حقوق الإنسان

'الضربات المزدوجة': كيف تضاعف سوريا وروسيا الإرهاب والخسائر البشرية

فريق عمل المشارق

عناصر الخوذ البيضاء يبحثون عن الضحايا وسط ركام البنايات المدمرة عقب ضربة جوية نفذها النظام السوري على حي بستان الباشا الذي تسيطر عليه قوات المعارضة في حلب يوم 4 تشرين الأول/أكتوبر 2016. اُتهمت روسيا بتنفيذ عمليات قصف عشوائية أثناء حملة حلب، بما في ذلك استهداف المستشفيات. [ثائر محمد/وكالة الصحافة الفرنسية]

عناصر الخوذ البيضاء يبحثون عن الضحايا وسط ركام البنايات المدمرة عقب ضربة جوية نفذها النظام السوري على حي بستان الباشا الذي تسيطر عليه قوات المعارضة في حلب يوم 4 تشرين الأول/أكتوبر 2016. اُتهمت روسيا بتنفيذ عمليات قصف عشوائية أثناء حملة حلب، بما في ذلك استهداف المستشفيات. [ثائر محمد/وكالة الصحافة الفرنسية]

كشف المركز السوري للعدالة والمساءلة في تقرير استقصائي نشر يوم الخميس الماضي، 21 تموز/يوليو، أن النظام السوري وداعمته روسيا مسؤولان عن 58 "غارة جوية مزدوجة" على الأهداف المدنية والإنسانية في سوريا.

و"الضربة المزدوجة" هي الممارسة التي يتم فيها ضرب موقع ما، ومن ثم ضرب الموقع نفسه بعد ذلك مباشرة لاستهداف المدنيين والمستجيبين الأوائل الذين يصلون إلى المكان بين الضربتين، حسبما أوضح المركز الحقوقي الذي يديره سوريون.

أضاف المركز أن هذه الممارسة هي تكتيكا شائعا تستخدمه قوات النظام السوري والقوات الروسية لمضاعفة الأذى، واصفا إياها بأنها "استراتيجية عسكرية تنفذ بشكل ممنهج".

وذكر التقرير أنه "طوال الـ 11 عاما الماضية في سوريا، تم تنفيذ تكتيكات عسكرية مختلفة بقسوة لسحق المعارضة الشعبية".

عناصر الخوذ البيضاء ينقذون امرأة من تحت أنقاض بناية بعد غارة جوية في دوما بالغوطة الشرقية، يوم 19 آذار/مارس 2018. [حسن محمد/وكالة الصحافة الفرنسية]

عناصر الخوذ البيضاء ينقذون امرأة من تحت أنقاض بناية بعد غارة جوية في دوما بالغوطة الشرقية، يوم 19 آذار/مارس 2018. [حسن محمد/وكالة الصحافة الفرنسية]

أعمدة الدخان تتصاعد عقب ضربة جوية روسية في جنوبي محافظة إدلب السورية، بالقرب من قرية الركايا، يوم 24 تشرين الأول/أكتوبر 2019. [عبد العزيز كيتاز/وكالة الصحافة الفرنسية]

أعمدة الدخان تتصاعد عقب ضربة جوية روسية في جنوبي محافظة إدلب السورية، بالقرب من قرية الركايا، يوم 24 تشرين الأول/أكتوبر 2019. [عبد العزيز كيتاز/وكالة الصحافة الفرنسية]

"لم يتم استبعاد أي طريقة، بدءا من محاصرة مدن كاملة إلى استخدام الأسلحة الكيميائية. ونتيجة لذلك، وقع المدنيون في مرمى نيران الصراع ووجدوا أنفسهم مضطرين للتعامل مع تداعياته التي لا نهاية لها".

وأشار التقرير، الذي يحمل عنوان "عند عودة الطائرات: الضربات المزدوجة على المدنيين في سوريا"، إلى أن الضربات المزدوجة نفذت بصورة متعمدة لإلحاق الأذى بالأشخاص والأغراض المحميين، بدلا من مهاجمة عدو معروف.

