كابول ـ دخلت طالبان والصين في ما يبدو أنه تحالف مصالح، إذ يتطلع كل من الطرفين إلى تحقيق منفعة استراتيجية منه على حساب القبول بممارسات الطرف الآخر السيئة والتي كانت مرفوضة في السابق.
وتسعى حركة طالبان للحصول على حلفاء محتملين، في وقت تتضاءل فيه ثقة المجتمع الدولي بصدق الحركة في التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الحرب في أفغانستان.
وتاريخيا، لجأت حركة طالبان إلى إيران وباكستان وروسيا للحصول على الأسلحة والدعم المالي.
واليوم ومع وجود مقاتلي طالبان على حدود منطقة سنجان الصينية، تبذل الحركة جهودا هائلة لجذب جارتها العملاقة في حين تأمل بكين باسترضاء قياديي طالبان لتأمين نوع من الضمانة.
وفي نهاية تموز/يوليو، التقى وفد رفيع المستوى من طالبان بقيادة أحد مؤسسي الحركة المتشددة الملا عبد الغني برادر، بمسؤولين في بكين.
وعبر اجتماعها مع قادة الحزب الشيوعي الصيني، تشير طالبان إلى أنها مستعدة للتغاضي عن الفظائع التي ارتكبتها الصين ضد المسلمين في سنجان، والتي تصفها جماعات حقوقية وحكومات غربية بأنها ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.
من جهة أخرى، يغض الحزب الشيوعي الصيني الملحد الطرف عن عقيدة حركة طالبان المتطرفة ومساعيها العنيفة للإطاحة بالحكومة الأفغانية.
وأشاد مسؤولون صينيون بالجماعة المتمردة معتبرين أنها "قوة عسكرية وسياسية مهمة" في أفغانستان، وطلبوا منها "الانفصال الجذري" عن الجماعات الإرهابية كافة، بحسب تقارير إخبارية.
وتخشى بكين من استخدام أفغانستان كنقطة انطلاق للانفصاليين الأويغور من منطقة سنجان. وتشكل علاقات طالبان مع حركة تركستان الشرقية الإسلامية وخلفها الحزب الإسلامي التركستاني مصدر قلق كبيرا للصين.
واستغلت بكين وجود حركة تركستان الشرقية والحزب الإسلامي التركستاني لتبرير حملتها القمعية في سنجان، على الرغم من عدم تسجيل المنطقة أي حوادث إرهابية تذكر منذ عام 2017.
وقال المتحدث باسم طالبان محمد نعيم، إن "الإمارة الإسلامية أكدت للصين أن أراضي أفغانستان لن تستخدم لتهديد أمن أي دولة أخرى".
وتابع "لقد وعدت (الصين) بعدم التدخل في شؤون أفغانستان، والمساعدة بدلا من ذلك في حل مشاكلها وإحلال السلام".
ووصف برادر بكين بأنها "صديقة جديرة بالثقة".
’وسيلة لتحقيق غاية‘
بالنسبة للصين، فإن إدارة مستقرة ومتعاونة في كابول من شأنها فتح باب أمام مبادرة الحزام والطريق الخاصة بها في أفغانستان .
وكتب ريد ستانديش في 21 تموز/يوليو في مقالة لراديو أوروبا الحرة/راديو ليبرتي، "بالنسبة لبكين، تمثل طالبان وسيلة لتحقيق غاية". وتابع "في غضون ذلك، ترى طالبان في الصين طريقا يوصلها إلى الشرعية الدولية ويؤمن تدفقا موثوقا للاستثمار في أفغانستان التي مزقتها الحرب".
وقال مدير الأبحاث في معهد الإستراتيجية الوطنية بجامعة تسينغهوا في بكين تشيان فنغ، لصحيفة وول ستريت جورنال، إن "طالبان تريد أن تظهر حسن نيتها للصين".
وأضاف أن الحركة "تأمل بأن تلعب الصين دورا أكثر أهمية، خصوصا بعد أن تسحب أميركا قواتها من البلاد".
وقال الباحث الأفغاني المقيم في أستراليا نيشانك موتواني لوكالة الصحافة الفرنسية، "من خلال جلب الصين إلى صفها، سيكون بمقدور الصينيين تزويد [طالبان] بغطاء دبلوماسي في مجلس الأمن [التابع للأمم المتحدة]".
