منذ عام 2016 على الأقل، تنخرط إيران بشكل متزايد في الحروب غير النظامية عبر وكلائها بالمنطقة، في محاولة منها لتوسيع رقعة نفوذها مع ارتدائها قناع براءة مخادع.
ودأبت على تزويد الجماعات المسلحة في لبنان وسوريا واليمن والعراق بالمسيرات والقطع الخاصة بها التي تستخدم لإشعال الصراعات في الشرق الأوسط.
ومؤخرا، أرسلت طائرات مسيرة إلى روسيا لاستخدامها في حربها غير المبررة ضد أوكرانيا.
وفي اليمن ووفقا لتحليل أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في كانون الأول/ديسمبر 2021، تضاعف خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2021 عدد هجمات الحوثيين العابرة للحدود ضد أهداف يغلب عليها الطابع المدني في السعودية مقارنة بالفترة نفسها من العام 2020.
واستخدمت المسيرات الإيرانية المسلحة بالطريقة نفسها ضد الإمارات.
وأصبح اليمن أيضا مركزا رئيسا في تجارة الأسلحة مع شرق إفريقيا، إذ تباع الأسلحة من قبل تجار مقيمين في اليمن في الصومال والسودان وأماكن أخرى.
وذكر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن الحوثيين المدعومين من إيران تلقوا أسلحة وتكنولوجيا وتدريبات ومساعدات أخرى من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني.
ولطالما شكّل حزب الله محورا أساسيا لبرنامج المسيرات الإيرانية، إذ قام بتجميع المسيرات في قواعده مع تهريب القطع إليها من إيران عبر سوريا.
وقال موقع إيران بريمر في تقرير صدر في حزيران/يونيو 2021، إن الجمهورية الإسلامية أمنت منذ عام 2004 مسيرات وقطعا وتصاميم مرتبطة بها لحزب الله ودربت مقاتليه.
وبين عامي 2005 و2012، حصل حزب الله على مسيرات أكثر تطورا، فوسع عملياته بالطائرات المسيرة بعد انخراطه في الحرب بسوريا عام 2012 دعما لنظام بشار الأسد.
وفي هذا الإطار، قال مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات حسن قطب إن إيران تريد عبر تزويد حزب الله بالمسيرات، تعزيز قدراته "خدمة للمشروع الإيراني في المنطقة".
وأوضح للمشارق أن هذا الأمر جليا في سوريا والعراق واليمن، حيث يشرف خبراء حزب الله على القدرات التقنية لوكلاء إيران.
حرب غير مباشرة
هذا ويؤدي اعتماد إيران على وكلائها لشن هجمات ضد خصومها، إلى إعفائها من الانخراط في صراع مباشر الخسارة محتمة فيه.
وأوضح مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن الولايات المتحدة وغيرها من خصوم إيران بما في ذلك السعودية، "يتمتعون بأفضلية كبيرة عندما يتعلق الأمر بالقوة العسكرية التقليدية".
وأضاف أن "عتاد إيران القديم من الأسلحة التقليدية البرية والجوية والبحرية، متخلف كثيرا عن الولايات المتحدة وبعض شركاء الولايات المتحدة في المنطقة".
وتلجأ الجماعات المرتبطة بإيران إلى هجمات عن بعد يصعب صدها وتستهدف منشآت حيوية مثل المنشآت النفطية في السعودية، ما يؤدي إلى تعطيل قطاع الطاقة في البلد.
هذا واستهدف الحوثيون موانئ وسفنا نفطية في اليمن بسلسلة هجمات نفذت في تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر.
وذكر السفير الأميركي إلى اليمن ستيفن فاجن في 21 تشرين الثاني/نوفمبر أن تلك الهجمات ستلحق الضرر بالشعب اليمني فقط إذ أنها ستفاقم النقص في الوقود، مطالبا الجماعة المدعومة من إيران بوقف تهديداتها للتجارة البحرية العالمية.
وفي هذه الأثناء، تواصل الاستفزازات وأعمال القرصنة الإيرانية تهديد السفن النفطية في مضيق هرمز، وهو أحد أكثر الممرات المائية حركة في العالم ويمر عبره خُمس إنتاج النفط العالمي.
اعتراض الأسلحة
وفي السنوات الأخيرة، اعترضت الولايات المتحدة وشركاؤها عشرات شحنات الأسلحة غير المشروعة على طول الطرق المستخدمة تاريخيا لتهريب الأسلحة بشكل غير قانوني من إيران إلى اليمن.
وفي هذا السياق، نجحت قوات النخبة الفرنسية بدعم من الجيش الأميركي بمصادرة شحنة ضخمة من الأسلحة الإيرانية كانت مرسلة إلى الحوثيين في خليج عُمان.