وتابع التقرير أن "هذه المقاربة، التي تتضمن 'الصدمة والرعب'، تهدف لسحق مشاعر المعارضة وترهيب المدنيين"، مشيرا إلى أن تلك الضربات "تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وترقى إلى جرائم حرب".

واستخدم الفريق الاستقصائي بيانات جمعت من منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وصور الأقمار الاصطناعية لتقييم وتوثيق حالات "الضربات المزدوجة"، وقام خلال هذه العملية باستعراض مئات الفيديوات.

أولا، تحقق المحققون من موقع الضربة الأولى ووصول المستجيبين الأوائل أو المدنيين إلى الموقع بعد الضربة.

ثم قاموا بالتحقق من أن هجوما لاحقا واحدا على الأقل وقع على نفس الموقع في غضون ساعة من وصول المستجيبين الأوائل أو المدنيين.

وتم تقييم صحة كل وثيقة من الوثائق، واستخدمت أدوات مثل تحديد الموقع الجغرافي وأنماط الطقس للتحقق من صحة الفيديوات التي أظهرت نفس المواقع والإطار الزمني.

وإلى جانب الفيديوات، تم جمع الروايات المباشرة من وسائل التواصل الاجتماعي والمقالات الإخبارية التي توثق الضربات والخسائر البشرية.

وقال التقرير إنه "بناء على هذه المعايير، فقد تم تحديد 58 حالة من حالات الضربات المزدوجة في الفترة الممتدة من 2013 إلى 2021 في جميع أنحاء سوريا".

'ضحايا مدنيون بأغلبية ساحقة'

ووقع كل حادث من الـ 58 حادثا الموثقة في تقرير المركز السوري للعدالة والمساءلة في مناطق سكنية خارج مناطق سيطرة النظام.

وأشار التقرير إلى أن حالتين من حالات "الضربات المزدوجة" وقعت في محافظة حلب وحالة في حمص و21 في إدلب و34 في محافظة دمشق.

وذكر أنه "نتيجة لذلك، كانت الأغلبية الساحقة من الضحايا من المدنيين، بما في ذلك نساء وأطفال ومستجيبون أوائل كانوا يساعدون الضحايا بعد الضربة الأولى".

ونوه إلى أنه قبل دخول روسيا للصراع بصورة رسمية في العام 2015، كانت قوات النظام السوري تنفذ الضربات المزدوجة عن طريق إطلاق قذائف مدفعية على الأهداف.

"إلا أنه بعد العام 2015، تزايدت الضربات المزدوجة في معدل التكرار والشدة، ما أدى إلى اتساع رقعة التدمير، ويعود ذلك جزئيا لاستخدام الأسلحة الموجهة بالليزر، مثل كراسنوبول".

والكراسنوبول هو نظام مدفعية يعود للحقبة السوفياتية يركز على نقطة يضيئها جهاز تحديد بالليزر، وعادة ما يتم تشغيله بواسطة طائرة مسيرة أو مراقب مدفعية أرضي.

وتظهر الحوادث التي وثقها التقرير، بما في ذلك خمسة أمثلة تفصيلية، "سياسة القوات المسلحة السورية لمهاجمة المدنيين والفاعلين الإنسانيين الذين يقيمون في مناطق خارج سيطرة الحكومة".

وأوضح التقرير أن "هذه السياسة تهدف لمضاعفة الأذى بين صفوف المدنيين وتقليص قدرات الفاعلين الإنسانيين على تقديم الدعم الذي يحافظ على الحياة وترهيب السكان المدنيين وإجبارهم على الخضوع".

'كل الأطفال قتلوا'

وفي 19 آذار/مارس، 2018، أثناء قصف النظام السوري وروسيا لدوما، مرت عربة تحمل شارة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) بصورة ظاهرة على جانبيها وزجاجها الأمامي، مرت أمام جثث ملقاة في أحد الشوارع، وذلك في أعقاب ما بدا أنها ضربة.

وقال التقرير إن "أربعة متطوعين يرتدون زي الخوذ البيضاء ، أوقفوا العربة لإنقاذ ناجيين اثنين على الأرض طلبا المساعدة".

