إقتصاد

سريلانكا غارقة في الديون: درس تحذيري في الانخراط تجاريا مع الصين

فريق عمل المشارق ووكالة الصحافة الفرنسية

اقتحم الآلاف من المتظاهرين المناهضين للحكومة مكتب رئيس وزراء سريلانكا رانيل ويكريمسينغه يوم 13 تموز/يوليو، بعد ساعات من تعيينه كقائم بأعمال الرئيس. [وكالة الصحافة الفرنسية]

اقتحم الآلاف من المتظاهرين المناهضين للحكومة مكتب رئيس وزراء سريلانكا رانيل ويكريمسينغه يوم 13 تموز/يوليو، بعد ساعات من تعيينه كقائم بأعمال الرئيس. [وكالة الصحافة الفرنسية]

هامبانتوتا، سريلانكا - حذر محللون قائلين إن مخاطر التعاون التجاري مع بيجين تظهر على نحو واضح في سريلانكا التي تواجه أزمة سياسية واقتصادية حادة تعود أسبابها جزئيا إلى القروض الصينية وفشل مشاريع البنية التحتية.

وأضافوا أن الدروس المستفادة من سريلانكا تقدم قصة تحذيرية لمقترضي القروض الصينية ومستلمي مشاريع البنية التحتية الصينية، ولا سيما تلك المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق والتي تعرف أيضا باسم حزام واحد طريق واحد.

وقال اللواء الركن (المتقاعد) أميت بانسال وهو استراتيجي دفاعي ومحلل شؤون دولية، خلال مؤتمر افتراضي نظم يوم الجمعة، 15 تموز/يوليو، من قبل مركز ريد لانترن أناليتيكا البحثي المستقل ومقره في الهند، إن مخطط فخ الديون الذي تنصبه الصين واضح للغاية.

ونقل المركز عن لسان بانسال قوله في تغريدة أنه "يجب أن يكون موقع البلد استراتيجيا، كما يجب أن يكون فقيرا ومدارا من سياسيين فاسدين. وحالما تتوافر الشروط الثلاثة، تعرض الصين قروضا سخية وتستولي تدريجيا على سيادته".

صورة لبرج لوتس وهو ناطحة سحاب على شكل أزهار من تمويل صيني، في كولومبو بسريلانكا، يوم 5 أيار/مايو. وتهيمن الواجهة الزجاجية الملونة للبرج على أفق العاصمة، إلا أنه لم يتم يوما فتح أجزائه الداخلية أمام العموم. [إشارة س. كوديكارا/وكالة الصحافة الفرنسية]

صورة لبرج لوتس وهو ناطحة سحاب على شكل أزهار من تمويل صيني، في كولومبو بسريلانكا، يوم 5 أيار/مايو. وتهيمن الواجهة الزجاجية الملونة للبرج على أفق العاصمة، إلا أنه لم يتم يوما فتح أجزائه الداخلية أمام العموم. [إشارة س. كوديكارا/وكالة الصحافة الفرنسية]

الرئيس الصيني شي جين بينغ (في الوسط) يوقع على دفتر للزوار فيما يتابع رئيس سريلانكا آنذاك ماهيندا راجاباكشا (إلى اليمين) مجريات حفل ترحيب في مطار باندارنيك الدولي في كاتوناياكي يوم 16 أيلول/سبتمبر 2014. [لاكروان وانياراشي/وكالة الصحافة الفرنسية]

الرئيس الصيني شي جين بينغ (في الوسط) يوقع على دفتر للزوار فيما يتابع رئيس سريلانكا آنذاك ماهيندا راجاباكشا (إلى اليمين) مجريات حفل ترحيب في مطار باندارنيك الدولي في كاتوناياكي يوم 16 أيلول/سبتمبر 2014. [لاكروان وانياراشي/وكالة الصحافة الفرنسية]

وقال ج. جيجاناثان وهو أستاذ مساعد في دراسات الأمن الوطني بالجامعة المركزية في جامو، إن النمط الصيني في تقديم القروض للبلدان تحت شعار مبادرة الحزام والطريق هو نفسه.

وأضاف وفقا للمركز "لطالما اختارت الأنظمة الشمولية التي تفتقر للمساءلة والشفافية العامة. تقدم القروض وتنتظر أن يحاصر البلد بالديون".

ويتوافق هذا النمط مع بلدان كثيرة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وبينها العراق ومصر وإيران وكازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان، وكلها مدينة للصين بمليارات الدولارات.

عقد اللؤلؤ

وفي سري لانكا تحديدا، تكثر الأمثلة على المشاريع الفارغة التي ساهمت في تأجيج الأزمة، ومنها أكثر مطارات العالم "فراغا" ومطعم دوار بدون زبائن وبرج لوتس في كولومبو الذي يبلغ ارتفاعه 350 مترا وملعب كريكت ضخم وصالة مؤتمرات دولية بالكاد استخدمت وعشرات الطرق والجسور غير المستخدمة وميناء بحري مثقل بالديون.

