القاهرة - رفضت شريحة كبيرة من السوريين العفو الذي حظي بتغطية إعلامية كبيرة والذي أصدره بشار الأسد عن سجناء سياسيين يقبع بعضهم في سجون النظام المعروفة بسوء سمعتها منذ نحو عقد من الزمن.
وبعد أن أعلن النظام عن إطلاق سراح "مئات" السجناء خلال عفو جماعي بمناسبة عيد الفطر، انتظرت عشرات العائلات بقلق في وسط دمشق لمعرفة ما إذا كان أحباؤها من بين المفرج عنهم.
وشارك كثيرون في وقفة احتجاجية خلال الليل، رافعين صورا لأقاربهم وكلهم أمل بأن يكونوا في عداد الذين سيعودون بأمان.
ولكن كانت خيبة الأمل نصيب العديد منهم.
ولم يتضح العدد الدقيق للسجناء الذين تم العفو عنهم، ولكن قال ناشطون إنه عدد صغير مقارنة بإجمالي عدد السجناء في سوريا.
وأظهرت التقارير الأولية إطلاق سراح مجموعة من 60 سجينا، ونشر ناشطون سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي قائمة بأسماء 20 معتقلا أُفرج عنهم، بينهم أشخاص أهدروا سنوات طويلة في سجن صيدنايا سيء السمعة.
وأصدر الأسد مرسوما يقضي بمنح "عفو عام عن الجرائم الإرهابية التي ارتكبها السوريون" قبل 30 نيسان/أبريل 2022، "باستثناء الجرائم التي أفضت إلى موت أشخاص والمنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب".
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، إن هذا يعني إمكانية إطلاق سراح عشرات الآلاف، مشيرا إلى أن تعبير "جرائم الإرهاب" هو "وسم فضفاض يستخدم لإدانة المعتقلين تعسفيا".
ولكن حتى الآن قليلون هم الذين ذاقوا طعم الحرية.
ووفقا لعدد من السوريين الذين تحدثوا للمشارق، ما يزال العديد من السجناء الذين انتقدوا النظام السوري ببساطة أو كانوا معارضين له رهن الاعتقال.
ووصفوا العفو بأنه "مهزلة".
وقالوا إن المرسوم الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة وما تبعه من إفراج رمزي عن السجناء، ما هو إلا محاولة من قبل الأسد لتلميع صورته والتستر على معاملة نظامه القاسية للسجناء.
وخلال زيارة الرئيس السوري الأخيرة والنادرة لإيران، قام حليفه المرشد الإيراني علي خامنئي بالإشادة علنا به على الرغم من ظهور أدلة جديدة تظهر ارتكابه جرائم حرب.
وبحسب بعض التقديرات، قامت إيران بإرسال آلاف الجنود للقتال إلى جانب قوات النظام السوري العسكرية. وبين هذه القوات الميليشيات التي دربها وسلحها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وأشار خامنئي إلى دور فيلق القدس التابع للحرس الثوري في مساعدة الأسد على مواصلة الحرب ضد شعبه، معتبرا قائده الراحل قاسم سليماني "إحدى الركائز الأساسية لانتصار سوريا في الحرب".
’ما لا يقل عن 200 ألف سجين‘
وفي حديث للمشارق، قال الناشط في منطقة دمشق محمد البيك، إن "آلاف العائلات السورية ما تزال تنتظر إطلاق سراح أبنائها من سجون النظام، ويشهد محيط السجون تجمعات عديدة لأفراد عائلات السجناء".
وكشف أن عدد الأسرى المفرج عنهم لا يتخطى المئات، مشيرا إلى أن هذه النسبة ضئيلة جدا بالمقارنة مع إجمالي عدد المعتقلين أو المخفيين قسرا.
وقال إن أهالي المعتقلين يعيشون في حالة معاناة شديدة، إذ أن العفو عن الأسرى جاء عشوائيا ولم يتم إخطار الأهالي بهوية السجناء الذين سيفرج عنهم بموجبه.
وتابع البيك أنه بسبب عدم تواصلهم مع عائلاتهم، اضطر بعض السجناء المفرج عنهم إلى العودة وحدهم إلى منازلهم لأن عائلاتهم لم تكن على علم بالإفراج عنهم.
وأضاف أن النظام لم يصدر حتى الآن قائمة بأسماء السجناء المفرج عنهم، مقدرا أن أجهزته الأمنية احتجزت منذ عام 2011 ما لا يقل عن 200 ألف سوري.
ووصف المرسوم الرئاسي بأنه فارغ، مشيرا إلى أن آلاف العائلات لا تملك أي معلومات عن أقاربها الذين ما يزالون يقبعون في سجون النظام.
واتهم النظام السوري أيضا بمحاولة استخدام إعلان العفو كشكل من أشكال الدعاية ونشر الأخبار في وسائل الإعلام التابعة له وعبر حسابات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة كطريقة لتحسينصورته.
حملة دعائية لتلميع صورته
وبحسب الناشط المستقل من درعا جمعة المسالمة، يستخدم النظام ورقة الإفراج عن السجناء في إطار حملة دعائية لتلميع صورته.
وأشار إلى أن تغطيتها الإعلامية تستهدف بشكل خاص المناطق التي يعارض سكانها النظام بشدة، مثل درعا وريف دمشق.
وأضاف "في درعا على سبيل المثال، أفرج عن عشرات السجناء فقط، في حين أن عدد المعتقلين يبلغ المئات".
وتابع أن "الجميع يحافظون على صمتهم خوفا من الانتقام من الذين يأملون في أن يكونوا [أحياء] وما يزالون رهن الاحتجاز".
وقال المسالمة إن توقيت العفو الرئاسي كان مفيدا للأسد في درعا بشكل كبير، لا سيما بعد حالة التوتر الأخيرة التي شهدتها المدينة بين الأهالي وجهاز أمن النظام.
وأوضح أن أهالي درعا حافظوا على هدوئهم خوفا من انتقام النظام وتحسبا لعدم الإفراج عن أقاربهم إذا احتجوا ضده.
من جهته، ذكر المحامي السوري بشير البسام أن العفو الرئاسي أعلن مباشرة بعد انتشار مقطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع يظهر إعدام سجناء.
وقال إن النظام يحاول عبر إصدار مرسوم العفو التعتيم على الفيديو وصرف الأنظار عن سنوات من انتهاك حقوق السجناء.
ولفت البسام إلى أن عمليات الإعدام التي نفذها النظام السوري ولا سيما تلك التي نفذت خلال السنوات الأولى من الصراع، نفذت بطريقة تعسفية.
وأوضح أن "الضباط والجنود وعناصر من الميليشيات الموالية للنظام هم الذين نفذوا عمليات الإعدام".
واعتبر أن حملة النظام الدعائية التي نشطت مؤخرا على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، تهدف دون أدنى شك إلى تضخيم عدد المفرج عنهم من أجل صرف الأنظار عن جرائمه.
ولا تزال أدلة جديدة على المعاملة الوحشية التي يمارسها النظام ضد السجناء تظهر إلى العلن.
ففي تقرير حديث عن اكتشاف مقبرتين جماعيتين خارج دمشق، أفاد شهود على عملية الدفن أنهم رأوا آثار التعذيب على الجثث التي وصلت إلى الموقع من سجن صيدنايا القريب.