أثار شريط فيديو لمذبحة وقعت في نيسان/أبريل 2013 لمدنيين سوريين في حي التضامن بدمشق موجة من الغضب الدولي وجدد المطالب بمحاسبة نظام الرئيس السوري بشار الأسد على وحشيته.
واكتشف الشريط منذ ثلاثة أعوام من قبل مجند جديد بميليشيا موالية للنظام، وفتحه على كمبيوتر محمول أعطاه له أحد أفراد "واحدة من أكثر الأجنحة الأمنية التابعة لبشار الأسد إثارة للرعب"، حسبما أوردت صحيفة الغارديان يوم 26 نيسان/أبريل.
وفي الشريط المؤرخ 16 نيسان/أبريل 2013، يجبر عناصر من فرع المنطقة (الفرع 227) التابع لجهاز الاستخبارات السوري مدنيين معصوبي الأعين في حي التضامن على الجري نحو حفرة، وفي بعض الحالات كانوا يسخرون منهم.
عند وصولهم إلى الحفرة، تعرض الأشخاص الذين يجرون لإطلاق النار عليهم لتتهاوى أجسادهم على جثامين أخرى، وكان جليا أنهم لا يدركون ما يجري لهم.
وتم تسريب الشريط إلى ناشط بالمعارضة في فرنسا ومن ثم إلى باحثين اثنين من مركز الهولوكوست والإبادة الجماعية بجامعة أمستردام، بحسب الصحيفة.
وعمل الباحثان لعدة أعوام على تحديد هوية مرتكبي الجريمة وتجميع ملف لتسليمه إلى ممثلي الادعاء، فيما تمكن المصدر السوري الذي سرب الشريط من الوصول إلى بر الأمان بتأني.
وفي شباط/فبراير، قام الباحثان بتسليم الشريط وملاحظاتهما التي تم تجميعها من مقابلات على مدار آلاف الساعات إلى ممثلي الادعاء في هولندا وألمانيا وفرنسا، بحسب التقرير.
المحامي السوري بشير البسام قال للمشارق إن الفيديو والملف المرافق سيكونان "حجر أساس لقضية جديدة" لملاحقة المتورطين بمجزرة حي التضامن.
وأشار إلى أن الأمر لا يقتصر على من قام بتنفيذ المذبحة، مشددا على ضرورة البحث والتقصي "وملاحقة رؤسائهم المباشرين وغير المباشرين وصولا إلى الذي أعطى الأمر بالتنفيذ".
وأضاف أن "جريمة كهذه لا يمكن تنفيذها دون أوامر عليا".
استراتيجية مبنية على الخوف
بدوره، قال رجل الأعمال السوري فراس طلاس المقيم حاليا في دولة الإمارات إن المجزرة في حي التضامن هي مثال على استراتيجية النظام السوري "المبنية على الخوف وزرعه في نفوس أبناء الشعب السوري".
وأضاف خلال حديث للمشارق أن "الأسد لا يعنيه أن يحبه الشعب أو لا، وإنما يجب أن يخافه وصولا لإخضاعه".
وقال الناشط السوري محمد البيك إن مجزرة حي التضامن لم تكن الأولى التي تم تنفيذها من قبل النظام السوري بحق معارضيه ولن تكون الأخيرة التي يتم الكشف عنها.
وأضاف أنه في أيار/مايو 2013، أي بعد شهر من مذبحة حي التضامن التي كشفت مؤخرا، نفذت قوات النظام السوري مذابح تم تغطيتها على نطاق واسع في بانياس والبيضا بمحافظة طرطوس.
ولفت إلى أن ممارسات النظام السوري تجاه المدنيين خلال تلك الفترة اتسمت بالفظاعة، مشيرا إلى أنه في حي التضامن، "حولت عناصر النظام مسجد سعد بن الربيع الواقع بشارع دعبول إلى مسلخ بشري حقيقي".
وأكد البيك أنه إذا ما تم البحث في المنطقة، سيتم العثور بدون شك على المزيد من الجثث، "حيث ما يزال عدد كبير من أبناء المنطقة في عداد المفقودين ومن بينهم عائلات بأكملها".
وأشار إلى أن المناطق التي تحيط بالعاصمة دمشق تعتبر من أكثر المناطق التي تعرضت "للمجازر والقسوة خاصة خلال الأعوام 2012 و2013 بسبب سيطرة القوات المعارضة على أجزاء كبيرة منها".
