وقاد بريغوجين الجمعة والسبت (23 و24 حزيران/يونيو) تمرّدا قصير الأمد سيطر خلاله مقاتلوه على قواعد عسكرية وزحفوا نحو موسكو إلى أن أمرهم بصورة مفاجئة بوقف الزحف والعودة أدراجهم.
وجددت الولايات المتحدة الاثنين تحذيراتها للبلدان الإفريقية من مغبة الشراكة مع مرتزقة مجموعة فاغنر وعدم الاستقرار الذي تجلبه فاغنر عندما تتدخل في نزاع ما.
وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، إن "دخول فاغنر إلى أي بلد يعقبه الموت والدمار".
وأضاف "نرى فاغنر تستغل السكان المحليين، نراها تستخرج الثروة المحلية، ونراها ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان".
سلوك إشكالي
وقبل أيام من التمرد الروسي، اختطف عناصر فاغنر في إفريقيا 22 موريتانيا من قرية على الشريط الحدودي بين موريتانيا ومالي، ما تسبب في إثارة الهلع بين سكان هذه المنطقة.
وتظاهر في 21 حزيران/يونيو العشرات من ذويهم أمام وزارة الداخلية بنواكشوط لمطالبة الحكومة بالكشف عن مصيرهم.
وذكرت مصادر إعلامية موريتانية نقلا عن أحد المتظاهرين من أقارب المختطفين، إن المفقودين اختطفوا قبل ثلاثة أيام في قرية تدعى لبيت على بعد نحو 35 كم من الحدود الموريتانية.
وأوضح أن مسلحي فاغنر جمعوا سكان القرية وأخذوا ممتلكاتهم قبل أن يعزلوا 22 من الأشخاص ويذهبوا بهم على متن طائرة.
وفي هذا السياق، قال الصحافي المالي موسى بكاري، إن "خطورة عناصر فاغنر على أمن واستقرار سكان الحدود في مالي وموريتانيا باتت مصدر التهديد الأول لآلاف التجار والرعاة".
وأضاف في حديث للمشارق أن هؤلاء الناس "يعتمدون على تجارة البضائع والمواشي على طول الشريط الحدودي بين البلدين" في كسب أرزاقهم.
وتابع بكاري أن عمليات الاختطاف الأخيرة "سبقتها حوادث قتل واختطاف مواطنين من سكان شمال مالي على يد المجموعة نفسها، دون أن تحرك السلطات المحلية أي ساكن لإيقاف هذه الجرائم".
وذكر أنه لم يصدر عن السلطات الموريتانية أي تحرك علني بهذا الشأن.
إفريقيا: ملف خلافي بين الطرفين
وتعليقا على تمرد فاغنر الفاشل والخلاف المتنامي مع موسكو، قال المحلل المتخصص في صراعات الساحل سيد أحمد ولد أطفيل أنه "ليس مجرد خلاف عرضي، وإنما يعكس خلافا أكثر عمقا".
"فتواجد فاغنر في إفريقيا ربما كان من بين الملفات الخلافية بين الطرفين"، حسبما أضاف في حديث للمشارق.
وذكر أن مجموعة فاغنر بدأت تستقل بقرارها في القارة الإفريقية، خاصة بعد "حصولهم على العديد من الامتيازات المالية في دول مثل مالي، وربما بوركينا فاسو وجمهورية وسط إفريقيا".
وأوضح أن "هذا الأمر أغضب موسكو التي ترغب في استغلال وجود فاغنر لضمان مصالحها الاقتصادية والسياسية في القارة الإفريقية".
وتوقع اطفيل أن تتزايد خلافات موسكو وفاغنر بسبب تواجد فاغنر في إفريقيا، لأن الأموال التي تحصل عليها المجموعة مقابل الخدمات التي تقدمها للحكومات الإفريقية تعزز من قوتها.
وأكد أن ذلك يمنح بدوره مجموعة فاغنر المزيد من القوة في وجه نظام بوتين.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد قال في مقابلة يوم الاثنين مع روسيا اليوم، إن التمرد لن يغير من وجود مجموعة فاغنر في إفريقيا.
وأشار إلى أن حكومتي مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى "لديهما اتصالات رسمية مع قيادتنا"، وأن مئات الجنود يعملون في جمهورية إفريقيا الوسطى كمدربين بناء على طلب ذلك البلد، وأنهم سيستمرون في فعل ذلك.
لكن محللين قالوا إن تصريحات وزير الخارجية الروسي، وزعم بوتين لاحقا أن موسكو دفعت أكثر من 1 مليار دولار أميركي لمجموعة فاغنر العام الماضي، هي مجرد رسائل طمأنة لحلفاء موسكو في الدول الإفريقية، خاصة في مالي وإفريقيا الوسطى والسودان وليبيا.
وقال المحلل بشير ببانه للمشارق إنه "من الطبيعي أن تبعث موسكو برسائل لطمأنة حلفائها من الرؤساء الأفارقة الذين يعتمد بعضهم على حماية أمنية من فاغنر كما هو الحال في مالي".
وأضاف "لدى حكومة مالي شراكة مزدوجة مع الدولة الروسية من جهة ومجموعة فاغنر من جهة أخرى".
وأكد أن "أي توتر في العلاقة بين فاغنر ونظام بوتين سيجعل حكام باماكو في وضع لا يحسدون عليه".
شبكة معقدة في أفريقيا
ومنذ 2018، نسجت مجموعة المرتزقة شبكة واسعة ومعقدة من العلاقات والأنشطة في أفريقيا، بما في ذلك السودان، حيث اتهمت بتأجيج الصراعو أفريقيا الوسطى ومالي و ليبيا.
وتشير تقارير إلى وجود نحو 3000 عنصر من فاغنر في مالي، و1000 عنصر على الأقل بدولة إفريقيا الوسطى يعملون كمدربين، كما ينتشر الآلاف من مقاتلي فاغنر في أجزاء أخرى من القارة.
ويوم الثلاثاء، وعقب تمرد فاغنر في نهاية الأسبوع، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة تستهدف أنشطة فاغنر في إفريقيا الوسطى، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وتستهدف العقوبات شركة التعدين مايداس ريسورسز المالكة لمناجم عدة في إفريقيا الوسطى، وأيضا شركة ديامفيل المتخصصة في تعاملات الذهب والماس.
والشركتان يديرهما بريغوجين، وفق وزارة الخزانة الأميركية.
كذلك تستهدف العقوبات شركة إنداستريال ريسورسز جنرال تريدينغ، وهي شركة توزيع للسلع الصناعية يقع مقرّها في دبي، وهي متّهمة بإدارة تعاملات ديامفيل.
وأكّد مساعد وزير الخزانة براين نيلسون أنّ "مجموعة فاغنر تموّل عملياتها الوحشية بشكل جزئي عبر استغلال الموارد الطبيعية في دول على غرار إفريقيا الوسطى ومالي".
وأضاف أن "الولايات المتحدة مستمرة باستهداف مصادر عائدات مجموعة فاغنر بغية منعها من التمدّد في إفريقيا وأوكرانيا ودول أخرى".