الأمم المتحدة - مع مرور كل يوم، تظهر طالبان وجهها الحقيقي بشكل أوضح مع إصدارها مراسيم تعود معها إلى أيام حكمها السابق المظلمة، عندما لم يكن يتمتع الأفغان سوى بالقليل من الحريات والفرص.
وفي حين أن معظم دول العالم تبنت نهج الانتظار والترقب في التعامل مع طالبان على أمل أن تتمكن من الضغط على الحركة لتبني سياسات أكثر اعتدالا تجاه النساء والأقليات ونواح أخرى من الحياة اليومية، أظهرت الصين استعدادها لبناء أو بالأحرى شراء علاقات ودية معها.
وعلى الرغم من وعود تأليف حكومة تمثيلية ومتنوعة، شكلت طالبان حكومة لا تضم سوى الملالي المتطرفين، مستثنية أي شخص ليس عضوا فيها أو النساء عامة.
وبدلا من الضغط على طالبان بشأن وعودها الجوفاء كما فعلت معظم القوى العالمية الأخرى، تعهدت الصين بتقديم ملايين الدولارات كمساعدات لحكومة طالبان المؤقتة في الوقت الذي تفرض فيه الحركة نهجها القاسي في الحكم في جميع أنحاء أفغانستان.
وفي 8 أيلول/سبتمبر، تعهدت الصين بتقديم 31 مليون دولار كمساعدات فورية للحركة، وتعهدت الأحد الماضي بتقديم 15 مليون دولار أخرى على شكل مساعدات و3 ملايين جرعة من لقاحات لفيروس كورونا صينية الصنع.
ويوم الأحد، التقى السفير الصيني لدى أفغانستان وانغ يو مع خليل الرحمن حقاني القائم بأعمال وزير شؤون اللاجئين والعائدين بحكومة طالبان، في كابول للإعلان عن أحدث المساعدات.
وهنأ وانغ حقاني على تعيينه مؤكدا أن الصين "مستعدة للتعاون وتقديم مساعدة غير مشروطة لأفغانستان"، بحسب بيان لطالبان نُشر على فيسبوك.
وجاء في البيان أن حقاني أكد للصين أن المساعدة "سيتم توزيعها بشفافية على النازحين وغيرهم من المستهدفين بأقرب وقت ممكن"، علما أن حقاني يخضع لعقوبات من الولايات المتحدة والأمم المتحدة وهو مصنف من قبل وزارة الخزانة الأميركية كإرهابي عالمي ورصدت مكافأة قدرها 5 ملايين دولار مقابل معلومات حوله.
وسيكون من المستحيل التحقق بشكل مستقل من كمية ونوع المساعدات التي يتم تلقيها وعملية توزيعها، إذ تسيطر طالبان راهنا على شؤون أفغانستان المالية.
مستقبل غامض في الأفق
وتأتي الإعلانات عن المساعدات في الوقت الذي تقمع فيه طالبان بعنف التظاهرات المتزايدة في جميع أنحاء البلاد، احتجاجا على نهجها القاسي في الحكم وتقييد الحريات والحقوق.
فبعد شهر واحد من استيلائهم على السلطة وتعهدهم باعتماد نهج أكثر ليونة من نظام الحكم السابق الذي اعتمدوه، جرّد الإسلاميون تدريجيا الأفغان من حرياتهم.
وفي هذا الإطار، استبعدت وزارة التربية والتعليم في حكومة طالبان يوم الجمعة الماضي الفتيات والمعلمات من العودة إلى المدارس الثانوية، فيما أوعزت إلى الفتيان والمعلمين بالعودة إلى الفصول الدراسية.
وفي رده على الانتقادات الدولية بشأن هذا القرار، قال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد يوم الثلاثاء إنه سيُسمح للفتيات الأفغانيات بالعودة إلى المدرسة "في أقرب وقت ممكن".
وأوضح في مؤتمر صحافي "نواصل العمل على قضايا تعليم وعمل النساء والفتيات"، دون أن يحدد إطارا زمنيا لموعد إعادة فتح المدارس أمام الفتيات.
ويشك الكثيرون بجدية وفاء الحركة بتعهدها هذا، وهو يأتي بعد أن منعت طالبان النساء من التوجه إلى العمل وطلب المسؤولين منهن البقاء في منازلهن حرصا على أمنهن حتى تتمكن السلطات من تطبيق الفصل بين الجنسين بما يتوافق مع تفسير طالبان المتشدد للشريعة.
