قال مراقبون إن الصين تحاول توسيع رقعة نفوذها الاقتصادي في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج الغنية بالنفط عبر السعي بقوة لتكوين شراكة استراتيجية مع إيران باستخدام الجمهورية الإسلامية كنقطة ارتكاز.
ولهذه الغاية، تطلق بيجين مشاريع في المنطقة وتعد باستثمار قطاعي ضخم عبر إبرام اتفاقات مع دول بالشرق الأوسط في إطار برنامج "النفط مقابل الإعمار".
ويتمثل جزء حيوي من تلك الاستراتيجية في مبادرة "الحزام والطريق" (والمعروفة أيضا باسم مبادرة "حزام واحد، طريق واحد") التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ في 2013، والتي تهدف لبناء شبكة واسعة من مشاريع البنية التحتية من شرق آسيا إلى أوروبا وأفريقيا.
ويكمن الهدف الرئيسي لهذه المبادرة في جعل الاقتصاد العالمي معتمدا على الصين، بحسب ما يقول محللون.
وأضافوا أن المبادرة التي تقدر كلفتها بتريليون دولار أميركي تتجاوز نطاق أي هدف تجاري أو اقتصادي، إذ تسعى لترسيخ الثقل والنفوذ السياسيين للصين في صياغة السياسات والقرارات الدولية.
وفي إطار سعيها للهيمنة، تتحرك الصين بقوة نحو حليفتها إيران لإقامة علاقات طويلة الأمد تخدم مصالح كلا الجانبين.
ففي منتصف شهر كانون الثاني/يناير، أعلنت طهران أنها ستبدأ بتنفيذ اتفاق تعاون استراتيجي شامل يمتد لمدة 25 عاما مع الصين، كان قد تم التوقيع عليه في العام الماضي.
وبموجب بنود الاتفاق، ستشارك إيران في مبادرة الحزام والطريق عبر إطلاق مشاريع استثمارية بقيمة 400 مليار دولار.
وفي المقابل، ستشتري الصين النفط الإيراني مقابل خصم 30 بالمائة من سعره في السوق العالمية، حسبما صرح مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل للمشارق.
وعلى الرغم من العقوبات الدولية المفروضة على طهران، تظل الصين إحدى أكبر الدول المستوردة للنفط الإيراني، حيث ورد أن الصادرات التي شحنت إلى بيجين بلغت مستوى قياسيا في الربع الأول من العام الجاري هو 840 ألف برميل يوميا.
أهداف مشتركة
وقال حسين إن "كل من الصين وإيران لديهما أهداف مشتركة في هذا التعاون الاستراتيجي".
وأوضح أن "الصين تطمح لأن تصبح مركز ثقل اقتصاديا عالميا عبر وضع أيديها على الموارد المعدنية الهائلة في المنطقة".
وأضاف "أما بالنسبة لإيران، فهي تريد أن تقوي علاقاتها مع الشركاء الدوليين مثل الصين وروسيا في مواجهة العقوبات الغربية".
وتابع أن اهتمام إيران بتقوية علاقاتها مع الصين مرتبط كذلك بدور بيجين في دعم صناعات التسليح الإيرانية.
وذكر أن هذا يتضمن برنامج الصواريخ البالستية والمشاريع النووية التي تبلغ كلفتها مليارات الدولارات وحروب إيران بالوكالة لتقويض الاستقرار في المنطقة.
ولدى إيران أولوية، ولا يسبقها في ذلك المجال إلا روسيا، في الحصول على الخبرة العسكرية والأسلحة الحديثة من الصين التي تعد أكبر مورد أسلحة لإيران.
هذا وعقدت سلسلة من اللقاءات رفيعة المستوى بين مسؤولين من كلا الجانبين منذ العام الماضي، وآخرها في 27 نيسان/أبريل مع زيارة وزير الدفاع الصيني في فانغ هي إلى طهران.
وقال محللون إن هذا التعاون أثار الشكوك بين دول الخليج، فيما تظل الصين ضامنة لأمن إيران وراعية لدورها التخريبي في المنطقة.
ويجري ذلك على الرغم من زعم الصين أنها تريد أن تتقرب من بلدان الشرق الأوسط من خلال تشجيعها على المشاركة في مبادرة الحزام والطريق والإشارة إلى أنها ستعجل مفاوضات التجارة الحرة.
يُذكر أن الصين تستورد 40 بالمائة من احتياجاتها النفطية من الخليج، وقد بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين 180 مليار دولار في عام 2020.
وقال حسين إن "الصين لا تتجاهل أيضا أهمية العراق الذي لديه احتياطيات طاقة ضخمة".
مصالح صينية في العراق
وذكر حسين أن الميليشيات العراقية الموالية للحرس الثوري الإيراني تمارس الضغوط لتعزيز وحماية المصالح الصينية في العراق، وذلك بناء على رؤية طهران الخاصة بـ "الاتجاه شرقا".
وأضاف أن الميليشيات التي تسعى لإقامة منطقة نفوذ استراتيجي لإيران تحاول أيضا الاستفادة من دعمها للاستثمارات الصينية لزيادة ثرواتها.
وتحت رعاية مبادرة الحزام والطريق، منحت الصين تمويلا بقيمة 10.5 مليار دولار للعراق منذ العام الماضي لبناء مشاريع بنية تحتية، بما في ذلك محطة كهرباء ومطار.
ولكن رغم ذلك، لا تريد بغداد أن تحتكر الصين سوق الاستثمارات العراقية، بحسب محللين.
وأوردت وكالة رويترز يوم 17 أيار/مايو أن الحكومة العراقية اعترضت العام الماضي على إبرام 3 اتفاقيات كانت الصين تعتزم من خلالها شراء حصص في الاستثمارات النفطية من شركات دولية.
وعبّر مسؤولون عراقيون عن قلقهم من أن يؤدي إعطاء الشركات الصينية المزيد من السيطرة على حقول النفط بالبلاد، إلى تسريع مغادرة الشركات الغربية وجعل العراق منطقة أقل استقطابا للاستثمارات الأجنبية.
وقال مسؤول عراقي لم يكشف عن اسمه لوكالة رويترز "لا نريد أن يتم وصف قطاع الطاقة العراقي بأنه قطاع تقوده الصين، وقد تم الاتفاق على هذا الموقف بين الحكومة ووزارة النفط".
وأضاف أن "الوجود الاستثماري الصيني ليس مهما في العراق بالمقارنة مع قوة ومكانة شركات الاستثمار الأميركية والأوروبية".