قال محللون إن التغييرات المفاجئة في القيادة شبه العسكرية العليا بإيران والاضطرابات التي تشهدها البلاد بسبب المشاكل الاجتماعية وارتفاع التضخم، يظهران أن النظام الإيراني يكافح للسيطرة على الأزمة الداخلية التي تتفاقم بسرعة.
وفي خطوة اعتبر البعض أنها مؤشر آخر على مشاكل البلاد، استبدل فجأة يوم 22 أيار/مايوالأدميرال علي شمخاني، الذي شغل طويلا منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران.
وحل محله علي أكبر أحمديان، وهو مدير المركز الاستراتيجي التابع للحرس الثوري الإيراني، والتزم المسؤولون الإيرانيون الصمت حيال أسباب التغيير.
ويخضع شمخاني،,وهو إيراني من أصل عربي يتحدر من محافظة خوزستان الجنوبية ومقرب من المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، للعقوبات الأميركية.
وكان قد شغل ذاك المنصب طيلة عشر سنوات، وتفيد المعلومات بأنه لعب دورا رئيسا فياتفاق التطبيع بين إيران والمملكة العربية السعودية الذي أبرم منذ شهرين.
ووفق القانون، يعين الرئيس الإيراني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي.
وجاء قرار الرئيس إبراهيم رئيسي لاستبدال شمخاني كمفاجأة للكثيرين نظرا لقرب شمخاني من خامنئي وفترة توليه منصب شديد الحساسية.
وكانت إيران تبذل جهودا للتوصل إلى اتفاق مع المملكة العربية السعودية، في محاولة من النظام لإقناع الشعب أنه رغم خلافاته مع الغرب، فقد تمكن من تطبيع العلاقات مع قوة إقليمية كبيرة.
لكن يبدو من الصعب على السلطات الإيرانية السيطرة على الوضع الداخلي، وسط المعارضة الواسعة ورفض الشعب للكثير من المسائل، منها الحجاب الإلزامي للنساء.
'عمى أخلاقي صادم'
هذا وقد أوضح النظام الإيراني أن أولويته هي فرض إلزامية الحجاب وأنه سيوقع "أشد أشكال العقاب" على النساء اللاتي يظهرن في الأماكن العامة دون ارتدائه.
وردا على ظهور شهيرات أمام الجمهور بدون الحجاب الذي تفرضه الدولة، شكل النظام لجنة لملاحقة "الشهيرات الجامحات".
وتتضمن انتهاكات النظام الجسيمة المتواصلة لحقوق الإنسان سلسلة من الإعدامات في جميع أنحاء البلاد، أثارت غضب الشعب.
فقد تجمعت يوم السبت الماضي مجموعة من السجينات في ساحة سجن إيفين سيء السمعة في طهران للاحتجاج على الإعدامات.
وأثناء التجمع، ألقت ثماني سجينات خطبا أدانت فيها عمليات الإعدام، مع التركيز على خمس قضايا، وفقا لتقارير في وسائل الإعلام الإيرانية.
وفي ضوء تجاهل النظام الإيراني لحقوق الإنسان، اندلعت حالة من الغضب بسبب تعيين سفير إيران في الأمم المتحدة علي بحريني يوم 11 أيار/مايو كرئيس المنتدى الاجتماعي لعام 2023 في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.
وقد طالب مركز حقوق الإنسان في إيران بالتراجع عن هذا التعيين فورا، حسبما أوردت إذاعة راديو أوروبا الحرة/راديو ليبرتي.
وقال المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران، هادي غائمي، إن تعيين بحريني في وقت يقوم فيه المجلس بالتحقيق في وفاة مئات المحتجين السلميين في إيران "يعكس عمى أخلاقيا صادما".
وأفادت الإذاعة أن المنتدى الاجتماعي، الذي من المقرر أن ينعقد في تشرين الثاني/نوفمبر، سيركز على إسهام العلم والتكنولوجيا والابتكار في دعم حقوق الإنسان.
وقال محلل سياسي مقيم في إيران للمشارق شريطة عدم الكشف عن اسمه، إن "النظام يحاول باستماتة السيطرة على شؤونه بطريقة ما، وعلى الرغم من حملات القمع المتواصلة، لا يبدو أنه نجح في ذلك".
وأضاف أن "المسائل الداخلية التي يتعامل معها النظام ليست صغيرة أو غير مهمة".
وتابع أن "الشعب يقف ضد الحجاب الإلزامي، كما أن المشاهير يتضامنون مع الشعب، والسجناء يحتجون على عمليات الإعدام، والوضع الاقتصادي يخرج بصورة سريعة عن سيطرة النظام".
إخفاء التضخم
ووفق خدمة اللغة الفارسية في هيئة الإذاعة البريطانية، فقد بلغ مؤشر التضخم العام لفترة الـ 12 شهرا المنتهية في 21 آذار/مارس 51.8 بالمائة.
وفي أواخر شهر آذار/مارس، أعلن مركز الإحصاء الإيراني أنه لن ينشر تفاصيل التضخم لفترة السنوات الخمسة المنتهية في 2021.
وقد نشر مؤخرا تفاصيل محدودة جدا حول ارتفاع الأسعار في فترة الـ 60 يوما المنتهية في 20 آذار/مارس.
وقال محللون إن قرار مركز الإحصاء بعدم نشر معدل التضخم في البلاد يشير إلى أن التضخم قد خرج عن السيطرة ووصل إلى النقطة التي تتوقع فيها الحكومة خروج احتجاجات.
ووفق تقرير هيئة الإذاعة البريطانية، فإن البيانات المتاحة تبين أن معدل التضخم من نقطة إلى نقطة لفترة الـ 30 يوما المنتهية في 21 نيسان/أبريل تجاوز 60 بالمائة، وهو أعلى معدل تضخم في 80 عاما.
وخلال المدة نفسها، ارتفعت أسعار السلع بنحو 80 بالمائة.
ومن الواضح أن عوامل الاقتصاد شبه المفلس والاستياء العام من الوضع الكلي للبلاد والاحتجاجات المستمرة بشأن حقوق الإنسان، قد خلقت وضعا محبطا يصعب على الجمهورية الإسلامية السيطرة عليه.
وما يزال النظام الإيراني يحمي سلطته بأي ثمن، لكن استبداله للمسؤولين في المناصب الرئيسة يظهر ضعفه أمام التحديات التي يواجهها.