نواكشوط، موريتانيا -- منذ الإطاحة بالرئيس النيجري محمد بازوم على يد حراسه الشخصيين في 26 تموز/يوليو، عبّر مراقبون من غرب إفريقيا عن مخاوف من أن تتحول النيجر إلى حاضنة للنفوذ الروسي.
وشهدت منطقة الساحل بإفريقيا عدة عمليات استيلاء على السلطة خلال السنوات القليلة الماضية في مالي وبوركينا فاسو، ما جعل من النيجر واحدة من الديموقراطيات القليلة المتبقية في المنطقة.
وعقب سنوات من الانقلابات العسكرية منذ استقلال النيجر من فرنسا عام 1960، تولى بازوم منصب الرئاسة في انتقال سلمي نسبيا للسلطة عام 2021.
واليوم هو قيد الاحتجاز في منزله على يد جنود متمردين بعد انقلاب نفذه قائد وحدة الحرس الرئاسي الجنرال عمر عبد الرحمن تياني.
وأعطت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) الضباط العسكريين الذين يقودون الانقلاب مهلة حتى الأحد، 6 آب/أغسطس، لإطلاق سراح بازوم، علما أن الجنود الانقلابيين تجاهلوا هذا الموعد واستمروا بالاستهزاء به.
وتعذر على موفدي إيكواس الاجتماع بتياني، وقال محللون إن هذا الأخير قاد الانقلاب لتجنب فصله من الخدمة. وهددت المجموعة باللجوء إلى القوة لإعادة إحلال الديموقراطية في النيجر، وهذه خطوة انتقدتها روسيا.
وأفاد راديو فرنسا الدولي أن القادة العسكريين أغلقوا المجال الجوي للبلاد حتى إشعار آخر بعد أن تجمع الآلاف يوم الاثنين في نيامي عاصمة النيجر لدعم الجنود الواقفين خلف الانقلاب والتنديد بأي تدخل أجنبي محتمل.
وقال ممثل عن المجلس العسكري في بيان بثه التلفزيون الوطني "في وجه تهديد بتدخل بات أكثر وضوحا... تم إغلاق المجال الجوي النيجري".
دعم روسيا للانقلاب
هذا وعارض المجلس العسكري في النيجر بشدة أي تدخل أجنبي وحذر من أن أي تدخل خارجي يهدف إلى إعادة الحكومة المخلوعة إلى السلطة سيعتبر بمثابة إعلان حرب ضد النيجر.
مع ذلك، أعلن المجلس أنه طلب المساعدة من مجموعة مرتزقة فاغنر الروسية، حسبما نقلت وكالة أسوشيتد برس.
وذكرت صحيفة إل بايس يوم الاثنين أن الاتحاد الأوروبي "قلق جدا إزاء الانقلاب العسكري الذي نفذ في النيجر"، واصفة البلاد بأنها "ممزقة جراء زيادة التطرف".
وأضافت الصحيفة أن هناك مخاوف متزايدة إزاء انضمام النيجر إلى دول المنطقة التي تحكمها مجالس عسكرية مثل مالي وبوركينا فاسو، وذلك في بيئة من الأنظمة الاستبدادية المدعومة بصورة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الكرملين.
وفي حين تطالب دول عدة بإعادة بازوم إلى منصبه، إلا أن قادة المجلسين العسكريين الحاكمين في بوركينا فاسو ومالي وكلاهما مخترقان من روسيا، أعلنا دعمهما للانقلاب في النيجر.
وفي هذا السياق، ذكر الباحث السينغالي باكاري سمب مدير معهد تيمبكتو لدراسات السلام أن موقف موسكو حيال الانقلاب في النيجر يظهر "تحيزا واضحا مع قادة الانقلاب".
وقال للمشارق إن "ثمةعدة مؤشرات على دعم روسيا لانقلاب النيجر".
وأوضح أن أولها زيارة الانقلابيين لمالي لطلب المساعدة من قوات مجموعة فاغنر"في حال قررت مجموعة إيكواس التدخل العسكري لإعادة الرئيس المخلوع".
