نواكشوط، موريتانيا -- استهدفت حملة تضليلية مؤخرا النيجر في وقت تقوم فيه الدولة الواقعة في منطقة الساحل بتعزيز علاقاتها بالولايات المتحدة وفرنسا وبالتمسك بإدانتها للغزو الروسي لأوكرانيا.
ففي منتصف شباط/فبراير، اجتاحت معلومات مضللة مرتبطة بأحداث لم تحصل فعليا بصورة مفاجئة مواقع التواصل الاجتماعي في البلد غير الساحلي الواقع في غرب إفريقيا، وقد شملت تلك المعلومات أنباء عن هجمات متطرفة وانقلاب مزعوم وقصف وهمي، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
ومع أن هوية مؤلفي تلك الأخبار المزيفة مجهولة، قال معلقون إن أسلوبها وتوقيتها يشيران إلى جهد منسق لتقويض الرأي العام في دولة تعد حليفا أساسيا لفرنسا والولايات المتحدة.
وكانت صفحات عدة على فيسبوك نقلت الأخبار الكاذبة بشأن الفوضى في النيجر، قد نشرت سابقا موادا تظهر ولاء لروسيا أو تستهدف الوجود الفرنسي في الساحل.
وانضمت إحدى الصفحات التي تحمل اسم مراسل بلا حدود في مالي، بشكل ملحوظ إلى الصفحات التي وجهت الاتهامات عبر فيسبوك وتويتر في نيسان/أبريل الماضي، والتي ذكرت أن فرنسا ارتكبت فظائع في وسط مالي.
وشملت الأدلة المزعومة صورا عن مقبرة جماعية تم اكتشافها في غوسي بالقرب من قاعدة عسكرية كان قد أعيد تسليمها إلى الجيش المالي للتو.
لكن الجيش الفرنسي أنكر أي تورط له ونشر صورا التقطتها مسيرة وقال إنها تظهر مرتزقة روس كانوا يقومون بدفن الجثث قبل أيام.
وفي هذا السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي النيجري المقيم في باريس سيديك أبا إن حملة التضليل الأخيرة كانت "على الأرجح تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد وإظهار أن دولة النيجر التي بقيت حليفة لفرنسا في المنطقة اتخذت قرارا خاطئا".
وأضاف أن الهدف تمثل في "خلق نزاع بين الرأي العام والحكومة".
150 مليون دولار لمنطقة الساحل
وفي مطلع الشهر الجاري، توجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى نيامي، وكانت هذه أول زيارة يقوم بها مسؤول أميركي بهذا المستوى الرفيع إلى النيجر.
وبعد محادثات أجراها مع الرئيس النيجري محمد بازوم في 16 آذار/مارس، أعلن بلينكن عن تقديم 150 مليون دولار من المساعدات الإنسانية لمنطقة الساحل ومن ضمنها النيجر.
وبذلك، تصل القيمة الإجمالية للدعم الأميركي المقدم للمنطقة إلى 233 مليون دولار للعام المالي الجاري.
واعتبر العديد من المحللين السياسيين والأمنيين في المنطقة هذه الزيارة على أنها تأكيد على التعهد الذي قدمه الرئيس الأميركي جو بايدن بدعم إفريقيا "دعما تاما" خلال قمة القادة الأفارقة-الأميركيين التي عقدت في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وقال بلينكن من إثيوبيا في آذار/مارس إن "ذلك يعني أن الولايات المتحدة ملتزمة بشراكة عميقة وتفاعلية وحقيقية في القارة".
وذكر الصحافي النيجري كريم ميغا أن اختيار دولة النيجر من بين بقية دول الساحل "لا يخلو من دلالة مهمة حيث تعد... الدولة الأكثر استقرارا" وسط الاضطرابات السائدة في دول الجوار.
وتابع أن "الاستقرار في النيجر لا يأتي من فراغ، بل إنه ناجم عن مسألتين".
وأوضح أن "المسألة الأولى تتعلق بالرؤية العميقة التي يتحلى بها الرئيس الحالي محمد بازوم وتجربته الكبيرة في إدارة الأزمات التي مرت بها النيجر خلال السنوات الماضية".
وأضاف أن "المسألة الثانية تتعلق بالدرس الذي تعلمه شعب النيجر من سنوات الحرب الأهلية خلال تسعينات القرن الماضي".
وأكد أنه "درس جعل كافة مكونات شعب النيجر تدرك أن مصلحتها تكمن في الحفاظ على الاستقرار ونبذ الإرهاب والتطرف والحرص على الارتباط بالدول التي تخدم مصلحتها كالولايات المتحدة وحلفائها".
