في وقت تستعد فيه جمهورية إيران الإسلامية للاحتفال بالذكرى السنوية الـ 42 لتأسيسها في 10 شباط/فبراير الجاري، تواجه البلاد عزلة سياسية ويعاني الاقتصاد من الركود ويشعر الشعب بالإحباط جراء استعداد النظام للتضحية في الداخل من جهة، وإنفاق مبالغ طائلة على وكلائه في الخارج من جهة أخرى.
وبحسب تقديرات وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث البارزة، كانت إيران تنفق حتى العام 2018 وهو العام الأخير الذي تتوفر عنه أرقام موثوقة، 16 مليار دولار سنويا لدعم وكلائها الإقليميين في لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان واليمن.
وقال الصحافي الإيراني المقيم في الولايات المتحدة شاهين محمدي إنه باستثناء لبنان حيث اشترت إيران نفوذا سياسيا لها عبر دفع ما يقدر بـ 700 مليون دولار سنويا لحزب الله، فشلت جهودها في التأثير على سياسات هذه الدول إلى حد كبير.
وأضاف أنه حتى في حالة حزب الله، تضررت صورة إيران، لا سيما مع "ارتباط الحزب بتهريب المخدرات ونهج اليد الحديدية الذي يعتمده في السياسة اللبنانية".
’علامات الإهمال في كل مكان‘
وقال محمدي إنه "بغض النظر عن الثمن السياسي، فرضت سياسات طهران تكلفة حقيقية على الشعب الإيراني".
وتابع أنه "خلال الحرب مع العراق وخلال فترة إعادة الإعمار الفاشلة بعد الحرب والآن حتى، امتنعت الجمهورية الإسلامية بشكل متواصل عن الاستثمار في البنية التحتية للبلاد".
وأشار إلى أنها امتنعت أيضا عن تنمية المناطق الفقيرة في البلاد وعن تخفيف المعاناة الاقتصادية التي يواجهها الناس.
وتبرز علامات هذا الإهمال في كل مكان في إيران. ففي عام 2016، قال وزير النفط بيجان زنغنه إن البنية التحتية النفطية في البلاد وهي غير فعالة إطلاقا وتسبب تلوثا شديدا، "تحتاج خلال العقد المقبل إلى تحديثات بكلفة مليار دولار".
وأضاف أنه لإتمام ذلك، "تحتاج [إيران] إلى التكنولوجيا الأميركية وليس إلى المعدات الصينية".
من جهته، اعتبر محلل سابق في البحرية الإيرانية طلب عدم الكشف عن هويته، أنه بعد الاتفاق النووي لعام 2015 المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، كانت هناك فرصة حقيقية أمام إيران للتعاون مع الولايات المتحدة عبر التنازل قليلا.
ولكن لم يقبل الحرس الثوري الإيراني والمتشددون بذلك، حسبما أضاف. وذكر أنهم أرسلوا فورا إشارات مهددِة، ملمحا إلى التجارب الصاروخية التي أجراها الحرس الثوري بعيد دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
وحتى في القضايا التي تبدو غير حرجة وتطال جميع الإيرانيين، تواصل الجمهورية الإسلامية إعطاء الأولوية لسياسة المواجهة التي وسمتها، على حساب تأمين الرفاه لمواطنيها.
وفي كانون الثاني/يناير، عمد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إلى حظر الحكومة من استيراد لقاحات كوفيد-19 من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، زاعما بدون أي دليل أن البلدين يعتزمان "اختبار" اللقاحات على الإيرانيين.
وعوضا عن ذلك، أعلنت الحكومة الإيرانية أنها تخطط لشراء لقاحات من روسيا، على الرغم من معارضة المجتمع الطبي الإيراني لهذه الخطوة.
إيواء القاعدة واستضافة طالبان
هذا وتشكل علاقات النظام الإيراني المتواصلة مع مختلف الجماعات الإرهابية والمسلحة على مر السنين، عوامل إضافية تدفع إيران بعيدا عن المجتمع الدولي.
وقال وزير الخارجية الأميركية السابق مايك بومبيو في 12 كانون الثاني/يناير، إن إيران أصبحت "المركز الجغرافي الرئيسي للقاعدة"، مؤكدا المعلومات التي تفيد بأن الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أبو محمد المصريقتل العام الماضي في طهران.
وبعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر على الولايات المتحدة في العام 2001، كان المصري وسيف العدل ونجل أسامة بن لادن حمزة بن لادن، ينتمون إلى مجموعة من كبار قادة القاعدة الذين فروا من أفغانستان ولجأوا إلى إيران.
ووفقا لمتخصصين في شؤون الإرهاب، تولى المصري توجيه حمزة بن لادن في إيران وتدريبه لقيادة التنظيم. وقُتل حمزة بن لادن العام الماضي في عملية لمكافحة الإرهاب في منطقة أفغانستان-باكستان.
ولا يزال العدل طليقا لكن يعتقد أنه موجود في إيران.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن القاعدة "تكتسب قوة في أفغانستان بينما تواصل العمل مع طالبان وتحت حمايتها".
وتدعي إيران التي كادت أن تخوض حربا مع طالبان في أواخر التسعينيات، أنها عدوة لطالبان والقاعدة على حد سواء.
ولكن في أواخر كانون الثاني/يناير، استضافت إيران قادة حركة طالبان الأفغانية في طهران، في زيارة وصفها النظام بأنها وساطة من أجل السلام في أفغانستان.
