يبدو أن توطيد العلاقات بين الصين وإيران يكلف بيجين ثمنا باهطا.
فبالفعل، أظهرت السجلات أن سياسة التوسع الإقليمي الإيرانية والتي تمول بشكل غير مباشر من خلال دعم الصين الاقتصادي المتزايد لإيران، باتت تقوض المصالح الاقتصادية الأكبر والأكثر أهمية لبيجين في المنطقة.
وقيل الكثير عن الاتفاق الاستراتيجي الممتد على 25 عاما بين الصين وإيران وعن تنامي العلاقات العسكرية بين البلدين، وهو ما تجلى مؤخرا في الزيارة رفيعة المستوى التي قام بها وزير الدفاع الصيني وي فينغ الشهر الماضي إلى طهران.
ولكن في الوقت الذي يروج فيه كلا الجانبين لفوائد العلاقة المتنامية بينهما، تشير الدلائل إلى أن تكلفة ذلك على الصين بدأت تصبح باهظة.
وبحسب وسائل إعلام إيرانية، حققت صادرات إيران إلى الصين في الـ 12 شهرا الماضية زيادة بنسبة 58 في المائة، فيما ازدادت الواردات من الصين بنسبة 29 في المائة.
وأظهرت بيانات تتبع الناقلات أن مشتريات الصين من النفط الإيراني ارتفعت إلى مستويات قياسية في وقت سابق من هذا العام، حسبما أفادت رويترز في 1 آذار/مارس، متجاوزة الذروة التي حققتها عام 2017 عندما لم تكن تجارة النفط خاضعة لعقوبات أميركية.
ووفقا لتقديرات 3 متتبعي الناقلات، تجاوزت الواردات الصينية في كانون الثاني/يناير 700 ألف برميل يوميا، متخطية الذروة التي سجلتها الجمارك الصينية عام 2017 والبالغة 623 ألف برميل يوميا.
ولكن صدرت تقارير الأسبوع الماضي أشارت إلى أن الصين تشتري الآن نفطا روسيا أرخص وأعلى جودة، ما يترك جزءا كبيرا من النفط الإيراني دون شارين.
وبغض النظر عن ذلك، يتساءل العديد من المراقبين إلى أين تذهب كل هذه الأموال الصينية في إيران، خاصة أن الإيرانيين يعانون من تزايد الفقر والبطالة والتضخم واليأس.
وفي حين يتهم الإيرانيون المسؤولين الإيرانيين الفاسدين بسلب بعض الأرباح المحققة من تصدير النفط، إلا أن المساعدات الصينية المتزايدة لإيران توفر أيضا دعما مباشرا للحرس الثوري الإيراني.
وذكر تقرير عن العلاقات الإيرانية-الصينية صدر عن معهد الشرق الأوسط في 16 أيار/مايو، "من نافل القول، إن كل دولار يتدفق من البنوك الصينية إلى خزائن إيران سرا اليوم وعلنا بمجرد رفع العقوبات، هو دولار يمكن استخدامه لتمويل أعمال الحرس الثوري الإيراني التخريبية في جميع أنحاء المنطقة".
الحرس الثوري الإيراني يهدد المصالح الاقتصادية الصينية
وكشف التقرير إن مقاتلي الحوثيين في اليمن الذين يدعمهم الحرس الثوري، دأبوا على إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة إيرانية الصنع، "متسببين بدمار لشركاء الصين الاستراتيجيين الأكثر أهمية، أي السعودية والإمارات".
ففي آذار/مارس الماضي، أطلق الحوثيون طائرات مسيرة وصواريخ على 16 هدفا في السعودية، وأصابوا محطة توزيع المنتجات البترولية التابعة لشركة أرامكو في جدة وتسببوا في اندلاع حريق في صهريجين للتخزين.
وهذه هي الشركة نفسها التي تعرضت لهجوم مزدوج في أيلول/سبتمبر 2019 اتهمت إيران بالوقوف خلفه، ما أجبر الصين يومها على دفع 97 مليون دولار إضافي يوميا بسبب ارتفاع أسعار خام برنت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق.
وفي أذار/مارس أيضا، شن الحوثيون موجة من الهجمات العابرة للحدود بطائرات مسيرة وصواريخ استهدفت منشآت مدنية في السعودية.
واستخدموا في هذه الهجمات صواريخ كروز الإيرانية لمهاجمة محطة تحلية في الشقيق ومحطة توزيع نفط تابعة لشركة أرامكو في جيزان.
