تحدث مراقبون عراقيون عن بوادر جديدة تشير إلى اتساع الخلاف بين الميليشيات العراقية التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني وقادتهم الإيرانيين.
وقالوا إن تأجج التوترات الأخيرة جاء على ما يبدو بسبب عدم امتثال الميليشيات العراقية لأوامر الحرس الثوري الإيراني، ورغبة إيران بالنأي بنفسها عن الجهات المارقة في وقت تسعى فيه إلى تحقيق مصالحها الخاصة على الساحة العالمية.
في المقابل، أكد آخرون أن العلاقة بين إيران ووكلائها تبقى أقوى من أي وقت مضى.
وطوال أشهر، انتشرت على وسائل الإعلام تقارير حول توترات بين إيران ووكلائها الرئيسيين في العراق، ولا سيما كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق.
ووجه قادة كبار في الحرس الثوري وعلى رأسهم قائد فيلق القدس التابع للحرس إسماعيل قاآني، انتقادات لاذعة للميليشيات بسبب سلوكها في العراق.
وبلغ الأمر ذروته مع وصف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في آذار/مارس الماضي هذه الميليشيات بـ"الصوص"، وذلك بعد تلقيه تقريرا محدثا من قاآني حول اختفاء 4 مليارات دولار من إيرادات عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات.
ووفقا لتقرير نشره موقع ميدل إيست آي يوم السبت، 22 أيار/مايو، طلب الجنرال في الحرس الثوري الإيراني حيدر الأفغاني وهو مساعد سابق لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الراحل قاسم سليماني الأسبوع الماضي من قاآني نقله إلى خارج العراق.
وذكر الموقع أنه غادر منذ ذلك الحين البلاد متوجها إلى مدينة مشهد الإيرانية حيث تعيش عائلته، ولكن يبقى من غير الواضح ما إذا ما تمت الموافقة على طلب نقله أم لا.
وأفادت مصادر أن الأفغاني تقدم بطلبه بعد أن اشتكى مرارا من عدم امتثال قادة الميليشيات العراقية لأوامره ومن واقع أن "كل منهم كان يتصرف على هواه ولا يستمع إليه".
انهيار ’القبضة الحديدية‘
وفي هذا السياق، قال الزعيم العشائري العراقي ثائر البياتي إن إيران تحصد اليوم ما زرعته.
وأضاف للمشارق أن "الميليشيات الجائعة أصبحت الآن جماعات فتاكة ولم يعد من السهل القول لها افعلي هذا ولا تفعلي هذا".
ولفت إلى أن التقارير التي برزت مؤخرا تعكس استياء قادة الحرس الثوري الإيراني ولا سيما الميدانيين منهم، من شركائهم في الفصائل العراقية، مؤكدا أن "القبضة الحديدية" التي أرساها سليماني في العراق تتداعى بشكل أسرع مما كان متوقعا.
وشدد البياتي على أن الميليشيات باتت عبءا كبيرا على إيران بسبب هجماتها الانفرادية ضد المصالح الدولية في العراق، والتي تصطدم مع حاجة إيران اليوم للتهدئة مع المجتمع الدولي.
ولفت إلى أن إيران تسعى إلى حفظ ماء وجهها في ظل مؤشرات عن "ابتعاد زعماء الفصائل عن توجيهاتها وربما التمرد عليها وعصيان الأوامر".
واعتبر أن التقارير الأخيرة عن قيام الحرس الثوري بتشكيل فصائل نخبوية عراقية صغيرة الحجم وشديدة الولاء له ومدربة على أشد المهام تعقيدا، قد يكون رد فعل تكتيكي أو استباقي على تلك المؤشرات.
وكان العراق قد شهد العام الماضي ظهور مجموعة جديدة من الميليشيات الغامضة المتحالفة مع إيران والتي لا يقل عددها عن 15.
ولكن غالبا ما ينظر إلى هذه الميليشيات التي تشكل "واجهات"، على أنها غطاء لأبرز 3 ميليشيات تنتشر في العراق وهي كتائب حزب الله وحركة النجباء وعصائب أهل الحق.
وأشارت بعض التقارير إلى أن الميليشيات تلعب اليوم دور الشريك بدل الوكيل، وتسعى إلى الحصول على بعض الاستقلالية عن صانعي القرار الإيرانيين وقد تشعر أيضا باستياء من معاملتها على أنها "دمى" إيرانية.
كذلك، ثمة مخاوف من أن تضحي طهران بها أو تتخلى عنها لتخفيف عزلتها الدولية نتيجة للعقوبات المفروضة عليها، خصوصا وأن تداعيات قرارات الحرس الثوري أججت غضب الإيرانيين من النظام.
إيران متمسكة بوكلائها
وفي هذا السياق، ذكر الباحث في الشؤون السياسية العراقية سرمد الطائي أنه على الرغم من ولائها لإيران، لا تتقبل الفصائل فكرة أن تدار من أطراف غير عراقية أكانت إيرانية أو لبنانية أو من أي جنسية أخرى.
وأشار إلى أن إيران فشلت في إيجاد شخصية عراقية تحل مكان أبو مهدي المهندس الذي قتل مع قاسم سليماني في مطلع العام الماضي.
وكشف أن المهندس كان خبيرا في قيادة وضبط الفصائل المسلحة لأكثر من 40 عاما وفي دول كثيرة إضافة إلى العراق، كإيران والكويت وسوريا.
وحاول الإيرانيون بعد مقتله ملء الفراغ الذي تركه، لكنهم اصطدموا بمشاكل وخلافات حول الإدارة السياسية والأمنية للفصائل.
وأكد الطائي أن "إدارة العراقيين صعبة للغاية".
في المقابل، شكك مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل حسين، في صدقية التوترات بين إيران ووكلائها.
ووصف محاولات إيران الأخيرة بالنأي بنفسها عن الميليشيات بأنها "مسرحية" تهدف من ورائها إلى إظهار أنها "غير مسؤولة عن أي سلوك عدائي قد تقترفه الميليشيات مستقبلا".
وإنها بحاجة لاتخاذ هذا الموقف في ظل مواصلتها محادثاتها في فيينا حول إعادة إحياء الاتفاق النووي للعام 2015 والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، الأمر الذي من شأنه تخفيف العقوبات وهو ما تحتاجه إيران اليوم بشدة.
وأكد حسين أن "الحقيقة أن الإيرانيين والميليشيات شركاء استراتيجيين أمنيا وعسكريا واقتصاديا"، مضيفا أن "إيران وحرسها الثوري يغذيان هذه الشراكة بالمال والأسلحة والخبرات لتبقى مصدر تهديد دائم".