نواكشوط، موريتانيا - قال محللون إن إقرار يفغيني بريغوزين المقرب من الكرملين مؤخرا بأنه أسس مجموعة مرتزقة فاغنر، يؤكد تورط روسيا في الصراع الدائر في مالي بهدف اكتساب نفوذ لها في غرب إفريقيا وخارجها.
وأسس بريغوزين مجموعة فاغنر في أوكرانيا عام 2014، لكنه بقي لفترة طويلة ينفي أي علاقة له معها حتى الأسبوع الماضي.
ففي بيان صدر في 26 أيلول/سبتمبر الفائت عن شركته كونكورد، ذكر بريغوزين "قمت شخصيا بتنظيف الأسلحة القديمة واكتشاف كيفية عمل السترات الواقية من الرصاص والبحث عن متخصصين يمكنهم مساعدتي بذلك".
ووصف مقاتليه المرتزقة قائلا إن "هؤلاء الرجال الذين هم أبطال دافعوا عن الشعب السوري وشعوب أخرى في الدول العربية والأفارقة ومواطني أميركا اللاتينية المعوزين، باتوا اليوم حجر أساس لوطننا الأم".
يذكر أن مجموعة فاغنر متهمة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات وبالتدخل في صراعات بمختلف أنحاء إفريقيا، بما في ذلك في مالي وليبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان وموزمبيق، وفي دول أخرى كسوريا وفنزويلا وأوكرانيا.
وقال منتقدون إن مجموعة فاغنر تشكل "جيش الظل" التابع لبوتين ويستخدم لتحقيق مصالح الكرملين باعتماد سياسة الإنكار المعقول.
وفي هذا السياق، قال الخبير في أزمات منطقة الساحل محمد الأمين الداه، إن إرسال المرتزقة إلى المناطق التي تعاني من انعدام الأمن والحروب يعكس رغبة روسيا في تأجيج الصراعات لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو كلاهما.
وأضاف أن هذا الأمر تحديدا صحيح "إذ أن روسيا تسعى لإعادة تشكيل نفسها كقوة عظمى من خلال بوابة إفريقيا".
وتابع أن "مساعي روسيا إلى الاستفادة من الموقع الجغرافي لمنطقة الساحل عموما ودولة مالي تحديدا، ليست سوى محاولة لنسج علاقات قوية مع بقية دول المنطقة".
وأكد أن روسيا تحاول بهذه الطريقة "الإفلات من العقوبات الدولية المفروضة عليها... والحصول على أسواق ناشئة لبيع منتجاتها من الأسلحة.
وذكر "لذا من الطبيعي أن تستغل موسكو عناصر مجموعة فاغنر للتغلغل في الدولة الأكثر اضطرابا وهي مالي".
تمدد النفوذ الروسي
وأرسل مرتزقة مجموعة فاغنر لأول مرة إلى مالي في كانون الأول/ديسمبر الماضي بحجة تدريب القوات المحلية وتوفير الخدمات الأمنية لكبار المسؤولين في ظل انعدام الاستقرار السياسي المستمر والتهديدات المزايدة.
وفي تقرير صدر في شباط/فبراير الماضي، حذر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية البحثي ومقره الولايات المتحدة من أن فاغنر "ستستغل الوضع [أيضا] لتمديد النفوذ الروسي في القارة وتأمين مكاسب مالية".
وجاء في التقرير "على غرار انتشارها في جمهورية إفريقيا الوسطى، يسمح نشاط فاغنر في مالي للقادة السياسيين الماليين بمقاومة أي انقلاب على النظام مقابل امتيازات مالية ومعدنية".
ومنذ وصول فاغنر إلى مالي، ازداد عدد وخطورة حوادث العنف ضد المدنيين، حسبما أفاد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في أيار/مايو مشيرا إلى أن "حصيلة القتلى المدنيين بالصراع فاقت في الربع الأول من عام 2022 ما تم تسجيله خلال عام 2021 بأكمله".
وأضاف المركز أن القوات المالية وعناصر فاغنر أقدموا في أواخر آذار/مارس على "قتل أكثر من 300 مدني في بلدة مورا بوسط مالي خلال حصار استمر 5 أيام".
ووصفت منظمة هيومن رايتس ووتش الحادث في نيسان/أبريل بأنه "أسوأ عمل وحشي أبلغ عنه خلال النزاع المسلح الذي يدوم في مالي منذ عقد من الزمن".
وفي حديثه للمشارق، قال أحد السكان العرب من شمالي مالي طالبا عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، إن عناصر فاغنر موجودون اليوم في المدن الكبرى في شمالي البلاد حيث يتزايد الحديث عن خطر الجماعات الإرهابية.
ويشمل ذلك وفقا له غاو وكيدال وتمبكتو.
وأردف أن المرتزقة الروس "شوهدوا مؤخرا وهم يتحركون ضمن وحدات صغيرة ترافق الجيش المالي أثناء قيامه بدوريات أمنية في قرى مالي قرب الحدود الموريتانية، وتحديدا في قريتي ليريه ولارناب".
ووفقا لشهادات عديدة من لاجئين وصلوا حديثا إلى مخيم مبيرا في موريتانيا، شارك جنود ذو بشرة بيضاء يتحدثون لغة أجنبية مع وحدات الجيش المالي في عمليات تصفية أسفرت عن مقتل رعاة مسالمين.
وأكدت مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين أن العنف أدى إلى ارتفاع عدد المدنيين النازحين إلى مخيم مبيرا.
’القتل والإذلال‘
وفي آب/أغسطس بعد انتشار دام 9 سنوات في مالي، أكملت القوات الفرنسية انسحابها من البلد وانتقلت إلى دولة النيجر المجاورة.
وذكر الصحافي المالي محمد أغ أحمدو "في ما يتعلق بالتقارير حول نشاط قوات فاغنر وتورطها في تصفية السكان على الأراضي المالية، فإن فرنسا هي التي ذكرت ذلك في سياق اتهام الحكومة المالية باستقدام عناصر فاغنر".
يُذكر أن أحمدو متخصص في الأمن والاستقرار في منطقة الساحل.
وأفادت مصادر عن رؤية عناصر فاغنر في معظم مدن مالي، بينها باماكو العاصمة وموبتي في وسط البلاد وكذلك في منطقة أزواد الشمالية الشرقية والمتاخمة للجزائر والتي تشهد أكثر الأوضاع الأمنية توترا.
ولكن يمنع التعتيم الإعلامي المستمر الذي تفرضه السلطة الحاكمة في باماكو، العديد من المصادر من الكشف عن هوياتهم.
وقال المصدر الذي أصله من شمالي مالي إن "اعتماد حكومة باماكو على قوات فاغنر بحجة تعزيز قدرات الجيش في محاربة الجماعات الإرهابية المسلحة في شمالي مالي، قد يكون حقيقيا".
وأوضح أن ما يعزز هذا الاحتمال بشكل خاص هو "رحيل القوات الفرنسية مؤخرا".
وأضاف أن "الحقيقة التي لا يمكن لأحد التحدث عنها داخل مالي هي أن سكان مدن شمالي البلاد لم يستفيدوا بعد من توفير الأمن والحماية من خطر الجماعات الإرهابية".
وتابع "في الواقع لا زال السكان وخاصة العرب والطوارق، يتعرضون لعمليات القتل والإذلال نفسها على أيدي الجيش المالي وبحماية حلفائه الروس".
وقال "وكأن الحكومة المالية دفعت فرنسا للرحيل من أجل جلب روسيا التي تشاركها الأهداف نفسها، وباتت حليفتها في إفريقيا".