وعلى خلفية هذه الاعتداءات، دمر التحالف العربي قاربين مسيرين قبالة ساحل الحديدة، ورد أن الحوثيين كانوا يخططون لاستخدامهما في هجمات على ناقلات النفط التي تعبر مضيق باب المندب.
وفي وقت سابق من العام الجاري، شن الحوثيون 3 هجمات منفصلة على الإمارات وذلك بعد تعرضهم لسلسلة من الهزائم على الأرض في اليمن.
أما العراق وهو المستفيد الأول من مبادرة الحزام والطريق الصينية في عام 2021 مع تمويل قدره 10.5 مليار دولار، فقد استهدف أيضا بهجمات بالطائرات المسيرة حملت الميليشيات العراقية المدعومة من إيران مسؤوليتها.
هل الأمر يستحق كل ذلك؟
يُذكر أن كل مشاريع الصين الكبرى المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق في الشرق الأوسط غير متعلقة بإيران، وهذا أمر يعبّر عن الكثير.
وفي هذا السياق، أفاد موقع أغريغيتس بزنس الإخباري في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 أنه "في اجتماع منتدى التعاون الصيني-العربي في بيجين الذي عقد عام 2018، تعهدت الصين بتقديم 23 مليار دولار على شكل قروض ومساعدات إنمائية للمنطقة".
وتابع الموقع أن "الاجتماع حدد موانئ خليفة الإماراتي والدقم العماني وجيزان السعودي وبورسعيد والعين السخنة في مصر، كمشاريع رئيسة ستطورها الصين ضمن مبادرة الحزام والطريق في الشرق الأوسط".
وأضاف أن "المقاولين الصينيين يشاركون أيضا في عقود تشييد كبرى للبنية التحتية في قطر، تشمل خطط توسعة مطار حمد الدولي بقيمة 25 مليار دولار".
وذكر محلل سابق في البحرية الإيرانية تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، أنه بالنسبة إلى بيجين، الهدف من صفقتها مع طهران الممتدة على فترة 25 عاما هو "أن تحصل الصين على موطئ قدم في إيران، لا سيما في جزيرتي جاسك وكيش في الخليج الفارسي".
وقال إن تعزيز التعاون العسكري الصيني مع إيران الناتج عن الاتفاق "أمر مفروغ منه".
ومع ذلك، فإن العقوبات الدولية تعقد علاقات بيجين مع طهران ويمكن أن تشكل عقبة رئيسة أمام الخطط الاقتصادية والعسكرية للصين.
وفي هذا الإطار، يذكر أن وزارة الخزانة الأميركية فرضت يوم الأربعاء، 25 أيار/مايو، عقوبات على شركة مجموعة هاوكن للطاقة في بيجين وشركتها الفرعية، شركة هاوكن للطاقة الصينية المحدودة ومقرها هونغ كونغ، لشرائها ملايين البراميل من النفط الإيراني بقيمة عشرات الملايين من الدولارات من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
إلى هذا، فرضت عقوبات على شركة بترو تشاينا بارس ومقرها إيران، وهي كيان مشترك بين شركات الطاقة الإيرانية وشركات مماثلة في بيجين، وشركة فوجي بيتروكيميكال تشوشان المحدودة ومقرها بيجين.
واستهدفت الشركتين بالعقوبات بسبب انخراطهما في عمليات بيع وشراء ما قيمته عشرات الملايين من الدولارات من النفط الخام الإيراني من فيلق القدس التابع للحرس الثوري.
وفرضت عقوبات أيضا على شركة شاندونغ سي رايت للبتروكيماويات ومقرها بيجين، لتسديدها مستحقات مالية متعلقة بمبيعات نفط أجراها فيلق القدس التابع للحرس الثوري وشركات واجهة عاملة لحسابه.
وفي أيلول/سبتمبر 2019، أدت العقوبات الأميركية التي فرضت على وحدتين من أكبر شبكة نقل في الصين وهي شركة شاينا اوشن للشحن (كوسكو) لتواطؤهما في التحايل على العقوبات المفروضة على إيران، إلى ارتفاع فوري لأسعار شحنات النفط في آسيا وزيادة التكاليف الإجمالية بنحو 30 في المائة.
وقد تؤدي العقوبات المفروضة على الشركات الصينية أو المواطنين الصينيين بسبب أنشطتهم المتعلقة بإيران إلى خسارة الصين قطاعات كبيرة من أسواقها العالمية، علما أنه يُقدر أن هذه القطاعات ستدر عليها أضعاف عدة من الأرباح التي تتوقعها في استثمارها في إيران.