مع إطلاق العشرات من مشاريع البنية التحتية في نحو 150 دولة، أصبحت مبادرة الحزام والطريق الصينية والمعروفة أيضا باسم حزام واحد طريق واحد، أحد أكبر المشاريع التنموية في العالم.
ولكن بعد مرور عقد من الزمن تقريبا على إطلاق الزعيم الصيني شي جين بينغ مبادرة الحزام والطريق، باتت التفاوتات بين سردية المشروع والممارسات الفعلية واضحة أكثر فأكثر، حسبما أظهر بحث جديد.
وما يثير القلق أيضا بدء الحكومات والسكان الذين اعتمدوا على البنية التحتية الممولة من الصين بملاحظة عيوب هيكلية وهندسية كبيرة في هذه المشاريع.
وبدلا من تعزيز "السلام والتعاون والنمو والمنفعة المتبادلة" في البلدان المضيفة، تخدم مبادرة الحزام والطريق كغطاء لـ "دبلوماسية فخ الديون" ولسياسة توسيع رقعة الوجود العسكري التي تنتهجها الصين حول العالم، حسبما جاء في تقرير نشرته مبادرة الأبحاث الجنوبية ومقرها كولومبو في سريلانكا في 26 كانون الثاني/يناير.
ودرست مبادرة الأبحاث الجنوبية في تعاون الصين مع زامبيا وأنغولا ولاوس وسريلانكا وباكستان.
وحددت بشكل عام عدة مشاكل رئيسة مرتبطة بمبادرة الحزام والطريق، وهي الزيادة السريعة في الدين العام والأزمة الاقتصادية وغياب الشفافية والفساد والاضطرابات الاجتماعية والسياسية والقانونية والأمنية والمشاكل البيئية.
فكشف التقرير أنه في زامبيا تغض الحكومة الطرف عن الممارسات الضارة للمستثمرين الصينيين التي تدمر القطاع الصناعي، في حين أن السكان المحليين في أنغولا لا يستفيدون من استثمارات الصين في قطاع العقارات. وأشار التقرير كذلك إلى أن ديون لاوس للصين تجعلها عرضة لنفوذ بيجين.
أما سريلانكا، فتمر بصورة خاصة بأزمة سياسية واقتصادية كبرى، ويعود ذلك جزئيا إلى القروض ومشاريع البنية التحتية الصينية التي انحرفت عن مسارها.
وجاء في تقرير مبادرة الأبحاث الجنوبية أنه "باعتبار أن جزءا كبيرا من الاستثمارات في مبادرة الحزام والطريق يأتي من كيانات عامة صينية، هناك مخاوف من تفاقم عبء الديون في سريلانكا وفقدانها سيادتها. وأظهرت مشاريع مبادرة الحزام والطريق في سريلانكا غيابا للشفافية وفسادا. وهناك أيضا بعض الآثار البيئية".
’مخاوف تحولت إلى حقيقة‘
وفي هذه الأثناء في باكستان، "تحولت مخاوف [المواطنين] إلى حقيقة" بحسب ما ذكره التقرير.
ومع وجود سفن صيد صينية كبيرة قبالة ساحل جوادر في بحر العرب، بات العديد من الصيادين الباكستانيين عاجزين عن إعالة أنفسهم.
وقالت مبادرة الأبحاث الجنوبية إنه "بالتالي، من الواضح أن مشروع مبادرة الحزام والطريق الصيني أثار اضطرابات اجتماعية في باكستان وأدى أيضا إلى عدم استقرار اقتصادي".
وبدأ محتجون بتنظيم تظاهرات يومية في منطقة جيلجيت بالتستان الباكستانية في 27 كانون الأول/ديسمبر، تعبيرا عن مخاوفهم إزاء التأثير الصيني على سبل عيشهم وحياتهم اليومية لا سيما لجهة الاستيلاء على الأراضي وغيرها من المشاكل كانقطاع الكهرباء والنقص في القمح ودفع الضرائب دون تمثيل في البرلمان.