وأوضح أن هذه المناطق تعتبر بوابات العاصمة في ذلك الوقت وذلك قبل انتشار قوات حزب الله والميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني لتشكيل طوق رادع حول العاصمة ليحمي النظام وحكمه.
'دليل على جرائم حرب'
هذا وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس في بيان صدر يوم 29 نيسان/أبريل حول ما يبدو أنها مذبحة في حي التضامن، "ندين بشدة الفظائع التي صورت في شريط فيديو نشر مؤخرا".
وأضاف أن "الشريط، الذي يشير إلى المزيد من الأدلة على ارتكاب جرائم حرب من قبل نظام الأسد، هو مثال مروع آخر على الفظائع التي عانى منها الشعب السوري لأكثر من عقد من الزمن".
وأشاد بـ "الأفراد الشجعان الذين يعملون لتقديم الأسد ونظامه للعدالة، وكثيرا ما يعرضون حياتهم للخطر في سبيل فعل ذلك"، كما أشاد بمنظمات المجتمع المدني السوري التي توثق انتهاكات النظام ومخالفاته.
وشدد أيضا على ضرورة محاسبة النظام على الفظائع التي يستمر في ارتكابها ضد المدنيين السوريين.
وفي تموز/يوليو الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ثمانية سجون سورية تديرها أجهزة استخبارات النظام، منها الفرع 227، بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان طالت سجناء سياسيين ومحتجزين آخرين.
وتوثق ما تسمى بـ "صور قيصر"، التي التقطها مصور عسكري سوري سابق يعرف بالاسم المستعار قيصر، إصابة 8382 معتقلا في تلك السجون.
هذا وسمي قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين الذي مررته الحكومة الأميركية عام 2019، والذي يدعو لمساءلة النظام على جرائمه، باسمه تكريما له.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن نصف مليون شخص احتجزوا في سجون النظام منذ بداية الحرب، وإن مائة ألف قضوا إما جراء التعذيب وإما بسبب أحوال الاحتجاز غير الصحية.
ويتهم النشطاء النظام بتعذيب السجناء حتى الموت وبالاغتصاب والاعتداءات الجنسية والإعدامات خارج نطاق القضاء.
ثروة أسرة الأسد بالملايين
وقال تقرير الغارديان إن أجهزة استخبارات النظام السوري هي مدعومة ومدربة من روسيا، وتعلمت فن التخويف من الضباط السوفيات والشتاسي في ألمانيا الشرقية في ستينيات القرن الماضي.
وأضاف أنه مع احتدام الحرب في أوكرانيا اليوم، تعيد القوات الروسية استخدام "كتاب قواعد إرهاب الدولة ضد السكان المدنيين الذي تم التدرب عليه في سوريا، فيما تتحول العملية العسكرية الخاصة المزعومة لفلاديمير بوتين إلى احتلال وحشي".
"فوحدات الاستخبارات العسكرية [في شرقي أوكرانيا] كانت رائدة في الأعمال الوحشية، وزرعت الخوف في المجتمعات المحلية عبر عمليات الاحتجاز والقتل الجماعي من النوعية التي ميزت محاولات الأسد الوحشية لاستعادة السلطة".
وفيما يتم استخدام التكتيكات التي صقلتها القوات الروسية في سوريا بأوكرانيا، يستمر الأسد في التمسك بالسلطة وبثروة هائلة في سوريا، وذلك بفضل روسيا وإيران.
فيوم 28 نيسان/أبريل، أوردت وزارة الخارجية الأميركية أنه من المحتمل أن تتراوح ثروة أسرة الأسد، بمن فيها زوجته وشقيقه وشقيقته وأبناء عمه وعمه، ومعظمهم خاضعون لعقوبات أميركية، بين 1 و2 مليار دولار أميركي، بحسب ما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.
وقالت الوزارة إنها لا تستطيع إلا أن تقدم "تقديرا غير دقيق"، ويُعتقد أن الأسد يحتفظ بأصول بأسماء وهمية أو عبر تعاملات عقارية مبهمة.
وأضافت أن أسرة الأسد تدير "منظومة محسوبية معقدة تتضمن شركات وهمية وواجهات شركات تخدم كأداة للنظام للوصول إلى الموارد المالية".
[ساهم وليد أبو الخير من القاهرة في إعداد هذا التقرير]