الإيرانيون يتساءلون إلى أين تذهب إيرادات النظام النفطية

في وقت يروج فيه كبار المسؤولين الإيرانيين لما حققته صادرات النفط من دخل قياسي، يتساءل النواب والمراقبون والمدنيون إلى أين تذهب كل هذه الأموال.

ففي 24 آذار/مارس الماضي، قال وزير النفط جواد أوجي إن "إيران وصلت إلى مستوى قياسي في صادرات النفط الخام وعائداته منذ أن ضربت العقوبات قطاع النفط في البلاد عام 2018".

وأرفق تغريدته بقول للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أشاد فيه بحكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لتجاوزها العقوبات الأميركية.

وفي أوائل شباط/فبراير، أفادت وكالة أنباء فارس التابعة للحرس الثوري الإيراني أن إيرادات تصدير النفط في البلاد تزايدت في الأشهر الخمسة الأولى من فترة إدارة رئيسي بنحو 500 في المائة.

وأثارت هذه الإحصائيات وغيرها من تلك التي يعدها مسؤولون في النظام، وأغلبها لا يستند إلى أي دليل، جدلا حادا داخل إيران حول المكان الذي تذهب إليه هذه الأرباح.

وتعتبر هذه المسألة حساسة جدا إذ يعيش الإيرانيون حالة من الفقر والبطالة والتضخم واليأس المتفاقم.

وشهد موقع تويتر المحظور في إيران والذي يستخدمه مع ذلك العديد من المسؤولين والمواطنين الإيرانيين عبر شبكات افتراضية خاصة، العديد من المحادثات حول أرباح النفط المزعومة انتهت بأسئلة حول سبب عدم مساهمة هذه الأموال بتحسين حياة الإيرانيين العاديين بشكل مباشر.

فعلى سبيل المثال، غرد الصحافي والناشط المقرب من الحرس الثوري الإيراني عبد الله غانجي في 10 أبريل/نيسان، قائلا "بالمناسبة، كان لدي السؤال نفسه وسألت وزير النفط ما يلي: إذا كنت تبيع المزيد من النفط ويمكنك إدخال الأموال إلى البلاد، لماذا لا نرى تأثير ذلك على معيشة الناس؟ فأجاب: لقد أنفقنا معظم هذه الأموال لتعويض عجز الموازنة عن العام الماضي والبالغ 17 مليار دولار، وأنفق الباقي على استيراد المواد الغذائية من السوق العالمية بأسعار مضاعفة".

وأدلى العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي رأيهم في تصريحات وزير النفط، وقال أحدهم "لأن هناك الكثير ممن يسرقون الأموال".

وقال آخر "كل ذلك مجرد أكاذيب". وأضاف "إنهم لا يبيعون المزيد من النفط ولا يجلبون أي أموال إلى البلاد. فهم يصدرون كمية النفط نفسها من خلال صفقات المقايضة التجارية. وعندما يدر عليهم بيع النفط الرخيص أموالا، يتوجب عليهم دفع نسبة عالية منها إلى الوسطاء".

وأشار مستخدم آخر إلى أن "النظام فاسد ويفسد الآخرين. لن يتحسن الوضع ما دام هذا النظام في السلطة".

أكاذيب وخداع

وفي حديثه للمشارق، قال الصحافي المقيم في إيران والذي يغطي الشؤون المتعلقة بالنفط علي حاتمي إنه لا يصدق ما جاء في بيان وزارة النفط حول دخل البلاد من صادرات النفط خلال السنة الأولى من رئاسة رئيسي.

وأوضح أن "هذا النظام مبني على الأكاذيب والخداع. يطلق المسؤولون فيه سلسلة من التصريحات ’للاستخدام المحلي‘، بينما يدلون بتصريحات مختلفة للغرب. إنهم يتفاخرون بكمية النفط التي تمكنوا من بيعها، وفي الوقت نفسه يشتكون من العقوبات".

وأضاف حاتمي أن الجمهورية الإسلامية لا تتمتع بأي مصداقية ولا يوجد سبب يدعو أي شخص لتصديق أي شيء يقوله مسؤولوها.

