سياسة

مرتزقة فاغنر يشجعون المقاتلين المتطرفين ويشردون المدنيين في شمال مالي

مصطفى عمر

مرتزقة من فاغنر يتحدثون إلى وسيلة إعلامية روسية في مالي عام 2021. [فاغنر]

مرتزقة من فاغنر يتحدثون إلى وسيلة إعلامية روسية في مالي عام 2021. [فاغنر]

نواكشوط، موريتانيا -- قالت مصادر محلية إن اغتيال أحد الرجال من قومية السونغاي في تمبكتو في تشرين الثاني/نوفمبر قد جدد المخاوف من تجدد الهجمات ضد المدنيين في شمال مالي ووسطها، لا سيما بين قوميات السونغاي والطوارق والعرب والفلاني.

وأضافوا أن الحادث الأخير يأتي وسط موجة من عمليات القتل بين صفوف المدنيين، وتلقى اللائمة في الغالب في مثل هذه العمليات التي أصبحت شائعة، على الجيشومجموعة المرتزقة الروسية فاغنر.

وتشير المعلومات إلى أن إبراهيم بلال، 26 عاما، قتل على يد قوات الجيش المالي في تمبكتو في 11 تشرين الثاني/نوفمبر في حادث بدأ بسبب مشادة كلامية.

وقال صحافي التلفزيون المالي عمر سيدي محمد للمشارق، إن بلال كان يعمل في محطة بنزين تقع أمام حانة.

لاجئون ماليون يجلسون تحت خيمة في مخيم امبرا للاجئين في جنوب شرقي موريتانيا يوم 29 أيلول/سبتمبر 2017. [سليم صاحب عتابة/وكالة الصحافة الفرنسية]

لاجئون ماليون يجلسون تحت خيمة في مخيم امبرا للاجئين في جنوب شرقي موريتانيا يوم 29 أيلول/سبتمبر 2017. [سليم صاحب عتابة/وكالة الصحافة الفرنسية]

وأضاف أن جنديين يرتديان ملابس مدنية خرجا من الحانة في حالة سكر وجلسا إلى جوار المحطة وأشعلا سجائر.

وتابع أن "بلال طلب منهما مغادرة المكان، وحصل احتكاك لفظي أثار غضب العسكريين، فضربا الفتى، ونقل إلى المستشفى وتوفي بعد يومين".

وذكر سيدي محمد أنه في حين أن ضحايا الجيش المالي هم في العادة من القوميات الفلانية أو الطوارقية أو العربية، فإن العنف هذه المرة طال قومية السونغاي أيضا.

نزوح المدنيين

ووفق الأمم المتحدة، فإن 344 من 860 مدنيا قتلوا في مالي في الأشهر الستة الأولى من العام في عمليات للجيش، في حين أن البقية (60 بالمائة) كانوا ضحايا للجماعات المتطرفة.

هذا ويدفع المدنيون الماليون ثمن الصراع بين الفصائل المتطرفة، صراع تسبب في نزوح الكثير من المدنيين الماليين ورفع من عدد الذين يغادرون منهم إلى موريتانيا، وهي أقرب مكان يمكنهم اللجوء إليه.

وأوردت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين مؤخرا أن عدد اللاجئين المسجلين في موريتانيا قد تجاوز حاجز 101 ألف، أغلبهم من مالي.

وأضافت أن أكثر من 10 آلاف لاجئ من مالي لجأوا إلى موريتانيا بين 1 كانون الثاني/يناير و30 أيلول/سبتمبر.

ووفق موقع أصوات مغاربية، فإن الغالبية العظمى من اللاجئين الماليين في موريتانيا يقيمون في مخيم امبرة في منطقة الحوض الشرقي القاحلة جنوب شرق البلاد.

وآخرون قد لجأوا إلى بعض المدن، مثل العاصمة نواكشوط والعاصمة الاقتصادية للبلاد نواذيبو، بحسب الموقع.

وقالت بنتا سيدي بيه غاسكون، من مجموعة المراقبة كيسال التي تدافع عن حقوق قومية السونغاي، إن "الناس يحكمون بناء على الفظائع التي ترتكب ضد المدنيين. ومنذ وصول فاغنر، ولا سيما بعد ما حدث في مورا، فإننا نشهد ارتفاعا سريعا في عدد الضحايا المدنيين".

وأوردت وكالة الصحافة الفرنسية أن منظمة هيومان رايتس ووتش اتهمت الجنود الماليين بذبح نحو 300 مدني في مورا في آذار/مارس بمساعدة المقاتلين الأجانب الذين قال عنهم الشهود إنهم روس. وينكر الجيش المالي أن القتلى مدنيون، ولكن أكثر من 200 متطرف.

من جانبه، حمل الزعيم الرئيس لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في المنطقة، وهو الداعية الفلاني أمادو كوفا، حمل فاغنر والجيش المالي المسؤولية عن حمام الدم، وذلك في شريط فيديو نادر في حزيران/يونيو، زاعما أن نحو 30 فقط من مقاتليه قتلوا في حين أن بقية الموتى هم من الأبرياء.

