يهدف الاستثمار الصيني في طاجيكستان إلى "بناء مستقبل مشترك"، بحسب ما أظهرته لافتات علقت على المباني والمشاريع التي تنفذ في مختلف أنحاء البلاد عبر منح وقروض قدمتها بيجين.
ولكن في ظل الديون المتراكمة بمليارات الدولارات والمستحقة لبيجين بطريقة أو بأخرى، يتساءل مراقبون عما إذا كان ثمة شروط ذات الصلة.
ويبلغ حجم دين طاجيكستان لبنك التصدير والاستيراد الصيني (إكسيمبنك) الذي تديره الدولة 1.98 مليار دولار، أو ما كان يعادل 60 في المائة من الدين المستحق على البلاد لدائنين أجانب في مستهل عام 2022.
وأفاد موقع أوراسيانيت في 21 تموز/يوليو أن 65.2 مليون دولار من أصل 131.9 مليون دولار من الديون التي سددتها طاجيكستان عام 2021 ذهب إلى الصين، إلى جانب نحو 22 مليون دولار من الفوائد المتراكمة.
وفي هذه الأثناء، يتم بناء المبنى الجديد للبرلمان الطاجيكي بمنحة صينية قدرها 250 مليون دولار.
كذلك، يتم بناء مبنى بلدي جديد بمنحة أخرى قيمتها 120 مليون دولار قدمتها بيجين.
وقال الخبير السياسي الطاجيكي بارفيز مولوجانوف إن "هذا الوضع مقلق للغاية".
وأضاف لموقع أوراسيانيت أن "هذا توجه خطير جدا، لا سيما مع وجود ديون طائلة".
وأوضح أن "تكديس الديون الصينية هو بمثابة اللعب بالنار. فيمكن أن يُستغل ذلك في أي لحظة كذريعة لتوسع سياسي وجيوسياسي".
وتابع مولوجانوف "تعتمد الصين سياسة موحدة إزاء جميع البلدان. فعلى هذه الأخيرة توظيف قوتها العاملة الخاصة، لذلك ترسل طاقتها البشرية ومواردها الصناعية لتنفيذ جميع المشاريع".
وأضاف أن "الصين بحاجة إلى سوق لصناعتها".
سرية ومعاملة تفضيلية
وعادة ما يتم تقديم القروض الصينية لأغراض بناء أو إصلاح البنية التحتية الخاصة بالنقل أو مشاريع الطاقة، ويندرج العديد منها في إطار مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بيجين والمعروفة أيضا باسم "حزام واحد، طريق واحد".
ولكن تعد القروض محاطة بسرية تامة بحيث أنه غالبا ما يكون من الصعب جدا معرفة شروط سدادها. وفي أحيان كثيرة، توكل الأعمال إلى شركات صينية تديرها الدولة، مع تخصيص عدد قليل من الوظائف للسكان المحليين.
ويعد إنشاء خط سكك الحديدي بين فاهدات ويوفون ويربط بين وسط وجنوب طاجيكستان، أحد الأمثلة التي شاب تفاصيلها الكثير من الضبابية.
ففي عام 2014، وافق بنك إكسيمبنك على منح الائتمان لاستكمال بناء خط سكك الحديد.
ولكن لم يفصح النائب الأول لوزير المالية جمال الدين نوراليف عن استخدام قرض بقيمة 68 مليون دولار على الأقل من بنك إكسيمبنك لاستكمال بناء خط سكك الحديد إلا في مطلع العام 2015 وذلك أمام الصحافيين.
وبحسب ما ورد، أعطيت شركة بناء السكك الحديدية الصينية المملوكة من الدولة حقوق تنفيذ العقد دون إجراء عملية مناقصة مفتوحة.
وعندما افتتح الرئيس إمام علي رحمن جزء سكك الحديد الواقع بين دوشنبه وكولاب في آب/أغسطس 2016، ذكرت وسائل الإعلام الطاجيكية الحكومية أن المشروع كلف 125 مليون دولار.
ولم تذكر وسائل الإعلام المحلية مصدر الأموال أو الجهة التي أكملت البناء.
كذلك، تعهد بنك إكسيمبنك أساسا بتقديم قرض بنحو 290 مليون دولار للجهد الهائل الخاص بإصلاح طريق دوشنبه-شاناك شديد الارتفاع والممتد من العاصمة الطاجيكية إلى مقاطعة صغد.
وبدأ المشروع عام 2006 وانتهى عام 2013، وفازت شركة الصين للطرق والجسور وهي شركة هندسية عملاقة بالعقد، ما أدى فعليا إلى إعادة توجيه الأموال إلى الصين فيما بقي عبء الديون على كاهل طاجيكستان.
’ندم المشتري‘
وليست طاجيكستان المثال الوحيد حيث قامت شركات صينية وعمال صينيون ببناء مشاريع بنية تحتية ضخمة تسدد تكلفتها عبر قروض صينية.
وفي هذا السياق، قال المركز العربي بواشنطن في تقرير صدر في كانون الثاني/يناير 2021 إن العديد من الدول تشهد شكلا من أشكال "ندم المشتري" بسبب احتضانها لمبادرة الحزام والطريق وتحمل أعباء الديون التي تصاحبها.
وجاء في التقرير، "يعتقد الكثيرون أن بيجين تنصب عمدا ’فخ الديون‘ بهدف السيطرة على الأصول الاستراتيجية".
وذكر التقرير أن "سرعة وعزم بيجين [في المضي قدما بمبادرة الحزام والطريق] ظهرا جليا وبصورة أكبر في الشرق الأوسط"، مشيرا إلى أن الصين "ضخت ما لا يقل عن 123 مليار دولار في الشرق الأوسط في تمويل المشاريع المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق".
