القاهرة - قال محللون إن الدول العربية التي تفكر في إعادة العلاقات مع نظام بشار الأسد يجب أن تأخذ في الاعتبار تورط الدائرة المقربة من الرئيس السوري حتى العظم في تجارة الكبتاغون غير المشروعة.
وأشاروا إلى أنه قبل الموافقة على أي استئناف للعلاقات، عليها التفكير في حجم الضرر الذي أحدثته تجارة المخدرات التي يرعاها النظام للمنطقة إلى جانب الفظائع التي ارتكبها الأسد بحق شعبه.
وتشكل تجارة الكبتاغون شريان الحياة للنظام السوري، وتمكّن وتسهّل عملية تحقيق أرباح طائلة عبر تصنيع وتهريب الأمفيتامين الخطير إلى جميع أنحاء المنطقة.
وقالت أندريا غاكي المسؤولة في وزارة الخزانة الأميركية بتاريخ 28 آذار/مارس إن "سوريا أصبحت رائدة عالميا في إنتاج الكبتاغون الذي يسبب الإدمان ويتم تهريب الكثير منه عبر لبنان"، معلنة فرض عقوبات جديدة على مهربي المخدرات.
وتابعت "سنقوم مع حلفائنا بمحاسبة أولئك الذين يدعمون نظام بشار الأسد من خلال عائدات المخدرات غير المشروعة وغيرها من الوسائل المالية التي تمكّن النظام من الاستمرار بقمعه للشعب السوري".
وعارضت الولايات المتحدة بحزم تطبيع العلاقات مع الأسد واستبعدت منح أي مساعدات لإعادة الإعمار في المناطق السورية التي يسيطر عليها النظام بدون مساءلته عن الانتهاكات التي ارتكبها.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل في 21 آذار/مارس، "لن نطبع مع نظام الأسد ولن نشجع الآخرين على ذلك في غياب تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي".
عقوبات على رجال النظام
وفي خطوة هدفت إلى القضاء على تجارة المخدرات غير المشروعة، فرضت الولايات المتحدة في 28 آذار/مارس بالتنسيق مع المملكة المتحدة، عقوبات على 2 من أبناء عم الرئيس السوري على خلفية ارتباطهما بإنتاج وتصدير الكبتاغون.
وتسلط العقوبات الضوء على هيمنة عائلة الأسد على تجارة الكبتاغون وعلى دور مهربي المخدرات اللبنانيين وبعضهم مرتبط بحزب الله في تسهيل تصديرها.
وقالت وزارة الخزانة إن عقوبات فرضت على ابن عمومة الرئيس السوري سامر كمال الأسد الذي يشرف على منشآت إنتاج الكبتاغون الرئيسة في اللاذقية بالتنسيق مع الفرقة الرابعة وشركاء من حزب الله.
وأضافت أنه في عام 2020، تمت مصادرة 84 مليون حبة كبتاغون في ميناء ساليرنو الإيطالي علما أنها كانت قد أنتجت في مصنع يملكه في اللاذقية وتقدر قيمتها بنحو 1.2 مليار دولار. وتفيد الأنباء أنه يمتلك أيض مصنعا لإنتاج الكبتاغون في القلمون.
وفرضت عقوبات أيضا على قريب آخر للأسد هو وسيم بديع الأسد.
وكشفت وزارة الخزانة أن وسيم بديع الأسد هو شخصية رئيسية في شبكة تهريب المخدرات على الصعيد الإقليمي، وقد دخل في شراكة مع موردين رفيعي المستوى لتهريب الكبتاغون ومخدرات أخرى في جميع أنحاء المنطقة.
وتم ذلك بدعم ضمني من النظام السوري.
وأدرج أيضا على القائمة السوداء عماد أبو زريق الذي يقود ميليشيا موالية للنظام السوري تسيطر على معبر جابر/نصيب الحدودي بين سوريا والأردن، وقد عمل على تمكين عمليات إنتاج وتهريب المخدرات في جنوبي سوريا.
كذلك، فرضت عقوبات على أحد أباطرة المخدرات وتاجر السلاح اللبناني نوح زعيتر المطلوب من السلطات اللبنانية.
ولزعيتر علاقات وثيقة مع الفرقة الرابعة وبعض عناصر حزب الله.
العوائق أمام التطبيع
وفي حديثه للمشارق، قال الباحث في مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية سامي غيط، إن الدفعة الأخيرة من العقوبات "وضعت بعض الدول في الشرق الأوسط في موقف لا تحسد عليه".
وأوضح أن عددا من الدول سعى إلى تطبيع العلاقات مع نظام الأسد وإعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثنائية إلى ما كانت عليه سابقا.