وقالت معلمة لوكالة الصحافة يوم الاثنين، إن "هذا الأمر حدث سابقا" في اشارة الى زمن حكم طالبان لأفغانستان بين 1996 و2001. وتابعت "ظلوا يقولون إنهم سيسمحون لنا بالعودة إلى العمل، لكن هذا لم يحدث مطلقا".
وقد أجبر هذا الوضع الضبابي ونقص فرص العمل الشباب المتعلم على مغادرة البلاد في ما وصفه البعض بأنه "مأساة لأفغانستان".
الإسراع في مغازلة طالبان
وأكد مراقبون إن بكين تتجاهل قمع طالبان لأن الإدارة المتعاونة في كابول ستفتح أمام الصين الفرص الاقتصادية بما يوسع تحديدا أعمالها الضخمة في البنية التحتية بالخارج، أي مبادرة الحزام والطريق.
ومن بين الأهداف الأخرى، تهدف مبادرة الحزام والطريق إلى تسهيل استخراج وشحن الموارد الطبيعية في البلدان الفقيرة لصالح الصين.
ومن شأن الإدارة المتعاونة في كابول تمهيد الطريق لتوسيع مبادرة الحزام والطريق لتصل إلى أفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى.
ومن المرجح أن تكون عين الصين أيضا على موارد أفغانستان النفيسة من المعادن والتي تبلغ قيمتها تريليون دولار.
في المقابل، تعتبر طالبان أن الصين مصدر مهم للاستثمار والدعم الاقتصادي، إما بشكل مباشر أو عبر باكستان حليفة بكين الوثيقة.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ في 16 آب/أغسطس، إن الصين تسعى لتوطيد العلاقات "الودية والمبنية على التعاون" مع طالبان.
وأضافت أن "طالبان أعربت مرارا عن أملها في تطوير علاقات جيدة مع الصين، وتتطلع إلى شراكة الصين في إعادة إعمار أفغانستان وتنميتها".
تحالف مبني على المصلحة
وفي تحالف المصلحة هذا، يبدو أن طالبان مستعدة لغض الطرف عن قمع الصين لملايين المسلمين في سنجان، وفي المقابل لم تعلق بكين على عقيدة طالبان المتشددة والحملة العنيفة التي شنتها للإطاحة بالحكومة الأفغانية.
فمع توقيعها صفقات مع طالبان، تأمل الصين في إبقاء الحركة محايدة بشكل علني في موضوع قضية الأويغور في سنجان.
وكانت بكين قد سجنت أكثر من مليون شخص من أبناء الأويغور وغيرهم من المسلمين الأتراك بينهم أبناء العرق الكازاخستاني والقرغيزي، في ما يصل إلى 400 مرفق احتجاز تشمل معسكرات "التثقيف السياسي" ومراكز الاحتجاز قبل المثول أمام المحاكم والسجون.
وبعد أن أنكرت بداية وجود المعسكرات، تدافع بكين اليوم عنها معتبرة أنها "مراكز تدريب مهني" تهدف إلى القضاء على الإرهاب وتحسين فرص العمل.
ولكن وصفت تقارير عدة هذه المرافق بأنها مراكز اعتقال قسري وقد شبهها البعض بـ "معسكرات الاعتقال".
وقد أثارت بعض الجرائم التي ارتكبتها السلطات الصينية في سنجان غضب العالم بأسره والمسلمين بشكل خاص، وشملت الاعتقال التعسفي لأكثر من 1000 إمام وشخصية دينية في المنطقة وتدمير نحو 16000 مسجد، إضافة إلى نزع الأعضاء قسرا واغتصاب وتعقيم النساء المسلمات بالقوة بشكل ممنهج.
ويبدو أن حركة طالبان التي تصور نفسها على أنها تدافع عن الإسلام، على استعداد للتغاضي عن ذبح واستعباد المسلمين مقابل الثمن المناسب.
فقد صرح المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين لوكالة الصحافة الفرنسية في تموز/يوليو، أن المتمردين يريدون إقامة "علاقات جيدة مع كل دول العالم".
وأضاف "إذا أرادت أي دولة استكشاف مناجمنا، فنحن نرحب بها"، مردفا "سنوفر فرصا جيدة للاستثمار".