بكين - تراقب بكين عن كثب جيرانها من الجهة الغربية لحدودها، حيث يهدد تقدم طالبان في أفغانستان بزعزعة استقرار المنطقة ولا سيما منطقة سنجان الصينية.
وفي الأسابيع الأخيرة، وصلت أعمال عنف طالبان من نهب وحرق منازل المدنيين إلى حدود 3 جيران لأفغانستان في آسيا الوسطى هي طاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، وتعمل الدول الثلاث على تعزيز قدرات جيوشها.
وللصين أيضا حدود مشتركة محدودة مع أفغانستان يبلغ طولها 76 كيلومترا، وتقع على مرتفعات عالية ولا يوجد فيها معبر حدودي.
ولكن تشكل الحدود مصدر قلق لأنها محازية لسنجان، وتخشى بكين من أن تُستخدم أفغانستان كنقطة انطلاق للانفصاليين الأويغور من المنطقة الحساسة.
واعتمدت بكين خلال السنوات الأخيرة مجموعة من السياسات الصارمة التي تهدف إلى إخضاع ومراقبة الأغلبية المسلمة في سنجان، وشملت سجن أكثر من مليون شخص من مجتمع الأويغور وغيرهم من المسلمين الأتراك في ما يصل إلى 400 مركز بينها معسكرات "للتثقيف السياسي" ومراكز احتجاز لما قبل المحاكمة وسجون.
ويعيش ملايين الآخرين في ظل نظام صارم من المراقبة والضوابط.
وأكدت الجماعات المدافعة عن حقوق الأويغور ومشرعون من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى، أن سياسات الصين التي تشمل التعقيم القسري، ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.
وبعد أن أنكر النظام الصيني بداية وجود مراكز احتجاز، بات اليوم يصفها بأنها "مراكز تدريب مهني" تهدف إلى القضاء على الإرهاب وتحسين فرص العمل.
وأثارت بعض الجرائم التي ارتكبتها السلطات الصينية في سنجان غضب المسلمين في جميع أنحاء العالم، كما أثارت من دون شك غضب الإسلاميين المتشددين كحركة طالبان. وتشمل هذه الجرائم الاعتقال التعسفي لأكثر من ألف إمام وشخصية دينية في المنطقة وتدمير حوالي 16 ألف مسجد والاغتصاب الممنهج للنساء المسلمات.
’مزعجة بطبيعتها‘
وقال محللون إنه إذا سادت حالة عدم الاستقرار في أفغانستان بعد انسحاب جميع قوات التحالف التابعة لحلف شمال الأطلسي، فقد يتم تكثيف حملة الصين على سنجان تحت شعار "الأمن القومي".
وتكره الصين الفراغ في السلطة خصوصا على حدودها، وستكون مسألة الحفاظ على الاستقرار بعد عقود من الحرب في أفغانستان من أولويات بكين.
وذكر فان هونغدا المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بجامعة الدراسات الدولية بشنغهاي لوكالة الصحافة الفرنسية، أنه "بالنسبة للصين، لا يأتي الخطر ممن يملك السلطة في أفغانستان، بل من خطر استمرار حالة عدم الاستقرار".
ودفعت مثل هذه المخاوف الصين إلى اعتماد موقف عسكري أكثر فأكثر حول العالم، ما أثار قلق الدول المجاورة.
يُذكر أن بالكاد هناك أرضية أيديولوجية مشتركة بين قادة الحزب الشيوعي الصيني الملحدين في بكين وحركة طالبان الأصولية. ولكن قال بعض المحللين إن واقعية الطرفين قد تدفعهما إلى تخطي الاختلافات الحساسة لصالح المصالح الذاتية المتبادلة.
وفي هذا الإطار، قال أندرو سمول مؤلف كتاب "المحور الصيني الباكستاني"، إنه "يمكن للصين التعامل مع طالبان... لكنها لا تزال تجد أجندة طالبان الدينية ودوافعها مزعجة بطبيعتها".
وتابع "لم تتأكد يوما من مدى استعداد طالبان أو قدرتها حقا على إنفاذ الاتفاقيات بشأن قضايا مثل إيواء مسلحي الأويغور".
وتعود علاقات طالبان بمسلحي الأويغور إلى أكثر من عقدين.
