في بحثها عن موطئ قدم اقتصادي وعسكري في الشرق الأوسط، وقعت الصين مؤخرا اتفاقا ضخما مع إيران مدته 25 عاما. وفي الوقت الذي وصف فيه النظامان هذه الصفقة بأنها "مربحة للجانبين"، أكد مراقبون إنه من الحكمة لإيران ألا تعلق أية آمال في الخلاص الاقتصادي على مثل هذه الاتفاقات التي تندرج في إطار مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين.
فأي اتفاق بين الصين وإيران يقوم على اختلال كبير في توازن القوى: إيران بحاجة إلى الصين، لكن العكس ليس صحيحا.
والصين هي الشريك التجاري الأول لإيران. ويذكر كتاب حقائق العالم لوكالة المخابرات المركزية الأميركية أن 48 في المائة من صادرات طهران تذهب إلى بكين.
لكن الصين تعطي دول الشرق الأوسط الأخرى الأولوية على حساب إيران، كون العقوبات الدولية تعقد التجارة مع طهران.
وقالت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في آب/أغسطس إنه "منذ عام 2005، لم يتجاوز متوسط الاستثمار الصيني في إيران 1.8 مليار دولار سنويا، ويعتبر هذا المبلغ أقل بشكل ملحوظ من استثماراتها في السعودية والإمارات".
وذكر الكتاب السنوي الإحصائي الصيني الرسمي لعام 2020 قائمة أكبر 18 مصدّرا للبلاد، وفي حين ظهرت السعودية والكويت على تلك القائمة، لم تذكر إيران فيها.
وفيما يتعلق بالنفط، تزود إيران الصين بما نسبته 3 في المائة فقط من واردات النفط الصينية، حسبما أفادت صحيفة ذا دبلومات في آذار/مارس، في وقت تحتل فيه السعودية وروسيا والعراق والبرازيل المراتب الأولى في توريد النفط لبكين.
ووصف موقع أغريغارتس بيزنيس الإخباري في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بعض أهم مشاريع مبادرة الحزام والطريق في الشرق الأوسط قائلا: "في اجتماع لمنتدى التعاون بين الصين والدول العربية في بكين عام 2018، تعهدت الصين بتقديم 23 مليار دولار على شكل قروض ومساعدات تنموية للمنطقة. وتم في الاجتماع تحديد ميناء خليفة الإماراتي والدقم العماني وجيزان في السعودية وبورسعيد والعين السخنة في مصر، كمشاريع رئيسة ستطورها الصين بالتعاون مع مبادرة الحزام والطريق في الشرق الأوسط". وغني عن القول إنه لا علاقة لإيران بأي من هذه المشاريع.
"وينفذ المقاولون الصينيون عقودا رئيسية لتطوير البنية التحتية في قطر، بينها خطط لتوسيع مطار حمد الدولي بقيمة 25 مليار دولار".
مثقلة بالديون ومعزولة ومحاصرة
ووفقا للتفاصيل التي أعلن عنها الجانبان، تنص "اتفاقية التعاون الاستراتيجي" البالغة 400 مليار دولار والموقعة في آذار/مارس ، على أن تستثمر الصين في إيران على مدى 25 عاما مقابل أن تؤمن لها إيران إمدادات ثابتة من النفط والتي يُرجح أن تحصل عليها بسعر منخفض.
ويدعو الاتفاق أيضا إلى إجراء مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة وأبحاث ثنائية وتطوير أسلحة، إضافة إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية.
ومن وجهة نظر بكين، قال محلل سابق في البحرية الإيرانية تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، فإن "الهدف من الصفقة هو أن تحصل الصين على موطئ قدم في إيران، لا سيما في جزيرتي جاسك وكيش في الخليج الفارسي".
وأضاف أن تعزيز التعاون العسكري الصيني مع إيران نتيجة للصفقة هو "أمر مفروغ منه".
لكن السرية التي أحاطت بالاتفاق أثارت قلقا كبيرا بين العديد من الإيرانيين الذين لا يثقون بالصين، وأشاروا إلى أن النظام الإيراني "يبيع البلاد للصين مقابل لا شيء تقريبا".
من جهة أخرى، يضع الاتفاق الصين أيضا في موقف ضعيف لأنه يعرضها للعقوبات الأميركية.
وبمجرد تنفيذ الاتفاقية، سيكون النظام الإيراني الضعيف والمعزول دوليا والمحاصر والذي قدم التزامات اقتصادية قاسية، تحت رحمة نظام صيني مندفع وواثق من نفسه.
ويخشى العديد من المراقبين من أن تقدم بكين قروضا باهظة الثمن لإيران تفرض المزيد من التنازلات منها قد تطال المجال العسكري، على غرار ما فعلته في الماضي مع بعض الدول الضعيفة عندما فرضت عليها عقودا مرهقة.
وأنشأت الصين بالفعل سلسلة من الموانئ على طول المحيط الهندي، وأنشأت بذلك شبكة من محطات التزود بالوقود وإعادة الإمداد من بحر الصين الجنوبي إلى قناة السويس. ومع هذه الصفقة، سينتقل التركيز الآن إلى مينائي جاسك وتشابهار الإيرانيين.
وهذان الميناءان تجاريان، لكن الاتفاقية قد تفسح المجال أمام البحرية الصينية لتوسيع وجودها في المنطقة انطلاقا منهما.
في الوقت عينه، تمنح الاتفاقية المزيد من القوة للحرس الثوري الإيراني.
فالصين تسعى لتعزيز نفوذها، والصفقة مع إيران تبدو فرصة رئيسة ووسيلة مناسبة لتحقيق الغاية التي تسعى لها بكين.
لكن ما تقدمه الصفقة أيضا هو دعم غير مباشر للحرس الثوري الإيراني المصنف منظمة إرهابية، وذراعه في الخارج، فيلق القدس.
ويذهب جزء كبير من موازنة الجمهورية الإسلامية السنوية لتمويل الحرس الثوري الإيراني وأنشطته وحلفائه في الخارج.
ويقوم فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي يحدد هدفه على أنه "تصدير الثورة الإيرانية"، منذ عقود بتصدير الإرهاب إلى المنطقة من خلال تسليح ميليشيات وكيلة في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن وأفغانستان.
وتعمل هذه الميليشيات الوكيلة بشكل ممنهج على زعزعة استقرار المنطقة من خلال شن هجمات على أهداف استراتيجية بالقاذفات والصواريخ والطائرات المسيرة.
ولا تعوق الأعمال التخريبية التي يواصل الحرس الثوري الإيراني القيام بها التنمية والتعافي في إيران فحسب، بل تشكل أيضا عقبة رئيسة أمام خطط الصين الاقتصادية والعسكرية.
ومثال على ذلك العقوبات الأميركية التي فرضت في أيلول/سبتمبر 2019 على وحدتين من أكبر شركات شبكة النقل في الصين، تشاينا أوشين شيبينغ كو (كوسكو)، لتواطؤهما في التحايل على العقوبات المفروضة على إيران.
وقد أدى الحظر المفروض على تشاينا أوشين شيبينغ كو إلى ارتفاع فوري في أسعار شحنات النفط في آسيا وزيادة تكاليفه الإجمالية بنحو 30 في المائة.
لا شك أن العقوبات المفروضة على الشركات الصينية أو المواطنين الصينيين بسبب أنشطتهم مع إيران ستجعل الصين تفقد قطاعات كبيرة من أسواقها العالمية، والتي يُقدر أنها تدر أضعاف الأرباح المحتمل أن تحصل عليها من استثماراتها في إيران.