بغداد - يقضي حيدر كرار 8 ساعات يوميا في ترتيب ورشة نجارة وحمل عوارض خشبية، وهو مجبر كالعديد من الأطفال العراقيين على العمل بسبب الفقر والحرب.
ويعمل كرار البالغ من العمر 13 سنة، مع عمه النجار في العاصمة بغداد منذ أن كان في الـ 8 من عمره وقد تأثرت طفولته بالاضطرابات التي عصفت ببلده.
وقال "لقد طردت من المدرسة بسبب شجار"، مضيفا "لم تقبل المدرسة بإعادتي إليها".
وتابع الفتى صغير القامة أن عائلته قررت البحث عن عمل له "لبناء مستقبلي وتزويجي"، وهو يعمل يوميا من الـ 8 صباحا حتى الـ 5 مساء مع استراحة غداء مدتها ساعة.
ويعمل الفتى على صقل كرسي خشبي وهو يتكىء عليه، ثم يتحرك حول دعامات معدنية قبل أن يحمل ألواحا خشبية كبيرة يبلغ حجمها ضعف حجمه.
ويقل أجر كرار الأسبوعي عن 20 دولارا، ويغطي احتياجاته الخاصة إضافة إلى احتياجات أخته علما أن كل منهما يعيش مع عم مختلف.
ويعمل الأطفال في العراق كميكانيكيين متدربين وجامعي قمامة أو في مقاهي النرجيلة أو صالونات تصفيف الشعر. ويقوم البعض الآخر بغسل نوافذ السيارات وبيع المناديل الورقية على جانب الطريق.
وقال حسن عبد الصاحب المسؤول عن الملف في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية إن "عمالة الأطفال في زيادة مستمرة"، عازيا ذلك إلى "الحروب والصراعات والنزوح".
وعلى الرغم من ثروات العراق النفطية يعيش نحو ثلث سكانه البالغ عددهم 42 مليون نسمة في فقر، بحسب ما ذكرته الأمم المتحدة.
فعانى البلد لاستعادة الاستقرار بعد عقود من الحرب وحملة قوية نفذت ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذي أعلنت بغداد إلحاق الهزيمة به في أواخر عام 2017.
ومع ذلك، لا يزال فلول داعش نشطين ضمن خلايا في مختلف أنحاء العراق. وفي مطلع شباط/فبراير، قامت القوات العراقية بتعقبهم واستهدافهم في سلسلة من العمليات التي نفذت بمحافظات متفرقة.
ولا يزال العراق يعاني من الفساد المستشري والفقر وانهيار البنية التحتية ونقص الخدمات العامة.
وأشار عبد الصاحب إلى زيادة عمالة الأطفال تحديدا في المحافظات التي اجتاحها تنظيم داعش، علما أن القانون يحظر العمل لمن هم دون سن الـ 15 عاما.
وأكد أن تشغيل الأطفال ممارسة يعاقب مرتكبها عليها بالسجن أو بغرامة، لكن "مع بقاء العديد من العائلات دون معيل، اضطرت الأمهات إلى دفع أطفالهم إلى سوق العمل".
ارتفاع معدل عمالة الأطفال
وذكر عبد الصاحب أن دراسة أجراها مكتبه أظهرت زيادة في عمالة الأطفال في المحافظتين الشماليتين كركوك ونينوى التي شكلت عاصمتها الموصل ذات يوم معقلا لداعش، وكانت هذه حال بغداد أيضا.
ولمواجهة هذه الظاهرة، توزع الحكومة مساعدات على بعض أفقر العائلات العراقية على شكل مخصصات شهرية تتراوح قيمتها بين 96 و250 دولارا بحسب عدد الأطفال.
وقال خبراء إن الجماعات المتطرفة مثل داعش جندت الأطفال وغسلت دماغهم بتلقينهم فكرها المتطرف وأجبرتهم على تنفيذ عمليات انتحارية.
وفي أيار/مايو، فرضت على 5 أفراد من شبكة ميسرين ماليين تعمل لصالح داعش وساعدوا التنظيم على تجنيد الأطفال من مخيمات النزوح في سوريا إلى جانب ارتكاب جرائم أخرى، عقوبات أميركية.
وتكثف الحكومة العراقية جهودها لمحاربة تجنيد فلول داعش للقاصرين.
واعتقلت وزارة الدفاع العراقية في آذار/مارس 2019، عنصرا من تنظيم داعش لتورطه في تجنيد الأطفال للخدمة في هيت بمحافظة الأنبار.
وقالت الوزارة إن العنصر الملقب بأبو سراقة "جند الكثير من الأطفال بخداعهم واستدراجهم".
وفي عام 2019 أيضا، أحبطت شرطة محافظة ديالى عدة محاولات لداعش لتجنيد الأطفال.
وقال المتحدث باسم قيادة شرطة ديالى آنذاك العقيد غالب العطية إن عناصر داعش "لم يتوقفوا عن محاولاتهم لإغواء الأطفال لغرض تجنيدهم واستخدامهم في شن الهجمات الانتحارية والتفجيرات".
وأضاف أن "التنظيم يستغل براءة صغار السن في نقل المتفجرات وزرعها".
وذكر أن قيادة شرطة ديالى "أحبطت في الأعوام القليلة الماضية العشرات من محاولات الإرهابيين لتجنيد أطفال في صفوفهم".
فقر ولامساواة
ومن جهته، قال المتحدث باسم صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في العراق ميغيل ماتيوس مونيوز إن الفقر "واللامساواة الاقتصادية" هما من بين العوامل الرئيسية التي تسهم في زيادة عمالة الأطفال في البلاد.
وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية أن "السنوات الماضية خلقت بيئة دفعت بالعديد من الأطفال إلى العمالة الأطفال".
ولفتت مجموعة إغاثية تابعة للجنة الإنقاذ الدولية في أواخر عام 2022 إلى "ارتفاع مقلق" في عمالة الأطفال في العراق، وتحديدا في الموصل التي مزقتها الحرب.
وفقا لمسح أجرته اللجنة وشمل 411 أسرة و265 طفلا، فلدى 90 في المائة من الأسر في المدينة "طفل واحد أو أكثر دخلوا سوق العمل".
وأكدت المجموعة أن نحو 75 في المائة من هؤلاء الأطفال "أفادوا بأنهم يعملون في قطاعات غير نظامية وخطيرة" مثل جمع القمامة والبناء.
وتابع مونيوز أن اليونيسف تعمل مع السلطات في بغداد وإقليم كردستان الشمالي لدعم "نظام حماية اجتماعية" من شأنه انتشال الأطفال "من براثن الفقر".
ولفت إلى أن الوكالة الأممية تركز أيضا على تطوير التعليم و"برامج بناء المهارات" لتأخير انضمام الأطفال إلى القوى العاملة "حتى بلوغهم سن الـ 18".