بكين -- كشف تحقيق أجري مؤخرا عن تفاصيل مروعة حول الإجراءات التي تنتهجها الصين ضد النساء المسلمات ضمن حملة قسرية تشنها ضدهن لمنع الحمل والتسبب بالعقم كجزء من الجهود التي تبذلها لخفض المواليد في إقليم شينجيانغ.
وتكشف المقابلات مع نساء ورجال من المسلمين الأيغور والكازاخستانيين وغيرهم من أقليات شينجيانغ ومراجعة إحصاءات حكومية ووسائل الإعلام المحلية عن "الأعمال القسرية" التي يقوم بها النظام الصيني للتحكم بحقوق الإنجاب في المجتمع ، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في 10 أيار/مايو.
وصفت امرأة من أصل أوزبكي كيف طلبت إعفاءها عندما أمرت الحكومة الصينية النساء في شينجيانغ بوضع لولب داخل أرحامهن عام 2017.
حيث قالت قلبينور صديق، التي كانت تبلغ آنذاك 50 عاما تقريبًا، إنها التزمت بنسبة المواليد التي حددتها الحكومة وكان لديها طفل واحد فقط.
لكن طلبها لم يلق آذانا صاغية، وهددها الطاقم الطبي بأخذها إلى مركز الشرطة إذا رفضت الامتثال للأوامر.
وأضافت صديق "شعرت أنني لم أعد امرأة طبيعية"، واصفة نوبة البكاء التي انتابتها عندما أدخل أحد أطباء القطاع العام لولبا لمنع الحمل داخل رحمها بواسطة منظار معدني.
وتسبب اللولب لها بألم ونزيف حاد، حتى قررت عام 2019 أن يتم تعقيمها.
وتابعت من هولندا حيث استقرت بعد فرارها من الصين عام 2019 "أصبحت الحكومة أشد صرامة، ولم يعد بإمكاني تحمّل اللولب. لقد فقدت كل رجاء في نفسي".
ووصفت نساء أخريات كيف أجبرن على إجهاض حملهن، ودفع غرامات باهظة إذا كان لديهن عدد كبير من الأطفال أو رفضن إجراءات منع الحمل، وكيف أجبرن على تناول الأدوية التي توقف الحيض.
وفي العام الماضي، أمر مسؤول مجتمعي في العاصمة الإقليمية أورومتشي جميع النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و59 عاما بالخضوع لعمليات فحص الحمل وتحديد النسل.
وفي رسائل عبر WeChat زودت صديق صحيفة نيويورك تايمز بصورة منها، كتب هذا المسؤول "إذا قاومتنا عند الباب ورفضت التعاون معنا، سيتم نقلك إلى مركز الشرطة".
وكتب في رسالة أخرى"لا تقامري بحياتك، بل لا تحاولي".
وسجنت بكين أكثر من مليون من الإيغور وغيرهم من المسلمين التُرك في نحو 400 منشأة تشمل معسكرات "التثقيف السياسي" ومراكز الاحتجاز السابق للمحاكمة والسجون.
ويعيش ملايين آخرون تحت الرقابة في ظل نظام صارم من الضوابط.
تعذيب واغتصاب جماعي وضرب
ووفقا للباحث الألماني أدريان زينز، فقد ارتفعت معدلات إجراءات التسبب بالعقم في شينجيانغ بنحو ستة أضعاف بين عامي 2015 و2018، حيث بلغت أكثر من 60 ألف عملية، على الرغم من انخفاضها في جميع أنحاء الصين.
من جانبها، قالت غولنار أوميرزاك لصحيفة نيويورك تايمز في مقابلة هاتفية من كازاخستان حيث هربت بعد أن هددتها السلطات باحتجازها مع ابنتيها إن "نساء شينجيانغ في خطر".
وعندما رزقت بطفلها الثالث عام 2015، سجل المسؤولون في قريتها الشمالية الولادة، لكن فرضوا عليها بعد ثلاث سنوات غرامة تعادل 2700 دولار لتجاوزها حد المواليد المسموح به.
واقترضت المال من أقاربها ثم فرت من البلاد.
وأكدت أن "الحكومة تريد إحلال شعب آخر مكان شعبنا".