ولكنه أشار إلى أن تدفق الكبتاغون استمر دون انقطاع إلى دول الخليج والأردن والعراق وغيرها من الدول، قائلا إن التطبيع مع نظام يعتمد على هذه التجارة ستكون له تداعيات سياسية ودبلوماسية سيئة.
وأضاف الغيط أن بعض هذه الدول التي تبحث في مسألة التطبيع "وعلى رأسها السعودية تعتبر أكثر الدول تضررا من تجارة هذه الحبوب".
وأكد أن "نظام الأسد وحزب الله يسعيان إلى إغراق المملكة والدول الخليجية الأخرى بهذه الأقراص"، الأمر الذي سيترك "أثرا مدمرا" على شعوبها.
وذكر أنه من جهة أخرى، تدر تجارة الكبتاغون مليارات الدولارات على خزينة النظام وتغني دائرة المقربين منه.
ولفت إلى أن هذه التجارة تؤمن إيرادات أيضا للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني اللذين لم يغيرا مسار تدخلاتها في سوريا ولبنان والعراق.
ويستدعي ذلك وفقا للغيط طرح السؤال التالي "هل ستستمر عملية التطبيع أم سيتم تجميدها في الوقت الحالي إلى حين التخلص من هذه المشكلة؟"
أموال الكبتاغون تغذي الميليشيات
ومن جهته، قال المحامي السوري المقيم في القاهرة طاهر المصري إن "عائلة الأسد هي التي تحكم سوريا وليس الحكومات أو الوزراء او كبار الموظفين".
وذكر أن "أعضاء هذه العائلة تقاسموا في ما بينهم ومنذ عقود كل مفاصل البلاد على جميع المستويات خاصة الجيش والمخابرات والشرطة والاقتصاد والاستيراد والتصدير".
وأكد أنه "لا تتم أي صفقة أو اتفاقية إلا بعد الموافقة عليها من أحدهم".
ولفت إلى أن الرئيس السوري على كامل المعرفة بأعمال انتاج الكابتغون وشبكات الإتجار بها، ولا يقوم بأي تحرك لوقفها "لأنه يعي بأنها هي التي تبقيه في الحكم".
وقال المصري إنه بزوال تجارة المخدرات "سيزول حكمه تماما".
وكشف أن "الكبتاغون يؤمن الأموال لحاشية [الأسد] التي تضمن استمرارية بعض الميليشيات الموالية للنظام".
وأردف المصري أن هذه الميليشيات تعمل "كفرق موت ترتكب العديد من الأعمال الوحشية لتبقي نظام الحكم قائما وبالتالي لتحافظ على وجودها".
وأكد أن محاربة تجارة الكبتاغون في سوريا ستؤدي إلى إضعاف النظام على أقل تقدير وقد تؤدي حتى إلى انهياره.
وتابع المصري أن ذلك سيجبره على تقديم تنازلات عديدة تتعلق بشكل وطريقة الحكم والتعامل مع المدنيين والحفاظ على الحقوق والحريات، وهو ما يريد النظام تجنبه.
فساد مستشري
ومن جانبه، ذكر فاضل الهندي المشرف في مركز البحوث الإنسانية والاجتماعية التابع لجامعة الملك عبد العزيز أن الفساد متجذر في سوريا.
وشدد على أن "الأمر لا يتعلق بموظف فاسد أو مسؤول حكومي يتلقى الرشاوى لتمرير صفقة ما، بل يتعلق بطريقة إدارة البلاد القائمة على عدة مستويات بشكل هرمي".
وقال الهندي إن "بشار الأسد يتربع على رأس الهرم ويليه بشكل متتالي عائلته أي زوجته وأبناؤه وشقيقه، ومن ثم أبناء أعمامه وأخواله المسيطرين على المفاصل الأساسية للبلاد".
وتابع أنه يأتي بعد هؤلاء ضباط بارزون في الجيش والمخابرات والشرطة، وتليهم طبقة رجال الأعمال المرتبطين بدورهم بأفراد من العائلة بشكل مباشر.
وشرح أنه في أسفل الهرم تقبع مجموعات متفرقة من تجار ومسؤولي ميليشيات يقتاتون من الأعمال غير الشرعية والفساد المستشري.
وأضاف الهندي أن هذه المنظومة قد تبدو من الخارج بانها مترابطة ومتراصة، لكنها في الواقع تفتقر إلى الثبات.
وأكد أن التغيير في سوريا "مستحيل في ظل وجود هذه الزمرة الحاكمة التي اعتادت البقاء على قيد الحياة من خلال الفساد والقمع والسرقات وأعمال القتل".