وقالت القيادة المركزية الأميركية في 2 شباط/فبراير إن الاعتراض البحري تم في 15 كانون الثاني/يناير.
وأضافت أنه "تم مصادرة أكثر من 3000 بندقية هجومية و578 ألف طلقة ذخيرة و23 صاروخا موجها حديثا ضد الدبابات".
وذكرت القيادة المركزية أن "عملية المصادرة هي واحدة من 4 عمليات اعتراض كبيرة للبضائع غير المشروعة على مدار الشهرين المنصرمين، وحالت دون وصول أكثر من 5000 قطعة سلاح و1.6 مليون طلقة ذخيرة إلى اليمن".
وفي 6 كانون الثاني/يناير، اعترضت البحرية الأميركية سفينة صيد في خليج عُمان أثناء محاولتها تهريب أكثر من 2100 بندقية هجومية على طول طريق بحري من إيران إلى اليمن.
وفي كانون الأول/ديسمبر، قامت القوات البحرية الأميركية بمصادرة مواد متفجرة وصواعق صواريخ ووقود دفع أثناء تهريبها على متن سفينة صيد من إيران إلى اليمن.
وتضمنت الشحنة 140 طنا من أسمدة اليوريا و70 طنا من بيركلورات الأمونيوم و50 طنا من طلقات الذخيرة.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر، قالت البحرية الأميركية إنها أغرقت قاربا كان ينقل شحنة "مواد متفجرة" من إيران إلى الحوثيين، وإن تلك المتفجرات تكفي لإمداد 12 صاروخا باليستيا بالوقود.
وأفادت تقارير إعلامية بأن قوات الأمن اليمنية اعترضت في 23 كانون الثاني/يناير شحنة تضم مائة محرك لطائرات مسيرة كانت مرسلة إلى الحوثيين.
ولفت مسؤولون يمنيون إلى أن قوات الأمن صادرت قطع المسيرات أثناء تفتيشها شاحنة زُعم أنها محملة بالملابس عند نقطة عبور بمحافظة المهرة، بحسب ما أوردته صحيفة الشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار، قال نائب رئيس هيئة التشاور والمصالحة عبد الملك المخلافي على تويتر إن الشحنة اعترضت عند الحدود العمانية.
وسأل "كم يمكن أن تقتل هذه المسيرات من البشر؟ وكم هربت على مدى 8 سنوات؟".
وبدوره، اعتبر المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية العقيد جو بوتشينو أن "هذا النوع من عمليات الاعتراض شديد الأهمية لأمن واستقرار المنطقة".
التهريب جوا
وبالإضافة إلى الشحنات غير القانونية التي تنقل بحرا وبرا، قامت إيران بنقل الأسلحة إلى وكلائها في المنطقة ومؤخرا إلى الكرملين دعما لحربه ضد أوكرانيا، عبر أسطولها من الطائرات المدنية.
وفي 3 شباط/فبراير، أدرجت الولايات المتحدة على لائحة العقوبات 8 أشخاص إيرانيين يشغلون مناصب قيادية في شركة بارافار بارس، وهي شركة إيرانية فرضت عقوبات عليها سابقا وتصنع المسيرات لصالح القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني.
وكشفت وزارة الخارجية الأميركية في بيان أنه "يتم نقل الطائرات المسيرة الإيرانية إلى روسيا لاستخدامها في حربها الوحشية وغير المبررة ضد أوكرانيا".
وقال محللون إن إيران تستخدم شركة ماهان للطيران لنقل أسلحة ومعدات عسكرية ومقاتلين أجانب إلى مناطق صراع مختلفة في الشرق الأوسط دعما لأجندتها التوسعية.
وقال فتحي السيد الباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات الإقليمية والاستراتيجية والمتخصص في الشؤون الإيرانية، إن بعض التقارير تصف شركة الطيران بأنها شركة الطيران الأساسية المعتمدة من الحرس الثوري وفيلق القدس.
وأوضح أن "الوحدة 190 التابعة للحرس الثوري الإيراني هي الوحدة المختصة بتهريب الأسلحة إلى الدول الأخرى كالسودان واليمن وسوريا ولبنان، وهي تستغل كل وسائل النقل المتاحة برا وبحرا وجوا من خلال شركة ماهان للطيران".
وتابع أن "وحدة أخرى رديفة تعرف بالوحدة 198، تولت أيضا تأمين النقل الجوي إلى مناطق الصراع وبخاصة نقل ضباط الحرس الثوري بسرية كاملة". وأشار إلى أن "هذه الوحدة الثانية غالبا ما تتولى مهمة حماية العمليات التي تقوم بها الوحدة 190 وتأمينها".