وكان وزير الطرق وإعمار المدن السابق عباس أخوندي، قد لمّح مؤخرا إلى انخراط الحرس الثوري الإيراني في "اقتصاد سري" عندما أعلن عن وجود "شبكة فساد عابرة للحدود الوطنية".

وفي آب/أغسطس الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شبكة تهريب نفط إيرانية مقرها عُمان، على خلفية مساعدتها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في بيع النفط الإيراني لعملاء أجانب.

وحددت هوية مدير الشبكة على أنه المواطن العماني محمود رشيد عمر الحبسي، وكان يتعاون مع كبار مسؤولي فيلق القدس التابع للحرس الثوري وبينهم رستم قاسمي.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ادعى كبير المسؤولين الاقتصاديين في إدارة رئيسي والقائد السابق في الحرس الثوري محسن رضائي، أن إيران كانت تبيع النفط عن طريق التهريب و"تنقل العائدات إلى البلاد سرا" بسبب العقوبات.

كثيرون يلقون باللوم على الحرس الثوري

ويرى العديد من الإيرانيين علاقة مباشرة بين اختلاس عائدات النفط والفساد بشكل عام، وضباط الحرس الثوري السابقين والحاليين الذين يتمتعون في إدارة رئيسي بتمثيل كبير مبالغ فيه ويشغلون مناصب رفيعة.

وشغل وزير النفط أوجي مناصب الوزارة بقادة سابقين في الحرس الثوري وقوات الأمن، على الرغم من أنه لم يكن يوما عضوا في الحرس الثوري.

واتُهم أفراد آخرون من حكومة رئيسي بالفساد والاختلاس من قبل القضاء في الجمهورية الإسلامية نفسها، كما اتُهم غيرهم بتنفيذ أعمال إرهابية ووضعوا على قائمة "المطلوبين" أو فرضت عليهم عقوبات من قبل الغرب.

ومن بين هؤلاء وزير الداخلية أحمد وحيدي وهو أول قائد لقوات الحرس الثوري الإيراني واتهم بالتورط في تفجير مركز الجالية اليهودية في الأرجنتين عام 1994.

ووحيدي على "قائمة المطلوبين" في الإنتربول منذ سنوات عدة.

ومن بينهم أيضا وزير المخابرات إسماعيل الخطيب وهو شخصية متطرفة مرتبطة ارتباطا وثيقا بخامنئي وأحد مؤسسي قسم المخابرات في الحرس الثوري.

ويشتهر كل من وحيدي والخطيب بقسوتهما وقوة التزامهما بخامنئي والحرس الثوري الإيراني.

’جهاز المافيا العسكري والأمني‘

وفي السياق نفسه، قال المحلل الإيراني بهزاد بغائي "بعد 8 سنوات من التوتر بين وزير الخارجية السابق جواد ظريف والحرس الثوري الإيراني، أصبحت السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الآن رسميا وعلنا تحت سيطرة جهاز المافيا العسكري والأمني".

وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، حليفا قديما للقائد السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.

وعلى غرار سليماني، أعطى أمير عبد اللهيان الأولوية لتدخل النظام الإيراني في المنطقة واختار دعم وكلاء الحرس الثوري الإيراني فيها على حساب المصلحة الوطنية.

ومن الشخصيات الأخرى ذات السمعة السيئة التابعة للحرس الثوري والتي تجلس اليوم على طاولة الحكومة الحالية، وزير الطرق وإعمار المدن رستم قاسمي الذي كان قد شغل منصب وزير النفط في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

وشغل قاسمي سابقا منصب قائد مقر خاتم الأنبياء للبناء والإعمار التابع للحرس الثوري الإيراني، وهو يخضع لعقوبات أميركية لتورطه في العديد من صفقات الحرس الثوري الإيراني الاقتصادية الفاسدة الشبيهة بصفقات المافيا.

ومع 40 عاما من الخبرة في الحرس الثوري الإيراني، شغل مناصب عدة بدءا من منصب قائد مقر خاتم الأنبياء ووصولا إلى نائب المدير الاقتصادي لفيلق القدس التابع للحرس الثوري.