سارع رجل الدين العراقي مقتدى الصدر الذي تم يوم الثلاثاء، 30 تشرين الثاني/نوفمبر، تأكيده كالفائز الأكبر في الانتخابات البرلمانية التي أجريت الشهر الماضي، لتوضيح موقفه من الميليشيات غير التابعة للدولة، ما أثار الغضب في بعض الأوساط.
وكان الصدر قد أعلن في نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر عن إقفال مقرات ميليشيا سرايا السلام التابعة له وإدماج عناصرها كأفراد مدنيين في التيار الصدري. وقد أعطى تلك العناصر 15 يوما للامتثال لأمره.
ومع أنه استثنى من القرار مقرات الميليشيا في النجف وكربلاء وصلاح الدين وبغداد، يبدو أنه اشترط بأن يكون حمل عناصر الميليشيا للسلاح في هذه المحافظات فقط بتنسيق مع الأجهزة الأمنية العراقية.
يذكر أن الأضرحة الشيعية في العراق تتركز في النجف وكربلاء وسامراء وبغداد.
وقبل ذلك، كان الصدر قد علّق أنشطة سرايا السلام في بابل وديالى.
وقال مراقبون عراقيون إنه بهذا التحرك، يبدو أن الصدر يؤكد أنه لن يسمح بالفوضى أو المساس بالدولة.
مشروع لبناء الدولة
وقال المحلل العسكري العراقي جليل خلف شويل إن "خطوة الصدر الأخيرة تأتي للدلالة على أنه يحمل مشروعا وطنيا لبناء دولة لا وجود فيها للسلاح غير المنضبط أو للجماعات الرديفة للقوات الشرعية".
وأضاف شويل أن الخطوة تعكس ابتعاد الصدر عن الفصائل التي تحمل السلاح ضد الدولة والتي وصفها بأنها "ميليشيات وقحة لها أجندات تعمل على الإضرار بالمصلحة الوطنية".
وذكر أنه يبدو أن الصدر سيشجع الميليشيات على أن تحذو حذوه بأن تدمج نفسها مع القوات الأمنية العراقية ولا تبقى مجرد أذرع يتم تحريكها من قبل إيران لتهديد العراق.
وأشار إلى توافق رؤية الصدر مع رؤية المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني الذي لا يؤيد وجود جماعات مسلحة تعمل خارج نطاق الدولة ككيانات موازية ولا تنصاع لأوامرها.
ولكن ترفض بعض الفصائل المسلحة فكرة ضرورة أن تكون خطوة الصدر مقدمة للحديث عن سلاحها أو حتى نفوذها مستقبلا.
وتبدو الميليشيات الموالية لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والتي خسرت نفوذها السياسي في انتخابات 10 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أكثر إصرارا من قبل على التمسك بسلاحها.
كما يبدو أنها لا تنوي أن تكون جزءا من مشروع الدولة العراقية.
وبعد إعلان نتائج الانتخابات، حشدت الميليشيات أنصارها للتظاهر أمام مداخل المنطقة الخضراء وسط بغداد للمطالبة بإعادة فرز الأصوات وهددت بالتصعيد في حال عدم الاستجابة لمطلبها.
وفي 5 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، تطورت الاحتجاجات لمصادمات بين أتباع الميليشيات وقوات الأمن العراقية أدت إلى سقوط قتلى وجرحى.
وجاءت المحاولة التي نفذت مؤخرا لاغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بطائرات مسيرة مفخخة وهي طريقة عمل تحمل بصمات الميليشيات، لتضيف بعدا خطيرا للوضع.
ويرى مراقبون التطورات الأخيرة كمحاولات من جانب الميليشيات وزعماء بعض الفصائل السياسية المنهزمة لجر البلد إلى الاقتتال الداخلي.
تضاؤل تأثير الميليشيات
وقال الخبير الأمني واللواء العسكري المتقاعد ماجد القيسي للمشارق إن "الفصائل المسلحة التي تتبع الولي الفقيه في إيران [على خامنئي] شعرت بأن هناك خطر يهدد وجودها".
وأضاف أن إحساسها بعدم الأمن قد تزايد "بعد قرار الصدر تجميد أنشطة فصائله المسلحة وتحركاته السياسية الداعمة للدولة وقربه من حكومة الكاظمي".
وأشار إلى أن هذه الفصائل المسلحة كانت تعمل طيلة السنوات الماضية على "إضعاف مؤسسات الدولة والتمرد على قراراتها وإثارة المشاكل والأزمات حتى لا يتعرض نفوذها ومصالحها لأي ضرر".
وتابع "إنها تمثل اليوم كيانات خطرة تتمتع بقدر من الاستقلالية والقرار الخاص بالرغم من تبعيتها لنظام طهران الذي لا يزال باستطاعته التأثير عليها".
ولكن يتضاءل هذا التأثير في ظل قيادة إسماعيل قاآني لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وكشفت تقارير إعلامية أن قاآني أجرى زيارة لبغداد بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الكاظمي وعقد يوم 8 تشرين الثاني/نوفمبر اجتماعا مع قادة الميليشيات "اتسم بالحدية من الجانبين".
وذكرت التقارير أن قاآني الذي أخفق خلال اجتماعات سابقة في فرض إرادته على الميليشيات، طالبها مجددا بعدم التصعيد ضد الحكومة العراقية ودعاها لـ "تقبل نتائج الانتخابات".
وتشير التقارير إلى أنه حثها على "العمل على توحيد الموقف في المرحلة المقبلة".
ويستبعد القيسي أن تتوقف الفصائل المسلحة عن تهديداتها وتختار طريق التهدئة أو تتخذ أية خطوة على غرار ما قام به الصدر.
وأوضح أن الصدر يمثل حاليا "قوة توازن في الساحة العراقية أمام هذه الفصائل".
واستدرك أنه إذا تمكن الصدريون من تشكيل الحكومة، فالمرحلة المقبلة ربما ستشهد مزيدا من الانقسام بينهم وبين الفصائل "الولائية" (الموالية للولي الفقيه)، ولا سيما في قضايا حصر السلاح وتعزيز سلطة الدولة ومحاربة الفساد.