فالتهديد بالاعتقال هو تهديد فعلي.
وكشف تحقيق زينز أن إشعارا حكوميا من مقاطعة في محافظة إيلي بإقيم شينجيانغ نصح بإرسال النساء اللواتي يرفضن إنهاء حملهن غير القانوني أو دفع غرامات إلى معسكرات الاعتقال.
وتشهد المعسكرات "انتهاكات مروعة وممنهجة" تجعل الحياة بالنسبة للبعض لا تطاق، بحسب شهادات الشهود ومن عانوا منها مباشرة.
حيث قال معتقلون سابقون وحارس مطلع هذا العام لمحطة بي بي سي إن النساء المسلمات في المعسكرات يعانين بشكل منهجي من الاغتصاب والتعذيب والاعتداء الجنسي.
"تصبح لعبة بين أيديهم"، حسبما قالت تورسوناي زياودون، التي قضت 10 أشهر في معسكر بمحافظة إيلي بسبب سفرها إلى كازاخستان.
ونُقلت ثلاث مرات إلى زنزانة مظلمة حيث قام اثنان أو ثلاثة من الرجال الملثمين باغتصابها واستخدموا الهراوات الكهربائية لمضاجعتها بالقوة، حسبما ذكرت لصحيفة نيويورك تايمز في مقابلة هاتفية من الولايات المتحدة حيث تقيم اليوم.
وأردفت "كل ما تبغاه حينها هو الموت، لكنك للأسف لا تموت".
ولطالما نفت الحكومة الصينية جميع المزاعم حول الانتهاكات التي ترتكب في هذه المعسكرات، وتدافع بكين عنها معتبرة أنها "مراكز تدريب مهني" تهدف إلى القضاء على الإرهاب وتحسين فرص العمل.
حيث قال المتحدث باسم حكومة شينجيانغ، شو جويشيانغ، في بيان صحافي في شباط/فبراير الماضي، "لا يمكن حدوث اعتداءات جنسية وعمليات تعذيب".
وفي الشهر نفسه ومن مقر الأمم المتحدة، وصف وزير الخارجية الصيني وانغ يي معاملة الصين للأقليات العرقية في شينجيانغ بأنها "مثال ساطع" على التقدم الذي وصلت إليه البلاد في مجال حقوق الإنسان.
دعوات للصين لإنهاء 'الإبادة الجماعية'
وكان مسؤولون من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا قد دعوا الصين في مؤتمر عبر الفيديو يوم الأربعاء، 12 أيار/مايو، إلى إنهاء قمعها لأقلية الإيغور.
حيث قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-جرينفيلد خلال المؤتمر الذي شاركت منظمة هيومان رايتس ووتش في رعايته وعُرضت خلاله شهادات من أبناء الإيغور إن "الناس في شينجيانغ يتعرضون للتعذيب، ويتم تعقيم النساء قسرا".
وأضافت "سنواصل التصدي والتحدث علنا حتى توقف الحكومة الصينية جرائمها ضد الإنسانية والإبادة الجماعية للإيغور والأقليات الأخرى في شينجيانغ".
كما دعت سفيرة المملكة المتحدة باربرا وودوارد الصين إلى السماح لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان "بالوصول الفوري والحقيقي وغير المقيد" إلى شينجيانغ.
وتابعت "هناك أدلة على الاعتقال الجماعي التعسفي والإخفاء القسري وحالات التعذيب"، إضافة "إلى تقارير أخرى تتحدث عن انتشار العمل القسري والتسبب بالعقم".
وقالت في تصريحات مصورة نُشرت على تويتر إن "أكثر من مليون مسلم محتجزون منذ أواخر عام 2017 في معسكرات الاعتقال خارج نطاق القضاء".
بدوره، قال السفير الألماني كريستوف هيوسجين "نناشد الصين احترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد طلبنا من الصين هدم معسكرات الاعتقال".
وسأل الصين "إذا لم يكن لديكم ما تخفوه، فلماذا لا تمنحون المفوض السامي لحقوق الإنسان وصولًا دون أي عوائق؟".
وردا على ذلك، أصر الوفد الصيني في بيان على أن "الوضع الراهن في شينجيانغ لم يشهد أفضل منه في التاريخ".