وأضاف أنه بالنسبة لموسكو، يشكل انقلاب النيجر "فرصة مواتية لروسيا كي تواصل تغلغلها في المنطقة للاستفادة من الموارد الطبيعية والموقع الاستراتيجي للنيجر".
وفي مقابلة مع محطة اي بي سي نشرت يوم الثلاثاء، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن مرتزقة مجموعة فاغنر لم يشاركوا في التخطيط للانقلاب ولكنهم يستفيدون من غياب الاستقرار الذي حل في أعقابه.
وذكر "لا أعتقد أن ما حصل ويحصل حاليا في النيجر هو نتيجة تحريض من قبل روسيا أو فاغنر، ولكنهما... يحاولان استغلال هذا الوضع".
وتابع "أينما تذهب مجموعة فاغنر، يتبعها الموت والدمار والاستغلال".
تغلغل مجموعة فاغنر
هذا وتكثف موسكو جهودها لتوسيع رقعة نفوذها في إفريقيا عبر قنوات دبلوماسية، ويتواجد مرتزقة مجموعة فاغنر في مالي وبوركينا فاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى ودول أخرى في القارة.
وقال الباحث محمد الداه المتخصص في صراعات منطقة الساحل إن بعض النيجريين رفعوا الأعلام الروسية خلال تظاهرة مؤيدة للانقلاب.
وأوضح للمشارق أن هذا مؤشر واضح على أنهم يعتبرون روسيا بديلا عن قوى الغرب المتحالفة مع إدارة بازوم.
وأضاف أن دعم روسيا يعد موضوع نقاش في صفوف النخبة المحلية في دول غرب إفريقيا، كونها تبحث دوما عن قوة أجنبية للاعتماد عليها.
وقال "لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نستبعد روسيا مما يدور حاليا في النيجر حتى ولو لم يكن لها أي دور في الانقلاب الأخير".
وأشار إلى أن "روسيا ستسعى لاستغلال الوضع بقوة، كما استغلت الانقلابات فيمالي وبوركينا فاسو".
وقبيل الانقلاب، كان بازوم قد حذر من تغلغل روسيا في النيجر من خلال قوات مجموعة فاغنر.
ففي مقابلة أجراها في 26 أيار/مايو مع مجلة جون أفريك، قال بازوم إنه تم اعتقال زعيم سياسي محلي على خلفية تورطه في أنشطة مشبوهة ضد النظام الحاكم بدعم من عناصر فاغنر.
إعادة الديموقراطية إلى النيجر
وأكد رؤساء الأركان في الدول الأعضاء بمجموعة إكواس في 2 آب/أغسطس تصميمهم على إعادة إحلال الديموقراطية في النيجر "مهما بلغت التحديات".
وذكر رئيس أركان الجيش النيجيري كريستوفر موسى أن نيجيريا توقفت عن إمداد النيجر بالكهرباء بعد تعهد المجموعة باتخاذ إجراءات عقابية بحق الانقلابيين، إذ أن الانقلاب أثر سلبا على كل دول غرب إفريقيا.
ومن جانبه، قال سمب مدير معهد تيمبكتو للمشارق إن قادة انقلاب النيجر يتحملون مسؤولية تفاقم الوضع الأمني في الساحل، واصفا هذه الأخيرة بأنها "منطقة تعاني حكوماتها من الضعف والهشاشة".
وأوضح أن "المنطقة أصبحت اليوم ملعبا جديدا للعديد من القوى العالمية، والقلق يساورنا من تحول منطقة الساحل وغرب إفريقيا إلى حلبة جديدة للصراع كما هو الشأن في أوكرانيا".
وتابع أن "هذا ستكون له انعكاسات خطيرة على المنطقة".
ونقلت وسائل إعلام عديدة أن زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين عقد اجتماعات عدة مع عدد من القادة الإفريقيين خلال قمة روسية-إفريقية جرت في أواخر تموز/يوليو بسانت بطرسبرغ في روسيا.