أكد معتقلون سوريون سابقون وناشطون في مجال حقوق الإنسان لموقع ديارنا، أن التقرير الجديد الذي صدر عن منظمة العفو الدولية والذي كشف قيام النظام السوري بإعدام 13 ألف معتقل منذ عام 2011، يشكل دليلاً جديداً على الوحشية التي يتعامل بها النظام السوري مع كل من يعارضه الرأي.
وفي تقريرها الذي صدر في 7 شباط/فبراير بعنوان "مسلخ بشري: شنق جماعي وإبادة في سجن صيدنايا بسوريا"، اتهمت المنظمة الرقابية الدولية الحكومة السورية بانتهاج "سياسة إبادة".
وكشف التقرير الذي استند إلى شهادات 84 شخصاً بينهم حراس وسجناء سابقين وقضاة، أن "حوالي 13 ألف سجين أُعدموا في سجن صيدنايا التابع للحكومة السورية بالقرب من العاصمة دمشق".
وأشار التقرير إلى أنه في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2015، كانت تؤخذ مجموعات لا تقل عن 50 معتقلاً بسجن صيدنايا كل أسبوع إلى خارج الزنزانات وكانوا يُضربون ثم يُشنقون في منتصف الليل في "سرية تامة".
كما اتهم التقرير الرئيس السوري بشار الأسد بانتهاج سياسة "إبادة" في السجون من خلال إعدام جماعي للمعتقلين، مشيراً إلى أن أغلب من أعدموا شنقاً كانوا مدنيين معارضين لحكم الأسد.
وقالت المنظمة إن مثل هذه الممارسات تشكل "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، مرجحةً بأنها ما زالت تحدث حتى الآن.
ونفى الأسد صحة التقرير في مقابلة أجراها في 10 شباط/فبراير، قائلاً إنه "قطعاً غير صحيح".
’أبشع أنواع التعذيب‘
عمر السعد هو من المعتقلين السابقين في صيدنايا وطلب استخدام اسم مستعار خوفاً على سلامته، وقال لديارنا إنه تعرض للاعتقال في دمشق في 10 آذار/مارس 2011 على يد قوات المخابرات السورية التي كانت تنتشر في الشوارع.
وذكر أن حملة اعتقال المتظاهرين بدأت بعد انطلاق المظاهرات في سوريا.
ولفت إلى انه تم التحقيق معه في مركز أمني حيث بقي لمدة أسبوع تعرض خلاله "لأبشع أنواع التعذيب".
وأوضح أنه وجهت إليه تهمة "الإرهاب" وتقديم معلومات لـ "مسلحين إرهابيين قادمين من العراق"، مع أنه يدعي أنه لم يكن يتعاطى بالشأن السياسي وأنه كان متفرغاً لعمله بالتجارة.
وقال "نقلت إلى سجن صيدنايا حيث أمضيت [ثلاثة] أشهر تقريباً"، واصفاً هذه الفترة بأنها "اللاحياة".
وأكد السعد أن أعمال التعذيب كانت تمارس بشكل يومي على معظم السجناء، خصوصاً المعتقلين الجدد الذين تم اعتقالهم بعد بدء الثورة في سوريا.
وأضاف السعد أن "السجانين كانوا يمارسون شتى أنواع التعذيب ويضربون السجناء على مدار الساعة وكانت الحياة عندهم لا قيمة لها، فقد كان الموت حاضراً في كل الأوقات، حيث لا تكاد تمر ساعة أو أكثر إلا وينتشر خبر موت سجين بسبب التعذيب أو الإعلان عن إعدامه".
وذكر أن العشرات من المعتقلين توفوا خلال فترة اعتقاله، "إما بالإعدام المباشر أو بسبب التعذيب القاسي".
وتابع أنه أبلغ مساءً في 4 حزيران/يونيو 2011 بأنه سيطلق سراحه في اليوم التالي.
وأوضح أنه أفرج عنه ضمن مجموعة كبيرة "حيث كان النظام يفرج عن مجموعات كل فترة لتهدئة الأوضاع قليلاً من ناحية ولتغطية أعمال الإعدام من ناحية أخرى".
وتابع "بعد العذاب الذي تعرضت له في صيدنايا والويلات التي شاهدتها وعانيت منها، قررت الخروج من سوريا حيث هربت إلى لبنان مع عائلتي ومنها إلى مصر حيث لا زالت حتى الآن".
سجلات مزورة
في هذا السياق، قال المحامي السوري بشير البسام المقيم في القاهرة، لديارنا إنه فقد شقيقه وابن عمه في المعتقلات السورية في عام 2012.
وقال إن "الإجرام [المرتكب] في المعتقلات أمر مثبت وما التقرير الجديد إلا دليل إضافي على إجرام أجهزة النظام".
ولفت إلى أنه بعد اعتقال شقيقه وابن عمه، "اختفت أخبارهما لعدة أشهر قبل أن يصلني خبر مقتلهما خلال الاعتقال ودفنهما في منطقة مجهولة".