الديمقراطية تستطيع القضاء على الإرهاب
يُذكر أن النيجر التي تعد من أفقر دول العالم قد شهدت استقرارا بعد عودتها إلى الديمقراطية عام 2011، وذلك حتى في ظل تولي أنظمة عسكرية السيطرة في دولتي مالي وبوركينا فاسو المجاورتين.
فتحولت مالي بشكل حاسم لتصبح في فلك روسيا، وقد استعانت بمجموعة مرتزقة فاغنر بعد انسحاب القوات الفرنسية منها.
أما بوركينا فاسو التي شهدت انقلابين خلال العام الماضي وحده، فاختلفت أيضا مع فرنسا.
ومع أن الزعيم العسكري للبلاد وروسيا أنكرا مزاعم تحرك فاغنر في البلاد، إلا أن محللين مستقلين وقادة إقليميين آخرين يرجحون انتشار مجموعة المرتزقة في بوركينا فاسو في الأشهر المقبلة.
وقال وزير الخارجية النيجري حاسومي ماسودو متحدثا إلى جانب بلينكن في 16 آذار/مارس، إنه لا يملك أدلة تشير إلى أنشطة تنفذها فاغنر في بوركينا فاسو، لكنه حذر من أي ارتباط مع المجموعة.
وذكر بحسب ترجمة وزارة الخارجية الأميركية أن "رغبتنا هي... ألا تستمر البلاد في مسارها نحو هذه المجموعة التي نعتبرها مجموعة مجرمة من المرتزقة".
وتابع أن "فاغنر تتواجد فقط في الدول الفاشلة أو في تلك التي ستفشل قريبا".
وأضاف "تستطيع مؤسساتنا الديمقراطية القضاء على الإرهاب. في الوقع... ما من بدائل أخرى".
وخلافا للعديد من الدبلوماسيين الأفارقة، دان أيضا إدانة تامة الغزو الروسي لأوكرانيا.
وفي المقابل، أشاد بلينكن بالتجربة الديمقراطية في النيجر، قائلا إن "النيجر كانت سريعة في الدفاع عن القيم الديموقراطية المهدّدة في بلدان مجاورة".
روسيا تقوض أمن إفريقيا
وبدوره، قال الصحافي والمحلل السياسي الموريتاني بشير ولد ببانه إنه إذا قرأ المرء بين السطور، تمثل إشادة بلينكن "إشارة غير مباشرة إلى الدول التي تحكمها أنظمة عسكرية انقلابية كما هو الشأن في كل من مالي وبوركينا فاسو، وتتحالف مع موسكو لحمايتها".
وأطلقت إدارة بايدن مبادرة للانخراط بشكل أكبر في إفريقيا لمواجهة حملة الاستثمار المتزايدة للصين، ولكن ازدادت المخاوف أيضا مؤخرا بشأن روسيا.
فأجرت دولة مالي الحدودية غربي النيجر تقاربا مع روسيا تمثل بوجود مرتزقة فاغنر.
وقال بلينكن لوكالة الصحافة الفرنسية في 17 آذار/مارس من نيامي، "أينما تذهب فاغنر، تحصل أمور سيئة".
وأضاف "لم نر تحسنا في الوضع الأمني في الأماكن حيث رأينا تحركا لها. على عكس ذلك، رأينا في الواقع تفاقما للأمور. وتبلى شعوب الدول التي اختارت التعاون معها بمشاكل كاستغلال المواد والفساد والعنف الذي تجلبه المجموعة".
وذكر ببانه أن حضور روسيا "بات أكثر ضررا على الأمن والاستقرار في منطقة الساحل".
وأضاف أنه "من الطبيعي في ظل تزايد نفوذ موسكو في بعض دول الساحل أن تلقي الولايات المتحدة بثقلها في المنطقة لمواجهة توغل روسيا".
يُذكر أن فاغنر التي يديرها يفجيني بريغوزين الحليف المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتهمت بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب في جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا ومالي وسوريا ومؤخرا في الحرب الأوكرانية.
وفي منتصف آذار/مارس، اتهم مسؤولون إيطاليون حتى فاغنر بالوقوف وراء زيادة في محاولات الهجرة من إفريقيا إلى أوروبا.
وقال بلينكن لوكالة الصحافة الفرنسية إن الولايات المتحدة وفرنسا متحدتان بمقاربة جديدة لغربي إفريقيا تركز على الديمقراطية والتنمية والحوكمة السليمة.
وذكر "إذا كنتم تواجهون مشاكل كبيرة وانعدام أمن، فلا بد من أن يكون هناك حلا لذلك. وفي حال لم يكن هنا حل، فستحاول جماعات مثل فاغنر التدخل واستغلال الوضع".
هذا وشملت زيارة بلينكن أيضا لقاء مع مقاتلين سابقين تخلوا عن التطرف وأعيد تأهيلهم عبر تدريب مهني نظم بتمويل أميركي بقيمة 20 مليون دولار.