بعد مرور 5 سنوات على تحقيق انتصار كامل على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بدعم من التحالف الدولي، لا يزال العراق يواجه تحدي اقتلاع جذور الأيديولوجيا المتطرفة.
ومنذ إعلان هزيمة داعش في كانون الأول/ديسمبر 2017، صبت السلطات العراقية اهتمامها على تقويض الإرث الأيديولوجي للتنظيم.
وتبنت الحكومة خططا للتنمية وإعادة التأهيل والدمج المجتمعي، حققت تقدما بارزا في نبذ الفكر المتطرف وإحلال السلام.
ولكن لا بد من بذل جهود إضافية كثيرة، لا سيما أن آلاف العراقيين النازحين لا يزالون بانتظار إعادة تأهيلهم ومن بينهم من أعيدوا إلى ديارهم من مخيم الهول في محافظة الحسكة السورية.
ونفذ العراق برامج متعددة لإعادة إعمار البنى التحتية وتحسين الخدمات العامة من أجل تحقيق الاستقرار في المدن التي كانت خاضعة لداعش سابقا.
وتشمل هذه الأخيرة برامج مدعومة من الشركاء الدوليين للنهوض بالقطاعات الخدمية كالصحة والتعليم، وتوفير فرص العمل للسكان العائدين بغية تحسين جودة حياتهم.
ونظمت الوكالات الحكومية والمنظمات الإنسانية ولجان السلام المحلية ورش عمل ومؤتمرات ولقاءات مجتمعية لإرساء قيم التعايش والتصالح واستعادة الروابط المتينة بين السكان.
وتم تقديم الدعم النفسي لآلاف النساء والأطفال بينهم ضحايا داعش الأيزيديين، من أجل تطوير مهاراتهم في نسيان الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، تسعى الحكومة إلى تقليص عدد مخيمات النزوح عبر برنامج لدعم الرجوع الطوعي للأسر النازحة.
’عراق خال من المخيمات‘
وتولي السلطات العراقية أزمة النزوح أهمية قصوى، ذلك أن ظروف العيش القاسية في المخيمات تشكل أرضية خصبة لجهود التجنيد وقد تدفع بالبعض إلى اعتناق الفكر المتطرف.
يُذكر أن عدد المخيمات في العراق يبلغ اليوم 28 مخيما تضم نحو 37 ألف عائلة.
وفي هذا السياق، قال وكيل وزارة الهجرة كريم النوري إن "الحكومة عازمة على تفكيك جميع مخيمات النزوح المتبقية في البلاد".
وأوضح للمشارق أن "ما نسعى إليه هو عراق خال من المخيمات".
وتابع "من مسؤولياتنا الوطنية والإنسانية أن نعيد جميع الأسر التي هجرها الإرهاب إلى منازلها بعد تهيئة التسهيلات والظروف المناسبة لذلك وننهي أزمة النزوح".
وشدد على أهمية إغلاق كل المخيمات لاستعادة "الأوضاع الطبيعية" ومنع تنظيم داعش من استخدامها للتجنيد ولخلق حاضنات لفكره.
وشارك العديد من المواطنين العراقيين العائدين من مخيم الهول في برنامج إعادة تأهيل شمل خدمات العناية والتعليم الأساسي للأطفال والصحة النفسية والعلاجية للأمهات وكبار السن.
ويشمل علاج إعادة التأهيل إظهار الدعم لفهم ومعالجة تأثير أنواع الصدمات المختلفة، بما في ذلك المخاوف المستمرة.
إعادة تأهيل عائلات الهول
و"إن مركز الجدعة في جنوبي الموصل يتولى اليوم مهام تأهيل جميع العائدين من مخيم الهول"، حسبما ذكر مستشار الشؤون الاستراتيجية في مستشارية الأمن القومي العراقي سعيد الجياشي.
وكشف للمشارق أن "معظم العائدين من الأطفال والنساء".
وأكد أن العائدين "ليسوا إرهابيين بل ضحايا يحتاجون للرعاية بسبب ما عاشوه من أهوال أثناء النزوح وخلال مكوثهم الطويل في المخيم الذي يشهد باستمرار أنشطة إرهابية".
وتابع "نواصل العمل لاسترجاع رعايانا وإنقاذهم من أي محاولات لداعش لإلحاق الأذى بهم أو تعبئتهم فكريا وعقائديا وتحويلهم إلى تهديد كبير على أمننا الوطني".
وذكر أنه جرى تأهيل أكثر من 650 أسرة من أصل مجموع نحو ألف أسرة عادت من مخيم الهول منذ منتصف عام 2021.
وعادت هذه الأسر إلى قراها في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين، وسط ترحيب وتقبل من الأهالي.
ومن جهته، قال المحلل الأمني صفاء الأعسم للمشارق إن تنظيم داعش خسر التعاطف والدعم الشعبي "جراء ممارساته البشعة بحق السكان العزل".
ولفت إلى أن الجرائم التي ارتكبها أبعدت العراقيين عنه ودفعتهم إلى نبذ فكره و"سلوكيات [عناصره] المنحرفة".
ولكنه حذر أنه من الضروري الاستمرار في تطبيق البرامج والعمليات التي تحد من قدرة التنظيم على خلق حواضن له وتلقين جيل جديد بعقيدته المنحرفة.