وقال إنه اتضح بعد فترة أنهما كانا قد نقلا إلى سجن صيدنايا، حيث قتلا بعد أن تم استجوابهما في أحد فروع الأمن في دمشق.
وأضاف البسام أن "المعلومات الواردة من مناطق النظام ومن مصادر حقوقية موثوق بها، تفيد بأن النظام ولإخفاء جرائمه يعلن كل فترة عن إطلاق وهمي لعدد من المعتقلين الموجودين لديه، حتى يتبرأ من المسؤولية".
وتابع "فيكون المعتقل قد فارق الحياة وفي السجلات يدون على أنه تم إطلاق سراحه ليصبح ʼمفقوداً خلال الحربʻ".
وأكد أن أجهزة النظام تقوم وبشكل ممنهج بتلفيق التهم، بحيث يتم تسجيل المعتقلين على أنهم سجناء جنائيين، فيُتهم الكثيرون بالتجسس أو القتل أو غيرها من الجرائم التي تصل عقوبتها القصوى إلى الإعدام.
وأشار إلى أن هذه الإعدامات تنفذ بعد المحاكمات الصورية.
وأعلن البسام أن هذه ليست المرة الأولى التي يتورط فيها النظام بعمليات إعدام في المعتقلات، فأكدت منظمة العفو الدولية في أيلول/سبتمبر 1980 إعدام حتى ألف معتقل سياسي في سجن تدمر العسكري.
’عائد من جهنم‘
وفي الإطار نفسه، قال علي أبو دهن وهو من جنوب لبنان، لديارنا إنه اعتقل في سوريا في 28 كانون الأول/ديسمبر 1987 وأفرج عنه في 15 كانون الأول/ديسمبر 2000 بعد قضاء المدة الأخيرة من الاعتقال في سجن صيدنايا.
وأضاف "سجن صيدنايا معروف بأنه سيء السمعة وفيه الكثير من التجاوزات وأعمال التعذيب الوحشية والقتل الممنهج".
وتابع أن "اكتظاظ المعتقلين في غرفة واحدة غير مقبول منطقياً وإنسانياً، حيث يتم وضع عشرات المعتقلين لا بل المئات في زنزانة أرضيتها مزرية من دون طعام أو شراب أو دواء".
ووصف تقرير منظمة العفو الدولية بأنه "يناجي الضمائر العالمية".
وينشط الآن أبو دهن في حملات هادفة للإفراج عن سجناء المعتقلات السورية وقد وثق فترة اعتقاله وتعذيبه في كتاب ومسرحية وفيلم.
وأوضح "منذ خروجي من المعتقل قررت أن أكتب ما جرى معي بكل تفصيل، وصممت على أن أفضح الأساليب الوحشية التي تمارس في معتقلات النظام السوري من خلال كتابة مذكراتي".
وذكر أن كتابه الذي صدر عام 2012 بعنوان "عائد من جهنم - ذكريات من تدمر وأخواته"، يفصل أساليب التعذيب الجسدي والحالة النفسية التي عانى منها مع باقي المعتقلين، بالإضافة إلى آثارها المستمرة.
أما الفيلم، فجاء بعنوان "تدمر" وتم إنتاجه بالتعاون مع جمعية المعتقلين اللبنانيين في سوريا، وهو من بطولة معتقلين لبنانيين سابقين ومن إخراج مونيكا باركمن ولقمان سليم.
وأضاف أبو دهن أن مسرحيته "الكرسي الألماني" تجسد كذلك الواقع في المعتقلات السورية، مشيراً إلى أن العنوان هو من وحي أحد أساليب التعذيب الشائعة الذي يؤدي إلى كسر العامود الفقري للسجين بسبب قساوتها.
جرائم ضد الإنسانية
بموجب قانون العقوبات الذي صدر في سوريا في العام 1979، يجب استبدال عقوبة الإعدام بالسجن المؤبد في حال كان الشخص المعني متهم بجريمة سياسية.
ولكن لفت وائل الشريمي أستاذ القانون الجنائي الدولي في جامعة القاهرة والباحث في المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، لديارنا إلى أن ذلك لا يحصل على أرض الواقع وسوريا تستمر بتطبيق عقوبة الإعدام في تلك الحالات.
وأوضح أن النظام "يلجأ إلى تلفيق التهم التي قد تصل إلى الإعدام لإيجاد مفر أو مهرب قانوني لأعماله الإجرامية المرتكبة بحق المدنيين المعارضين لسياسته والذين يعتبروا معتقلين سياسيين".
وأشار إلى أن التعذيب وقتل السجناء السياسيين يعتبران جريمة ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وأكد أن "الجرائم ضد الإنسانية تنظر أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي"، مضيفاً أنه يجب أن يخضع النظام السوري للمساءلة نتيجة أفعاله التي تنتهك بوضوخ القانون الدولي.