وذكر "من المهم الإشارة... إلى أنه عندما تفتح دول أخرى أبوابها أمام حركة طالبان وتتعامل معها، فذلك يقوض شرعية الحكومة الأفغانية ويظهر طالبان كحكومة مرتقبة".
ومن خلال توقيع صفقات مع طالبان، تأمل بكين بأن تبقي الحركة على الحياد في ما يختص بقضية الأويغور في سنجان، حيث اعتمدت بيجين في السنوات الأخيرة سلسلة من السياسات الوحشية بهدف إخضاع ومراقبة غالبية السكان المسلمين في المنطقة وذلك بحجة المحافظة على "الأمن القومي".
وأثارت بعض الجرائم التي ارتكبتها السلطات الصينية في سنجان غضب المسلمين بشكل خاص في جميع أنحاء العالم، وبينها الاعتقال التعسفي لأكثر من ألف إمام وشخصية دينية في المنطقة وتدمير نحو 16 ألف مسجد، إضافة إلى الاغتصاب الممنهج للنساء المسلمات.
ويبدو أن طالبان التي تصور نفسها بأنها مدافعة عن الإسلام، مستعدة للتغاضي عن ذبح واستعباد المسلمين مقابل الثمن المناسب.
وفي حديث لوكالة الصحافة الفرنسية، قال الناطق باسم طالبان سهيل شاهين، إن المتمردين يريدون "علاقات جيدة مع كل دول العالم".
وأضاف "إذا أراد أي بلد استكشاف مناجمنا، فنحن نرحب به"، قائلا "سنوفر فرصا جيدة للاستثمار".
وتابع لصحيفة وول ستريت جورنال "إذا كانت هناك بعض المشاكل مع المسلمين [في الصين]، فسنناقش بالطبع هذا الأمر مع الحكومة الصينية".
’ديزني لاند الإرهاب‘
وتنظر طالبان إلى الصين كمصدر مهم للاستثمار والدعم الاقتصادي، إما بشكل مباشر أو عبر باكستان التي تعتبر أحد الرعاة الإقليميين الرئيسين للمتمردين وحليفا مقربا من بكين.
واستضافت بكين وفدا آخر من طالبان عام 2019، وفي مطلع العام الحالي عرضت الصين استضافة محادثات السلام الأفغانية.
ولكن تعود علاقاتها السرية مع المتمردين عبر باكستان إلى فترة أطول، وقد "سمحت للصين بتجنب أي هجوم إرهابي كبير على مشاريعها في أفغانستان"، وفقا لما ذكره أستاذ العلوم السياسية في جامعة ليبر دو بروكسيل تييري كيلنر.
وتشمل هذه المشاريع منجم أينك للنحاس العملاق بالقرب من كابول، والذي حصلت شركة صينية على امتياز يحتمل أن يكون مربحا فيه في عام 2007، إلا أن العمل فيه توقف منذ فترة طويلة بسبب الصراع الدائر.
ولكن ذكر محلل الإرهاب الدولي في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة روهان جوناراتنا، أنه من غير المحتمل أن تصبح حركة طالبان جارا جيدا.
ورجح أن تستأنف الحركة دعم مقاتلي الأويغور، لا سيما مع سعي العديد منهم للعودة من سوريا إلى أفغانستان.
وقال جوناراتنا لصحيفة وول ستريت جورنال "كانت طالبان مضيفهم الرئيس. تربطهم علاقة وثيقة للغاية".
ولفت إلى أنه "مع انسحاب القوات الأميركية، ستعود طالبان على ما كانت عليه من قبل لأن عقيدتها لم تتغير بشكل كبير".
ويمكن لأفغانستان أن "تصبح ديزني لاند الأرهاب، حيث ستعمد كل هذه الجماعات الإرهابية الأجنبية إلى ترسيخ موطئ قدم لها هناك".
وحث الرئيس أشرف غني المجتمع الدولي على "مراجعة سردية استعداد حركة طالبان وأنصارها لتبني حل سياسي".
وحذر في خطاب ألقاه في 28 تموز/يوليو في كابول قائلا، "إننا نواجه من حيث الحجم والنطاق والتوقيت، غزوا لم تشهد الثلاثون عاما الماضية مثيلا له".
وختم مؤكدا أن "هؤلاء ليسوا طالبان القرن العشرين... بل هم يمثلون ظاهرة من مظاهر العلاقة بين الشبكات الإرهابية العابرة للحدود والمنظمات الإجرامية العابرة للحدود".