وتشكل تجربة باكستان مع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان وهو المكون الباكستاني من مبادرة الحزام والطريق، أحد الأمثلة على ندم المشتري.
فعقدت بيجين في السنوات الأخيرة اتفاقيات مع إسلام آباد لتنفيذ عدة مشاريع بنية تحتية بمليارات الدولارات، وقد أثار ذلك مخاوف السكان المحليين بشأن النفوذ الصيني، كما أثار استياءهم من ممارسات العمل في الشركات لا سيما لجهة دفع رواتب للمواطنين الصينيين أعلى من تلك التي يتقاضاها العمال الباكستانيون.
ودفع الغضب من النفوذ الصيني المتزايد في إقليم بلوشستان الباكستاني المنظمات المتشددة البلوشية والسندية إلى التحالف مع بعضها البعض، ما أثار القلق إزاء احتمال أن تكثف المجموعة المشتركة أنشطتها العنيفة في المنطقة.
أما سيريلانكا، فتصدرت هي الأخرى عناوين الصحف في الأشهر الأخيرة بسبب عبء الديون الهائل المستحق للصين والانهيار اللاحق في نظاميها السياسي والاقتصادي.
وتبلغ ديونها للصين نحو 10 في المائة فقط من إجمالي ديونها الخارجية، مقارنة بديون طاجيكستان التي تشكل 60 في المائة.
وفي هذا الإطار، قال مارك ليملي مدير برنامج القانون والعلوم والتكنولوجيا في جامعة ستانفورد لشبكة سي إن إن عام 2020، "تزداد صعوبة التعامل مع الصين أكثر فأكثر".
وأضاف "هناك أيضا انطباع متزايد بأن التعامل مع الصين ينطوي على تنازلات أخلاقية مقلقة".
توسع عسكري
في الواقع، تظهر القواعد العسكرية الصينية التي يتم إنشاؤها في الموانئ حول العالم كيف تستفيد بيجين من "استثماراتها" الاقتصادية في البلدان لتحقيق نفوذ عسكري أكبر.
وتعمل الصين على بناء مرافق لموانئ تجارية في مواقع أساسية يمكن لقواتها البحرية سريعة النمو استخدامها.
ويأتي كل ذلك في إطار استراتيجية "عقد اللؤلؤ" التي تتبعها بيجين لربط البر الرئيسي الصيني بالقرن الإفريقي عبر شبكة من المنشآت العسكرية والتجارية.
وأشار تقرير المركز العربي في واشنطن إلى أنه "في حين أن استراتيجية الصين للانخراط في الشرق الأوسط قد توصف بأنها حميدة، إلا أنها في الواقع ترافقت مع توسع الموقع العسكري والدبلوماسي للصين في المنطقة".
وفي منتصف كانون الثاني/يناير، أعلنت طهران أنها بدأت تنفيذ اتفاق تعاون استراتيجي شامل مع الصين مدته 25 عاما، وتم توقيعها العام الماضي.
وبموجب شروط الاتفاق، ستشارك إيران في مبادرة الحزام والطريق من خلال إطلاق مشاريع استثمارية بقيمة 400 مليار دولار.
ومع أن هذا الاتفاق يحمل ظاهريا طابعا تجاريا، فإن الاستثمارات الصينية في مرفأي جاسك وشابهار الإيرانيين ستسمح للبحرية الصينية ذات النمو السريع بتوسيع نطاق عملها.
وفي مثال آخر، أبرمت الصين اتفاقية سرية مع كمبوديا للسماح لقواتها البحرية باستخدام قاعدة في ذلك البلد، حسبما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال عام 2019 نقلا عن مسؤولين أميركيين وحلفاء.
ونفى مسؤولون كمبوديون وصينيون هذه التقارير ووصفوها بأنها "أخبار مزيفة" و "شائعات".
ولكن تبني الصين اليوم سرا منشأة بحرية في كمبوديا ستستخدم حصريا من قبل قواتها العسكرية، بحسب ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست في 6 حزيران/يونيو نقلا عن مسؤولين غربيين.
وفي أواخر العام الماضي، فوجئت الإمارات عندما كشفت وكالات المخابرات الأميركية أن الصين تبني سرا ما يبدو أنه منشأة عسكرية في ميناء خليفة.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في تشرين الثاني/نوفمبر أن الحكومة الإماراتية لم تكن على علم بأن السفن التي كانت تدخل الميناء متخفية في شكل سفن تجارية، كانت في الواقع سفنا يستخدمها الجيش الصيني لجمع معلومات استخباراتية. وأدى ذلك إلى توقف أعمال البناء.
وردا على تقرير آخر لصحيفة وول ستريت جورنال في كانون الأول/ديسمبر الماضي حول خطط الصين لإنشاء قاعدة عسكرية في غينيا الاستوائية، أعادت صحيفة غلوبال تايمز الصينية الحكومية تأكيد الحاجة المتزايدة لجيش التحرير الشعبي للحصول على "مواطئ قدم في بعض المناطق البحرية البعيدة" في ظل توسع المصالح البحرية الصينية.
وفي تقرير صدر عام 2019، أشارت لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأميركية-الصينية، إلى أن ترويج بيجين لمبادرة الحزام والطريق يهدف إلى "زيادة التعاون العسكري وتصدير تقنيات الرقابة والمراقبة".
وأضافت "برزت مبادرة الحزام والطريق الصينية على أنها المفهوم التنظيمي الأوضح وراء الوجود الخارجي المتزايد لجيش التحرير الشعبي".