وأضافت سيدي بيه غاسكون أن "الذي سيوقظ الناس هو أنه" على الرغم من "كل هذه الفظائع ضد المدنيين، فإنه لا يتم استعادة أيا من المناطق، وللأسف فإن الوضع يسوء مع نزوح المزيد من الناس وإغلاق المدارس وحدوث أزمة إنسانية".

اشتباك المتطرفين المتنافسين

ودفعت المواجهات الدامية بين تنظيم 'الدولة الإسلامية' (داعش) في الصحراء الكبرى وجماعة نصرة الإسلام في مدينة غاوه المالية وعلى طول الحدود المالية مع بوركينافاسو، المزيد من السكان إلى النزوح.

ويرى قاسم رأس الماء، الصحافي الجزائري المتخصص في الجماعات المسلحة وأمن منطقة الساحل، أن سبب الاشتباكات يعود إلى انشقاق مجموعة تتألف من 150 عنصرا عن تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين وانضمامهم إلى داعش.

وأضاف أن غالبية المقاتلين المنشقين هم من الطوارق، موضحا أنهم انشقوا من التحالف المتطرف والتحقوا بفرع تنظيم داعش في المنطقة بزعامة موسى موموني، وأصله من النيجر.

وأشار إلى أن "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين اكتسبت المزيد من القوة على الأرض بعد انسحاب القوات الفرنسية من الأراضي المالية، وهو ما مكنها من زيادة وتيرة نشاطاتها على الأرض".

لكن وفق الماء، فإن الجماعة لم تنخرط في أي مواجهات مسلحة مع مرتزقة فاغنر.

وأوضح أن السبب وراء ذلك يمكن أن يكون أن مهمة عناصر فاغنر ليست مواجهة الجماعات الإرهابية بالتحديد، وإنما كان هدفها هو إخراج القوات الفرنسية.

بدوره، قال جيروم بينييه، الرئيس المؤسس لشبكة التفكير الاستراتيجي حول الأمن في الساحل، إن "هدف عناصر فاغنر، هو تأمين مصالح النظام الحاكم في مالي".

وأضاف في حديث للمشارق أن "بعض الإشاعات تتحدث عن توليهم تأمين الرئيس المالي عاصيمي غويتا".

وحيث أن قادة الانقلاب المالي في عام 2020 دفعوا فرنسا للخروج، فقد سحبت فرنسا قواتها من البلاد في آب/أغسطس، أي بعد أكثر من تسعة أعوام من تدخل جيشها لإيقاف استيلاء المتطرفين على الدولة المتقلبة بالساحل.

ووفق مصادر غربية، فإن الضباط المسؤولين في باماكو كانوا يتحولون على نحو متزايد إلى روسيا، ولا سيما لقوات فاغنر شبه العسكرية.

وتنكر باماكو هذا الأمر، لكنها تقر فقط بالحصول على الدعم من "مدربين عسكريين" روس.

لكن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين كانت تستهدف فاغنر في الحرب الإعلامية.

الحروب الإعلامية والبروباغندا

وقال مراقبون إن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين شنت حربا إعلامية ضد عناصر فاغنر والحكومة المالية.

وأضافوا أن السبب وراء ذلك هو أن الجماعة تحتاج تبريرا لنشاطها في المنطقة، لا سيما بعد انسحاب القوات الفرنسية.

وفي هذا الإطار، قال السيد حم علي، وهو عمدة منطقة تاودني في شمال مالي في حديث للمشارق، إنه "منذ انسحاب القوات الفرنسية من المنطقة، لم نسمع بوجود مواجهات عسكرية في منطقة تاودني أو تمبكتو".

وأضاف أن صدى أحداث القتل والمواجهات في مدينة غاوه والحدود المشتركة مع بوركينافاسو قد وصل إلى المنطقة.

وتابع "شهدت الفترة الماضية اضطرابات أمنية خطيرة، راح ضحيتها والدي الذي قتل في مدينة تمبكتو ... وكنا نعاني الأمرين من طرف الجميع".

"أما اليوم، فالوضع مستقر، لكن الحملات الإعلامية والبروباغندا لا تتوقف، وهو ما يؤثر على استقرار الوضع".

ووفق الصحافي المالي عمر سيدي محمد، فإن "اللصوص وأصحاب الجريمة المنظمة، ثم تنظيم داعش مؤخرا، مسؤولون عن عدم استقرار الوضع في شمال مالي".

وأضاف في تصريح للمشارق أن "تنظيم داعش عاث مؤخرا في الأرض فسادا، وارتكب مجازر لا يمكن وصفها إطلاقا ضد المواطنين في شمال مالي".

من جانبه، قال بوباكار حيدارا، وهو باحث في مركز بون الدولي لدراسات الصراع إن الجماعات المتطرفة قد قدمت نفسها طيلة سنوات "كالمدافعة عن السكان المحليين ضد الجيش وأذرعه الذين لا يفعلون، وفقا لهم، شيئا غير قتل المدنيين".

وأضاف أن استخدام هذه "الذريعة لتبرير عنفهم" قد أصبح أسهل مع "وصول العناصر الروسية"، والذي تزامن مع "الخسائر في الأرواح بين المدنيين التي أصبحت أكثر وأكثر فتكا".

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500