وتابع أن "المتطوعين عملوا معا على رفع الرجل الأول من ذراعيه ورجليه إلى مؤخرة العربة. ثم استخدموا الطريقة نفسها مع الرجل الثاني".

"وحين كان الناجيان والمتطوعون داخل العربة، عاد السائق إلى الخلف بالعربة في الشارع. لكن بعد نحو خمس ثوان، استهدفت ضربة الموقع الذي كانت العربة متوقفة فيه".

وفي حادث آخر، وقع يوم 5 أيار/مايو 2016، زُعم أن طائرات روسيا هاجمت الكمونة، وهو مخيم نزوح نائي في شمالي محافظة إدلب يضم نساء وأطفال بصورة رئيسة.

وأوضح التقرير أن "الضربة الأولى طالت مركز المخيم. ووفقا للشهود، قتل 14 شخصا على الأقل مع اندلاع النيران في العشرات من الخيام".

وذكر أنه "بعد ذلك مباشرة، استهدفت ضربة ثانية الخيمة التي تضم مدرسة المعسكر، مخلفة وراءها بقايا كراسات ذات ألوان براقة. كان هناك فصل دراسي قيد الانعقاد، وقتل كل الأطفال".

وأشار التقرير إلى أنه "في الوقت بين الضربتين، وصلت الخوذ البيضاء وفرق إنسانية أخرى إلى الموقع لإخلاء الأسر ومساعدة المصابين والسيطرة على النيران المستعرة".

"وفيما كانوا يعملون، سمعت الطائرات الروسية وهي تحلق في السماء. ثم تعرض المخيم لضربة ثالثة بالقرب من عربة إطفاء حمراء وعدة متطوعين".

وقتل نحو 45 شخصا وأصيب 70 في الهجوم الذي تسبب في إلحاق أضرار بالغة بالمخيم.

'طائرة! طائرة!'

ويوم 8 آب/أغسطس 2015، تعرض مدنيون في بلدة الغنطو بمحافظة حمص لهجوم جوي من طائرات النظام السوري.

وذكر التقرير أنه "في أحد الحوادث، تجمع مدنيون بالقرب من بناية مدمرة في منطقة مأهولة بالسكان في الحي".

"وفيما قام أفراد التجمع المتزايد بتقييم الوضع وحاولوا سحب المدنيين من تحت الأنقاض، سُمعت طائرة وهي تحلق في السماء".

"فجرى الناس في مختلف الاتجاهات قبل أن تتعرض بناية ثانية خلف الهدف الأول للاستهداف". وأورد النشطاء وقوع 10 إصابات من هذه الضربة المزدوجة الثانية.

ويوم 16 حزيران/يونيو 2014، ألقت غارة جوية برميلا متفجرا على سوق في بلدة السكري جنوبي محافظة حلب، بالقرب من مركز إغاثة في شارع الوكالات.

"وفيما قامت مجموعة من الرجال بتفقد البنايات المدمرة، اقتربت طائرة بسرعة وألقت برميلا متفجرا ثانيا عليهم مباشرة".

وقال التقرير إن "نحو 80 شخصا قتلوا في الضربتين، منهم سبعة أطفال وخمس نساء و11 شخصا لم تحدد هويتهم".

وفي 6 تموز/يوليو 2013، وفي حادث عربين، عمل المدنيون على إنقاذ الناجين والعثور على الجثث وسط مجمع مدمر في حي سكني.

وأوضح التقرير أن "تصوير الفيديو سجل اللحظة التي ضربت فيها طائرة نفس الموقع تقريبا مثل الضربة الأولى".

"وجاء التحذير الوحيد من أحد المشاهدين الذي صاح 'طائرة! طائرة!' قبل لحظات من سقوط الصاروخ. لم يكن أمام المدنيين الذين ينقذون الناجين أي وقت للفرار. وقد تم نقل جثمان بدون رأس من هيكل مدمر في القصف".

وكان طفل قاصر من بين الضحايا في هذه الضربة المزدوجة.

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500