وعلى الرغم من تطمينات مسؤولي سريلانكا والصين بأن استثمارات بيجين في البلاد "ذات طبيعة اقتصادية صرفة"، فإن المراقبين يرون دوافع خفية.

فقال باتريك منديس وهو دبلوماسي أميركي سابق وبروفيسور عسكري في قيادتي حلف شمال الأطلسي والمحيط الهندي-الهادئ في وزارة الدفاع الأميركية، "فعلا تمثل سريلانكا ʼجوهرة التاجʻ في مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات والتي تمتد عبر منطقة المحيط الهندي-المحيط الهادئ فتربط ميناء هامبانتوتا وكولومبو بورت سيتي وبرج لوتس في كولومبو والكثير من مشاريع البنية التحتية العملاقة الأخرى".

وكتب يوم 11 تموز/يوليو في مجلة هارفارد إنترناشيونال ريفيو أن "هذه الموانئ يمكن أن تحول بسهولة إلى مجمعات للاستخدام العسكري والمدني ثنائي الأغراض".

وتابع أنه "بالإضافة إلى ذلك، فقد بني مطار ماتالا راجاباكسا الدولي لهدف محتمل يتمثل باستخدمه كمنشأة مدنية وعسكرية في المستقبل".

وكانت الصين قد افتتحت أولى قواعدها العسكرية الخارجية في جيبوتي عام 2017، وكان هدفها المزعوم تسهيل العمليات البحرية حول المحيط الهندي وشرق إفريقيا. وقد استخدمت بيجين كتبرير لذلك التهديد الذي تشكله القرصنة في خليج عدن ورغبتها في تأمين الممرات البحرية الدولية الأساسية.

واستخدمت السلطات في بيجين المنطق نفسه لتبرير وجود قاعدة عسكرية في غربي أفريقيا أيضا.

وحين كشف أخبار أواخر العام الماضي أن الصين تبني سرا قاعدة عسكرية في الإمارات، دق ناقوس الخطر في مختلف أنحاء المنطقة وخارجها.

وفي السنوات الأخيرة وبالإضافة إلى حملتها الواسعة لتنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة في سريلانكا، بنت الصين منشآت موانئ تجارية في باكستان وإيران وغيرها من المناطق الرئيسية التي يمكن أن تستخدم من قبل قواتها البحرية المتنامية سريعا.

ويأتي كل ذلك في إطار استراتيجية "عقد اللؤلؤ" التي تتبعها بيجين لربط البر الرئيسي الصيني بالقرن الإفريقي عبر شبكة من المنشآت العسكرية والتجارية.

وفي منتصف شهر كانون الثاني/يناير، أعلنت طهران أنها بدأت في تنفيذ اتفاق تعاون استراتيجي شامل مع الصين يمتد لفترة 25 عاما وتم التوقيع عليه العام الماضي.

وبموجب شروط الاتفاق، تشارك إيران في مبادرة الحزام والطريق عبر إطلاق مشاريع استثمارية بقيمة 400 مليار دولار أميركي.

ومع أن هذا الاتفاق يحمل ظاهريا طابعا تجاريا، فإن الاستثمارات الصينية في مرفأي جاسك وشابهار الإيرانيين ستسمح للبحرية الصينية ذات النمو السريع بتوسيع نطاق عملها.

وفي مثال آخر، أبرمت الصين اتفاقا سريا مع كمبوديا للسماح لبحريتها باستخدام قاعدة في البلاد، حسبما أوردت صحيفة وول ستريت جورنال في العام 2019 نقلا عن مسؤولين أميركيين وشركاء لهم.

وأنكر كل من المسؤولين الصينيين والكمبوديين هذه المعلومات ووصفوها بأنها "أنباء كاذبة" و"شائعات".

ولكن تبني الصين الآن سرا منشأة بحرية في كمبوديا ليستخدمها جيشها حصرا، حسبما أوردت صحيفة واشنطن بوست في 6 حزيران/يونيو نقلا عن مسؤولين غربيين.

ووفق منديس، فإن "كل هذه المشاريع تم الترويج لها في البداية ضمن مبادرة الحزام والطريق كمساعدات إنمائية. وفي واقع الأمر، شكلت هذه المبادرة استراتيجية سياسة خارجية طموحة للصين لوضع البلدان النامية تحت نفوذها كما يظهر في ʼالقصة التحذيريةʻ لسريلانكا".

الأزمة في سريلانكا

وبعد أشهر من انقطاع التيار الكهربائي والنقص الحاد في المواد الغذائية والوقود في سريلانكا، اتخذت الاحتجاجات السلمية إلى حد كبير والتي طالبت على مدى أسابيع الحكومة بالاستقالة جراء سوء إدارتها للأوضاع الاقتصادية طابعا عنيفا في أيار/مايو، ما أسفر عن مقتل 5 أشخاص وإصابة 225 آخرين على الأقل.

