قال محللون إن فشل النظام الإيراني في توحيد الكتل السياسية الشيعية المتنافسة في العراق الهادفة إلى منحه نفوذ داخل الحكومة العراقية، يظهر تراجع دورها كلاعب كبير في صياغة المشهد السياسي العراقي.
فمنذ إعلان فوز رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أخفقت محاولات إيران المتكررة في إقناعه بتوحيد الصفوف مع اتحاد الإطار التنسيقي الشيعي المنافس لتشكيل الحكومة الجديدة.
وفي 8 شباط/فبراير الجاري، عقد لقاء في النجف بين الصدر وقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، في ما بدا محاولة أخرى فاشلة من قبل النظام الإيراني للوساطة.
فبعد أقل من ساعة على اللقاء، عاد الصدر وكرر تغريدته "حكومة أغلبية وطنية، لا غربية ولا شرقية"، في إشارة على ما يبدو إلى شعار إيران الرسمي "لا شرقية ولا غربية، بل جمهورية إسلامية".
واعتبرت تغريدة الصدر تأكيدا واضحا على عدم رغبته في تشكيل حكومة "توافقية" تضم الفائزين والخاسرين معا.
ويضيف هذا الإخفاق مزيدا من الفشل إلى سجل قاآني.
فقاآني لم يتمكن من التمتع بقدرات سلفه قاسم سليماني، والنجاح في تقريب المواقف بين الخصوم السياسيين المتحالفين مع إيران في العراق، أو ترويض الفصائل الشيعية المتحالفة مع إيران أو منع صراعاتها الداخلية.
'صفعة على الوجه'
وقال الزعيم العشائري ثائر البياتي للمشارق، إن لقاء قاآني مع الصدر كان بمثابة "صفعة على وجه" قائد فيلق القدس.
وأضاف أن رد الصدر يظهر أن "قاآني ليس سليماني الذي كان له تأثير وكلمة على كل الأطراف العراقية، وعُرف بقدرته على إزالة الخلافات وإنهاء الأزمات السياسية بما يتفق ومصالح بلده".
ففي ظل قيادة قاآني ، أصبح فيلق القدس "عاجزا تماما عن وقف تراجع نفوذه"، بحسب ما تابع.
وقال مراقبون إن المرشد الإيراني علي خامنئي قد دخل على خط الأزمة السياسية في العراق عبر إعلان رفضه لتحالف فصائل معينة فقط داخل الإطار التنسيقي مع التيار الصدري.
وأوردت صحيفة الشرق الأوسط يوم 9 شباط/فبراير، أن ثمة تقارير تحدثت عن كتابة الإطار رسالة لخامنئي تسأله حول موقفه من التحالف المحتمل لبعض أعضائه مع الصدر.
لكن قبل إرسال الرسالة، سرب أشد خصوم الصدر، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الرسالة إلى خامنئي لاستباق أي تحرك من كتلة "الفتح" برئاسة هادي العامري، والتي تعد أبرز قوى الإطار.
وكان تحالف الفتح، وهو الجناح السياسي لقوات الحشد الشعبي، قد خسر في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر معظم مقاعده في البرلمان.
وتريد طهران أن يبقى الإطار التنسيقي الشيعي موحدا وأن يسعى لتأمين تمثيل قوي في أي حكومة عراقية مقبلة، وتسعى ألا يخسر نفوذه لصالح تحالف سياسي مناهض لأجندتها.
وتعول أيضا على عودة الصدريين إلى البيت الشيعي.
وطرح الإطار التنسيقي في 10 شباط/فبراير الجاري مبادرة للخروج مما اسماه "الانسداد السياسي" بعد اجتماع ضم قياداته.
وقال مراقبون إن الإطار التنسيقي ما يزال مصرا على إشراك الجميع في الحكومة المقبلة، بما في ذلك كل الأحزاب أو الفصائل الشيعية.
الرغبة في حكومة قوية
وأكد المحلل السياسي نجم القصاب للمشارق، أن رؤية الصدريين تنطلق من ضرورة عدم العودة بالمشروع السياسي العراقي لمبدأ "التوافق" الذي ساهم في الماضي في إرجاع البلاد للوراء.
وأشار إلى أن الصدر مصّر على تشكيل حكومة أغلبية وطنية تعمل على "تحقيق مطالب الإصلاح التي نادت بها الجماهير قبل عامين عندما خرجت في تظاهرات وقدمت التضحيات من أجلها".
ومن شأن حكومة الأغلبية الوطنية أن تضم السنة والأكراد وأن تقصي أبرز حلفاء إيران في العراق، وهما المالكي وزعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي.
وأضاف القصاب أن الاحتجاجات الشعبية أدت إلى الانتخابات المبكرة، وأنه جاء اليوم الدور على القوى الفائزة "لإظهار التزاماتها أمام الشعب الذي يريد حكومة قوية تحارب الفساد وتحفظ هيبة الدولة".
ووضع الصدر شروطا أمام زعماء القوى السياسية إذا أرادوا الاشتراك معه في تشكيل حكومة الأغلبية.
وهذه الشروط هي عدم السماح للفاسدين بالانضمام للحكومة ومحاسبتهم وحّل الميليشيات ومطالبتها بتسليم سلاحها وقطع كل علاقاتهم الخارجية وعدم التدخل بالشؤون الخارجية.
وجرى الشهر الماضي تسمية محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان، لكن الأزمة السياسية ما زالت تحول دون الاتفاق على تسمية رئيسي الجمهورية والحكومة.
وللفوز بشغل أحد هذين المنصبين، يحتاج أي مرشح إلى موافقة ثلثي أعضاء البرلمان العراقي (البالغ عددهم 329 عضوا).