وتشكل علاقات طالبان بحركة شرق تركستان الإسلامية وخليفتها أي الحزب الإسلامي التركستاني مصدر قلق خاص للصين.
واستغلت بكين وجود حركة شرق تركستان الإسلامية والحزب الإسلامي التركستاني لتبرير حملتها القمعية في سنجان، على الرغم من عدم تسجيل أي حوادث إرهابية كبيرة في المنطقة منذ العام 2017.
ومع ذلك، يبدو أن الإجراءات الأمنية "ذات المقاس الواحد" والتي تتخذها بكين في سنجان، تعامل جميع الأويغور وغيرهم من المسلمين الأتراك على أنهم تهديدات أمنية محتملة.
في غضون ذلك، بقيت حركة طالبان على الحياد بشكل واضح إزاء إساءة معاملة الصين للمسلمين، ويبدو أنها إما تجهل أو تتجاهل عمدا الأدلة القاطعة على الجرائم الصينية في سنجان.
وقال المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال نُشرت يوم 8 تموز/يوليو، إن طالبان مهتمة بمحنة الأويغور في سنجان وستسعى لمساعدة إخوانها المسلمين من خلال الحوار السياسي مع بكين.
وأضاف "لا نعرف التفاصيل. ولكن إذا توفرت لدينا، فسنعرب عن قلقنا". وتابع "إذا كانت هناك بعض المشاكل مع المسلمين [في الصين]، سنتحدث بالطبع مع الحكومة الصينية".
ومن المحتمل أن تكون المراوغة العلنية لطالبان مرتبطة بآمال الجماعة في الحصول على دعم سياسي ومالي من بكين.
وقال شاهين في مقابلة منفصلة مع وكالة الصحافة الفرنسية "إذا أراد أي بلد استكشاف مناجمنا، فنحن نرحب به وسنوفر له فرصة جيدة للاستثمار".
إجراءات ضد للصين
وتأتي نبرة طالبان الفاترة في وقت تقف فيه الولايات المتحدة ضد بكين بسبب جرائمها ضد الإنسانية.
ويوم الأربعاء، 14 تموز/يوليو، أقر مجلس الشيوخ الأميركي مشروع قانون الأويغور لمنع العمل القسري، والذي إذا تم إقراره سيحظر المنتجات المستوردة من سنجان.
وقال السيناتور ماركو روبيو في بيان إن "الرسالة الموجهة إلى بكين وأي شركة دولية تحقق المكاسب من أعمال السخرة في سنجان واضحة: لن نسمح بالمزيد".
وأضاف "لن نغض الطرف عن الجرائم المتواصلة التي يرتكبها الحزب الشيوعي الصيني ضد الإنسانية، ولن نمنح الشركات حرية الاستفادة من تلك الانتهاكات المروعة".
واتخذت الولايات المتحدة بالفعل إجراءات ضد الصين بشأن سنجان، وقد اجتمع وزير الخارجية أنطوني بلينكين في واشنطن بتاريخ 6 تموز/يوليو مع الناجين من معسكرات الاعتقال.
وأعلنت الحكومة الأميركية في 9 تموز/يوليو فرض عقوبات على 14 شركة تتخذ من الصين مقرا لها، وذلك على خلفية تورطها في السياسة الصينية تجاه الأويغور والأقليات العرقية الأخرى في منطقة سنجان.
وحظرت واشنطن مؤخرا استيراد مواد الألواح الشمسية من شركة صينية وفرضت قيودا تجارية على 4 شركات أخرى على خلفية استخدام مزعوم للعمالة القسرية في المنطقة.
وفي 8 تموز/يوليو، دعا المشرعون في الاتحاد الأوروبي مؤسسات الكتلة والدول الأعضاء إلى عدم المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين لعام 2022، ما لم تُظهر الصين "تحسنا يمكن التحقق منه في وضع حقوق الإنسان في هونغ كونغ ومنطقة الأويغور في سنجان والتبت ومنغوليا الداخلية وأماكن أخرى في الصين".
وفي 22 حزيران/يونيو، أعربت أكثر من 40 دولة عن "مخاوف جدية" في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن أفعال الصين في سنجان.
واستشهد البيان بتقارير عن التعذيب أو المعاملة القاسية واللاإنسانية والمذلة أو العقاب، إضافة إلى التعقيم القسري والعنف الجنسي والجنساني والفصل القسري للأطفال عن والديهم.