وتواصلت الاحتجاجات على مدى أسابيع رغم درجات حرارة دون الصفر.
وخرج متظاهرون في مدن أخرى بينها كراتشي، تضامنا مع المتظاهرين في جيلجيت بالتستان.
يُذكر أن لجيلجيت بالتستان حدود مشتركة مع منطقة شينجيانغ الصينية ذات الأغلبية المسلمة، وهي بوابة إلى الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يشكل المكون الباكستاني لمبادرة الحزام والطريق.
وفي هذا السياق، قال ناشطون إن الاستثمار الصيني في جيلجيت بالتستان لا يفيد إلا بيجين وقد يشعل مقاومة مسلحة ضد الصينيين، مشيرين إلى مشاكل مماثلة في إقليمي بلوشستان والسند.
ومنذ 25 كانون الأول/ديسمبر، عملت السلطات الباكستانية على قمع احتجاج استمر على مدى أشهر عدة في جوادر بأمر من بيجين بحسب ما ذكره سكان محليون، علما أن جوادر هو الميناء المطل على المحيط الهندي في بلوشستان وكان يعتبر سابقا المشروع الأبرز للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.
وقال محمد شفيق هونزاي أستاذ العلوم السياسية في مدينة هونزا بجيلجيت بالتستان في كانون الثاني/يناير، إن "الصينيين معروفون بتنفيذ مشاريع تنموية دون إيلاء أي اهتمام بالبيئة أو الثقافة المحلية أو الدين".
ووفقا للمسح الاقتصادي الباكستاني للعام 2021-2022، تدين الدولة للصين بديون مستحقة تبلغ قيمتها 87 مليار دولار.
وأفادت مبادرة الأبحاث الجنوبية بأن باكستان تواجه أيضا عبء تسديد قروض صينية بفوائد عالية جدا. فعلى سبيل المثال، دفعت الدولة للصين في 2021-2022 فوائد بقيمة 150 مليون دولار على قرض قيمته 4.5 مليار دولار.
وحين طلبت باكستان إعادة هيكلة الدين، عرضت الصين عليها قرضا آخر. ونتيجة لذلك، "باتت باكستان... غارقة في دوامة ديون لا نهاية لها"، وفقا لما ذكرته مبادرة الأبحاث الجنوبية.
بنية تحتية متداعية
هذا وتشكل محطة نيلوم جيلوم للطاقة الكهرومائية في منطقة جامو وكشمير الباكستانية مثالا آخر على المشاريع التي نفذتها الصين وانحرفت عن مسارها.
فأفادت صحيفة وول ستريت جورنال في 20 كانون الثاني/يناير، بأن المسؤولين الباكستانيين أغلقوا المحطة العام الماضي بعد اكتشاف شقوق في نفق ينقل المياه عبر جبل لتشغيل التوربينات.
وقد بدأت أعمال البناء في هذا المشروع عام 2008 بعد أن حصل كونسورتيوم صيني على العقد في العام السابق. وبعد تأخير متكرر، تم تشغيل المولد الأول في نيسان/أبريل 2018 واكتمل المشروع بأكمله في آب/أغسطس 2018.
وقال رئيس الهيئة الوطنية الناظمة للطاقة الكهربائية الباكستانية توصيف فاروقي للنواب في تشرين الثاني/نوفمبر، إنه من الممكن أن ينهار النفق بعد مرور 4 سنوات فقط على بدء تشغيل المحطة التي تبلغ طاقتها 969 ميجاوات.
ومنذ تموز/يوليو، كلف إغلاق المحطة باكستان نحو 44 مليون دولار شهريا ثمنا لتكلفة الطاقة المرتفعة، وفقا للهيئة الوطنية الناظمة للطاقة الكهربائية الباكستانية.
وبحسب وزارة الطاقة الأميركية والبنك الدولي، عندما يتم بناء وصيانة محطات الطاقة الكهرومائية بشكل جيد، يمكن أن تبقى شغالة مدة مائة عام على الأقل.
