حزانو، سوريا -- في ليلة شتاء باردة بشباط/فبراير 2020، خرج ابراهيم عثمان للصلاة وعاد إلى المنزل وبرفقته طفلة رضيعة كانت قد تركت عند مدخل مسجد القرية بعد ساعات من ولادتها.
وذكر المواطن البالغ من العمر 59 سنة وهو يقيم في قرية حزانو في منطقة شمالي غربي سوريا الخاضعة للمعارضة، "أخذتها إلى المنزل وقلت لزوجتي: أحضرت لك هدية".
وأطلق على الطفلة اسم هبة الله، وقرر تربيتها واعتبارها فردا من عائلته.
ويقول مسؤولون إن الأطفال الرضع يتركون على أبواب المساجد والمستشفيات وحتى تحت أشجار الزيتون في سوريا المدمرة جراء الحرب، في ظل تفاقم حالة الفقر واليأس إثر صراع يدوم منذ أكثر من 12 سنة.
وقالت مجموعة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة ومقرها واشنطن وتعمل على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، إنه لم يتم تسجيل "إلا حالات تخل قليلة عن الأطفال" رسميا قبل اندلاع الحرب في العام 2011.
ولكنها ذكرت في تقرير صدر في آذار/مارس، أنه في الفترة الممتدة بين مطلع العام 2021 وأواخر 2022 تم العثور على أكثر من مائة طفل، بينهم 62 فتاة، بعد أن تم التخلي عنهم في مختلف أنحاء البلاد.
وقالت المجموعة إن "الأرقام ازدادت بصورة كبيرة" منذ اندلاع الحرب، إلى جانب "تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية" التي أثرت على كل من مناطق النظام والمعارضة.
وأشارت إلى عوامل تشمل الفقر وانعدام الاستقرار والأمن وزواج الأطفال، إضافة إلى الاعتداءات الجنسية والحمل خارج إطار الزواج.
وفي حين أن التبني ممنوع في سوريا، طلب عثمان من السلطات المحلية إذنا بتربية هبة الله.
وذكر مجهشا بالبكاء "قلت لأولادي إن هبة الله ترث كما يرثون في حال مت"، حتى لو لن تتمكن يوما من أن تكون جزءا من العائلة رسميا.
وتناديه الطفلة البالغة من العمر 3 سنوات اليوم "جدو".
وقال عثمان "ليست إلا طفلة بريئة".
ارتفاع في حالات التخلي عن الأطفال
وفي هذا السياق، أشار المدير العام لهيئة الصحة زاهر حجو إلى تسجيل 53 طفلا، بينهم 28 صبيا و25 طفلة، تم التخلي عنهم في الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي في مناطق سيطرة النظام.
وفي محافظة إدلب الخاضعة للمعارضة، يعتني العاملون الاجتماعيون بالمركز الرئيسي للأطفال الذين تم التخلي عنهم بأطفال رضع ملفوفين ببطانيات في أسرة بدائية، وقد زين بعضها بطلاء أو شرائط أرجوانية.
فاهتمت سيدة في الغرفة ذات الجدران العارية بهز طفل لينام بيد واحدة، فيما عملت على إطعام آخر باليد الأخرى.
وقال مدير البرامج في المركز فيصل الحمود إنه تم العثور على إحدى الفتيات تحت شجرة زيتون حين كانت قطة تهرش وجهها.
وأوضح "كانت الدماء تسيل من وجهها"، مضيفا أن المركز كلف أسرة باحتضانها.
وتابع أن الأخصائيين الاجتماعيين يتابعون لضمان المعاملة الجيدة لهؤلاء الأطفال و"عدم الإتجار بهم".
وبدوره، أوضح المسؤول في الشؤون المدنية، وهو تابع لسلطات المعارضة في إدلب، أن المركز استقبل منذ إنشائه عام 2019 إجمالي 26 طفلا حديثي الولادة، بينهم 14 فتاة و12 صبيا، وشمل هذا العدد 9 أطفال خلال العام الجاري وحده.
وأضاف "الحرب والعائلات أيضا هي السبب" وراء التخلي عن الأطفال.
وتابع "هؤلاء الأطفال هم ضحايا".
كثيرون يلومون نظام الأسد
وأصدر الرئيس السوري بشار الأسد خلال العام الجاري مرسوما لإنشاء مرافق مخصصة للأطفال، على أن يتم تسجيلهم تلقائيا كعرب وسوريين ومسلمين مع اعتبار مكان الولادة المكان حيث تم العثور عليهم.
ولكن كثيرين يلومون الأسد على خلقه الظروف التي دفعت الناس إلى مثل هذه الأعمال اليائسة.
يُذكر أن الحرب السورية التي طال أمدها والتي غذتها روسيا وإيران، أسفرت عن مقتل أكثر من 500 ألف شخص وتشريد الملايين وتدمير البنية التحتية للبلاد.
كما أن حملات القصف المدعومة من روسيا في محافظة إدلب الخاضعة للمعارضة حيث فر آلاف معارضي النظام جراء عنف الأسد، أدت إلى قتل المدنيين السوريين ودمار البنية التحتية الحيوية.
وقوبلت انتهاكات الأسد لحقوق الإنسان بعقوبات دولية أضعفت بدورها الاقتصاد بشكل إضافي، وقد سرق النظام المساعدات التي كانت مخصصة للشعب السوري.
وأعادت جامعة الدول العربية استقبال الأسد في 19 أيار/مايو بعد قطيعة دامت أكثر من عقد من الزمن، ولكن كثيرين يعتقدون أن هذه الخطوة سابقة لأوانها، مشددين على ضرورة محاكمة النظام أولا على الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري.
وأعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية يوم الثلاثاء، 23 أيار/مايو، أنه يجب محاكمة الأسد على خلفية "مئات آلاف الوفيات" و"استخدام الأسلحة الكيميائية" خلال الحرب.
وعندما سئلت خلال مقابلة تلفزيونية عما إذا كانت تريد أن يحاكم الأسد، ردت كاثرين كولونيا قائلة "الجواب هو نعم"، مضيفة أن "المعركة ضد الجريمة والإفلات من العقاب هي جزء من الدبلوماسية الفرنسية".
وتابعت أن باريس لن تغير سياستها تجاه حاكم سوريا.
وذكرت "يجب أن نتذكر من هو بشار الأسد. هو زعيم كان عدوا لشعبه طوال أكثر من 10 سنوات".
وأكدت "ما من سبب يدعونا لتغيير سلوكنا تجاهه، طالما أنه لم يتغير ولم يلتزم بالمصالحة وبمحاربة الإرهاب ومكافحة المخدرات وطالما أنه لم يف بالتزاماته".