وفر الرئيس غوتابايا راجاباكسا من البلاد في شهر تموز/يوليو.

وتفاقمت الأزمة بسبب المشاريع التي مولتها الصين والتي تقف كشواهد مهملة على الإسراف الحكومي.

وكان الجزء المحوري في حملة البنية التحتية ميناء بحريا عميقا يقع في أكثر طرق الشحن العالمية بين الشرق والغرب اكتظاظا، وكان يهدف لتحفيز الحركة الصناعية.

وبدلا من ذلك، فقد نزف هذا المشروع المال من اللحظة التي بدأ فيها بالعمليات.

وقال دينوكا ويعيش في هامبانتوتا منذ فترة طويلة لوكالة الصحافة الفرنسية "شعرنا بأمل كبير عندما تم الإعلان عن المشاريع، وهذه المنطقة قد تحسنت فعلا".

وأضاف "لكنها الآن لا تعني شيئا. فليس الميناء ملكا لنا ونحن نعاني للبقاء والاستمرار".

ولم يتمكن ميناء هامبانتوتا من سداد القروض الصينية التي بلغت 1.4 مليار دولار والتي استخدمت لتمويل إنشائه، حيث أنه خسر 300 مليون دولار في غضون 6 سنوات.

وفي عام 2017، مُنحت شركة صينية مملوكة للدولة عقد إيجار للميناء لمدة 99 عاما، وهو اتفاق أثار مخاوف في جميع أنحاء المنطقة بأن بيجين قد أمنت موطئ قدم استراتيجي لها في المحيط الهندي.

ويطل على الميناء مثال آخر على الإسراف الذي تدعمه الصين، وهو مركز مؤتمرات كلف 15.5 مليون دولار وظل بدون استخدام إلى حد كبير منذ افتتاحه.

ويقع بالقرب من الميناء أيضا مطار راجاباكشا الذي بني بقرض صيني بقيمة 200 مليون دولار، وهو مطار لا يستخدم إلا نادرا لدرجة أنه في مرحلة معينة لم يتمكن من تغطية فاتورة الكهرباء.

وفي العاصمة كولومبو، يوجد مشروع بورت سيتي الذي تموله الصين، وهو جزيرة اصطناعية على مساحة 665 فدانا شيدت لتصبح مركزا ماليا ينافس دبي.

ولكن حذر النقاد بالفعل من تحول المشروع إلى "فخ ديون خفي".

غارقة في الديون

هذا وتعد الصين أكبر مقرض لكولومبو حيث أنها تمتلك 10 في المائة على الأقل من دين البلاد الخارجي الذي يبلغ 51 مليار دولار.

ويقول محللون إن الرقم الحقيقي أعلى بكثير إذا أخذت بالاعتبار القروض المقدمة للشركات المملوكة للدولة والبنك المركزي السريلانكي.

يذكر أن حكومة سريلانكا أعلنت في نيسان/أبريل التخلف عن سداد التزامات قروضها الخارجية نظرا لعدم قدرتها على تغطية عبء القروض المتزايد وكون خفض التصنيف الائتماني أدى إلى تجفيف مصادر القروض الجديدة في السوق المالية الدولية.

وكانت سريلانكا قد سعت لإعادة التفاوض في جدول السداد الخاص بها مع الصين، لكن بيجين عرضت بدلا من ذلك المزيد من القروض لسداد القروض الحالية.

وفشل الاقتراح الصيني بسبب لجوء سريلانكا لصندوق النقد الدولي للحصول على المساعدات.

وقال السفير الصيني كي زهينهومغ للصحافيين في ذلك الوقت إن "الصين بذلت قصارى جهدها لمساعدة سريلانكا في عدم التخلف عن سداد القروض، لكن ذهبت هذه الأخيرة للأسف إلى صندوق النقد الدولي وقررت التخلف عن دفع الدين".

وبالنسبة للكثير من المواطنين في سريلانكا، أصبحت مشاريع البنية التحتية غير المستخدمة رموزا قوية لمخاطر الانخراط في الأعمال التجارية مع الصين.

وقال كريشانثا كولاتونغا وهو مالك متجر قرطاسية صغيرة في كولومبو، "نحن غارقون بالفعل حتى أعناقنا في القروض".

ويقع متجر كولاتونغا بالقرب من مدخل برج لوتس، ناطحة السحاب على شكل أزهار التي شيدت بتمويل صيني.

وتهيمن الواجهة الزجاجية الملونة للبرج على الأفق في العاصمة، لكن الأجزاء الداخلية من البرج إلى جانب مطعم دوار يوفر رؤية بانورامية للمدينة، لم تفتح أبدا أمام العموم.

وتساءل كولاتونغا "ما الهدف من أن نكون فخورين بهذا البرج إذا تركنا نستجدي الطعام؟".

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500