هذا وبدأت تظهر مشاكل مماثلة في مختلف أنحاء العالم، ولا سيما في أميركا اللاتينية وأفريقيا.
وأشار مهندسون حكوميون إلى أن آلاف الشقوق بدأت تظهر في محطة ضخمة للطاقة الكهرومائية بنتها الصين في الإكوادور.
وكان بناء محطة كوكا كودو سنكلير الكهرومائية بقيمة 2.7 مليار دولار يعد أكبر مشروع للبنية التحتية في البلاد على الإطلاق، وكانت أهميته كبيرة للغاية بالنسبة لبيجين لدرجة أن الرئيس شي ألقى كلمة أثناء حفل افتتاحه عام 2016، حسبما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال.
واليوم، تهدد الشقوق في الهيكل الخرساني وتآكل المنحدرات الجبلية لنهر كوكا بإلحاق أضرار بالسد، ما يثير مخاوف من احتمال تعطل أكبر مصدر للطاقة في الإكوادور.
وفي هذا السياق، قال فابريسيو ييبز وهو مهندس في جامعة سان فرانسيسكو في كيتو بالإكوادور وقد تابع عن كثب المشاكل المرتبطة بالمشروع، "يمكن أن نفقد كل شيء، ولا نعرف ما إذا كان ذلك سيحدث غدا أم بعد 6 أشهر".
وبدورها، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن محطة الطاقة الكهرومائية في الإكوادور هي واحد من مشاريع متعددة مولتها الصين في مختلف أنحاء العالم وتشوبها عيوب في البناء.
وأوضحت أن انخفاض جودة البناء يهدد بشل مشاريع البنية التحتية الرئيسة ويثقل كاهل الدول المضيفة بديون إضافية أثناء محاولتها إصلاح العيوب.
ديون متراكمة
وفي أوغندا، كشفت شركة توليد الطاقة عن أكثر من 500 عيب في البناء بمحطة إيسمبا للطاقة الكهرومائية، وهي محطة بقدرة 183 ميجاوات بنتها الصين على نهر النيل.
ونتيجة لذلك، تعانى المحطة منذ بدء تشغيلها عام 2019 من أعطال متكررة.
وفشلت شركة الصين الدولية للمياه والكهرباء ببناء قاعدة عائمة لحماية السد من الأعشاب المائية وغيرها من الفتات، ما أدى إلى انسداد التوربينات وانقطاع التيار الكهربائي، وفقا للشركة الأوغندية المحدودة لتوليد الكهرباء.
وتحدثت الشركة أيضا عن تسربات في سقف محطة التوليد.
وتم تمويل المحطة التي بلغت تكلفتها 567.7 مليون دولار في الغالب من خلال قرض بقيمة 480 مليون دولار من بنك التصدير والاستيراد الصيني.
وعلى نهل النيل أيضا، أنشأت الصين محطة أخرى لتوليد الطاقة الكهرومائية وهو مشروع كاروما للطاقة الكهرومائية بقدرة 600 ميجاوات، وإن المشروع متأخر حاليا عن موعد انتهائه المحدد بـ 3 سنوات.
ويحمّل مسؤولون أوغنديون مسؤولية التأخير على عيوب البناء المختلفة ومن بينها الجدران المتصدعة. وقالت الشركة الأوغندية المحدودة لتوليد الكهرباء أيضا إن الجهة المقاولة أي شركة سينوهايدرو قامت بتركيب كابلات ومفاتيح معيبة مع نظام لإطفاء الحرائق يتوجب استبداله.
ومع أن المحطة لا تزال غير صالحة للتشغيل، إلا أنه توجب على الحكومة البدء بسداد قرض بقيمة 1.44 مليار دولار حصلت عليه من بنك التصدير والاستيراد الصيني.
ورفضت الشركات الصينية المشاركة في المشاريع الأوغندية والحكومة الصينية التعليق على الموضوع.