وذكرت واشنطن أن إيران تقدم الدعم لطالبان بغرض استهداف القوات الأميركية في أفغانستان.
وقبل وقت طويل من تفشي الوباء العالمي، شعر الإيرانيون بتأثير ممارسات إيران العدوانية في المنطقة والعزلة التي باتت جزءا من حياتهم اليومية، لكن الظروف اليوم تزداد سوءا بشكل واضح.
وفي هذا السياق، قالت المهندسة المعمارية مريم خراساني التي تقيم في شمالي شرقي إيران، "يبدو الأمر كما لو أننا عدنا إلى زمن الحرب مرة أخرى. لا يمكننا شراء اللحوم أو الدجاج. حتى الأرز أصبح ثمنه باهظا".
يُذكر أن راتب أكثر من نصف العمال الإيرانيين يبلغ 160 دولارا تقريبا في الشهر. ومنذ تموز/يوليو 2020، يتراوح سعر اللحوم بين 10 و40 دولارا للكيلوغرام الواحد.
ووجد تحليل أجرته محطة البي.بي.سي أنه بين عامي 2007 و2017، زاد معدل الفقر في إيران بنسبة 15 في المائة. ومنذ ذلك الحين، فقدت العملة الوطنية أكثر من 70 في المائة من قيمتها.
وعلى الرغم من أن البيانات المتاحة للجمهور تظهر أن معدل البطالة الإجمالي في إيران يبلغ نحو 12 في المائة، يبقى الرقم الحقيقي أعلى بكثير ليصل "على الأرجح إلى ما لا يقل عن 50 في المائة"، حسبما أكدت خراساني التي غالبا ما عانت خلال العقد الماضي لإيجاد فرصة عمل.
’لا لغزة ولا للبنان‘
ولفت مراقبون إلى أن الغضب الشعبي من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وصل إلى نقطة الغليان، محذرين من أن الجولة التالية من التظاهرات الشعبية قد تكون أكثر عنفا بكثير من التظاهرات التي اندلعت في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 احتجاجا على ارتفاع أسعار الوقود.
وعلى مدى العقد الماضي، شكلت هذه الضغوط الاقتصادية المحرك الرئيسي للتظاهرات في إيران، علما أن المتظاهرين غالبا ما استنكروا تركيز النظام على التدخل في شؤون دول المنطقة على حساب شعبه.
وفي عام 2009 حين خرج ملايين الإيرانيين إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير والإصلاح في أعقاب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها، هتف المتظاهرون "لا لغزة ولا للبنان، أنا أضحي بحياتي من أجل إيران فقط".
وعندما انطلقت التظاهرات في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 إثر قرار الحكومة المفاجئ بزيادة أسعار الوقود بثلاثة أضعاف تقريبا، هتف المتظاهرون "اتركوا سوريا وشأنها، فكروا فينا".
وأظهرت مقاطع فيديو نُشرت على موقع يوتيوب محتجين وهم يمزقون صور خامنئي والجنرال الإيراني البارز قاسم سليماني. وقد أوقف النظام خدمة الإنترنت طوال أسبوع كامل لمنع انتشار مقاطع الفيديو والمعلومات التي تُظهر أعمال القمع الوحشية للنظام خارج البلاد.
وبدأ قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يمثل وجه التدخل الإقليمي الإيراني، وذلك قبل أن قتل في غارة أميركية نفذت ببغداد في كانون الثاني/يناير 2020.
وردت قوات الأمن بقيادة الحرس الثوري الإيراني على تظاهرات 2019 بإطلاق النار على المتظاهرين في عدة مدن، واعتقلت بعد ذلك المئات منهم وعذبتهم. وأشارت بعض التقديرات إلى أن نحو 1500 مدني إيراني قتلوا خلال التظاهرات.
وقالت المعلمة المتقاعدة المقيمة في ضواحي طهران فاطمة نابوفات، "هذا المكان لم يعد بلدا".
وأضافت أن النظام "حوّله إلى كومة من الأنقاض".
هل هذا يعني أن 42 عاما قد مروا؟ حسنا، أنا لم أكن قد خلقت بعد قبل الثورة. لكني قرأت مذكرات أولئك الذين أعدموا في سبعينيات القرن العشرين وأيضا الشباب الذين أعدموا في ثمانينيات القرن العشرين. النقطة المشوقة هي أنه في ثمانينيات القرن الماضي، كان الجميع متفقين على أنه "لم نرد أن يحدث ذلكا" وهكذا. على أي حال، كل هذا كان في الماضي، والجدال حول ذلك لم يعد مجديا. لم يكن النظام السابق يستطع أن يواجه هذا نظام الملالي هذا. في الواقع الأمر كان حكم الملالي مجديا لأن اليوم بات الناس يدركون الطريقة التي تعمل بها حكومة الملالي والحرس الثوري الإيراني. فحكم كهذا لا يؤدي إلا إلى المزيد من الفقر والبؤس، والأمر يزداد سوءا كل يوم. لا أعرف ما إذا كنت سأكون حيا يوم تتويج الملالي أم لا، لكن منذ بضعة أيام رأيت عددا كبيرا من أفراد شرطة الشغب يقومون بالمناورات في منطقتنا، فقلت في نفسي "ما نوع الثورة التي كان من المفترض أن تكون عليه! فداعم المقهورين جاء اليوم لسحق الثوار الزائفين بالهراوات.
الرد1 تعليق