قال محللون إن موت الزعيم الثاني لتنظيم 'الدولة الإسلامية' (داعش) في أقل من عام، يظهر أن التنظيم المتطرف الذي كان قويا في الماضي قد فقد قدرته على تشغيل شبكة عالمية من سوريا.
وحذروا من أن التنظيم، الذي كان يحكم مناطق شاسعة من سوريا والعراق قبل هزيمته هناك، ما يزال لديه أفرع نشطة في مناطق أخرى من العالم، بما في ذلك غرب أفريقيا وأفغانستان.
وثمة أسئلة عديدة بدون أجوبة حول وفاة أبو الحسن الهاشمي القرشي التي أعلنت يوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر في رسالة صوتية، ومن ثم أكدت لاحقا من قبل القيادة المركزية الأميركية.
وقالت مصادر محلية إن زعيم داعش قد فجر نفسه أثناء الحصار، على غرار أسلافه الذين تولوا قيادة التنظيم لفترة قصيرة، وذلك أثناء تنفيذ فصائل المعارضة السورية لعملية في منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر.
واتسمت فترة حكم الهامشي التي استمرت سبعة أشهر بالصمت، ما ترك أسئلة أخرى لا تعد ولا تحصى حول الاتجاه الذي قد يسير فيه التنظيم.
وقال كولين كلارك، مدير الأبحاث في مجموعة صوفان الخاصة للاستشارات الأمنية والاستخباراتية، "يمكنك أن تجادل في أن تأثيره كان الأقل مقارنة بأي زعيم آخر لداعش منذ ظهور التنظيم".
وأضاف الخبير أنه كانت هناك فترة أكثر من شهر بين وفاة الهاشمي وإعلان التنظيم، وأثناء تلك الفترة "من المرجح أن التنظيم كان يكافح داخليا من أجل تجهيز بديل".
وأوضح أن ذلك قد يشير إلى أن "التنظيم يتعرض لضغط شديد من خصوم كثيرين ويتمتع بحرية أقل على المناورة مقارنة بالماضي، بما في ذلك قدرة محدودة على التواصل مع الأنصار والمؤيدين".
ولم يستطع أي من الخبراء الذين اتصلت بهم وكالة الصحافة الفرنسية تقديم أي معلومات حول الزعيم الجديد، أبو الحسين الحسيني القرشي، الذي يشير اسمه الحركي إلى قبيلة النبي محمد (ص).
ويسعى الخليفة المزعوم الجديد لاكتساب شرعية لنفسه عبر إدعاء الانتماء لقبيلة النبي، مثلما فعل كل زعماء داعش من قبله.
بدوره، قال هانز-جيكوب شيندلر مدير مشروع مكافحة الإرهاب، وهو مركز أبحاث، إن "اسم القرشي يستخدم كوصف وسمة للزعيم".
"حتى لو كان اسما مختلقا ... فهو كاف للشبكة لكي يسمح لها بأن تعمل".
من جانبه، صرح الباحث المصري منير أديب للشرق الأوسط إن تنظيم داعش يحجب المعلومات، قائلا إنه من الصعب تحديد هوية الزعيم الجديد لأن التنظيم "قد استخدم كنية وليس اسمه الحقيقي".
وأضافت الصحيفة نقلا عن "مصدر مطلع" أن "تحفظ التنظيم على الإعلان عن الهوية الحقيقية للزعيم الجديد قد تثير الشكوك حول صحة المبايعة".
وأوضح المصدر أن التعيين يمكن أن يكون شكلا من أشكال التعتيم "لإخفاء حقيقة النزاع الدائر داخل التنظيم".
لا ملاذ آمن بعد الآن
وبعد صعود صاروخي في العراق وسوريا في عام 2014، شهد تنظيم داعش انهيار خلافته المزعومة، إلى أن أصبحت مجرد شبكة من الخلايا النائمة.
ففي عام 2019، هزم التنظيم في سوريا حيث قتل كل من الهاشمي، أبو إبراهيم القرشي ومؤسس داعش أبو بكر البغدادي.
وأوضح شيندلر أن "سوريا ببساطة لم تعد ملاذا آمنا لداعش. يمكنهم الاحتفاظ بشبكة خلايا، لكن من الواضح أن الوضع هناك ليس آمنا للأعضاء البارزين".
وتابع "إذا كنت تقتل الجميع، ففي نهاية المطاف لن يكون هناك حليف لك بعد الآن".
وفقد تنظيم داعش، الذي ليس لديه الآن ملاذا أو زعيما كاريزميا، القدرة على تجنيد المقاتلين الأجانب التي كان يتمتع بها تحت قيادة البغدادي.
والزعماء الذين خلفوا البغدادي يستمرون على رأس التنظيم لمدد أقصر على نحو متزايد، فالزعيمين الأخيرين قتلا دون أن يصدرا أي بيانات صوتية أو مرئية.
وقال كلاك إنه "من المرجح أن هناك ضغوط تتزايد على تنظيم داعش ... لكي يكتسب زخما، لا سيما إذا كان التنظيم يريد أن يحتفظ بأهميته".
ومع ذلك، فإن الشبكة التابعة للتنظيم ما تزال مميتة وليس فقط على قيد الحياة.
فمثلا، تنظيم داعش-خورسان يتمتع ببعض التأثير على النظام في أفغانستان، كما أن التنظيم احتفظ ببعض القدرات على التسبب في أذى في كل من العراق وسوريا.
لكن مؤخرا، شهد تنظيم داعش صعوده الأكثر لفتا للانتباه عبر أفريقيا، مع وجوده في منطقة الساحل، حتى بحيرة تشاد، وصولا إلى موزمبيق والصومال.
الفصائل التابعة تعزز قوتها
هذا ولاحظ خبراء التطرف العالميون في السنوات الأخيرة أن تنظيم داعش، مثله في ذلك مثل تنظيم القاعدة، قد تحول إلى اللامركزية في عملياته وأصبح الآن يعتمد على الجماعات المحلية للسيطرة على الأراضي أثناء الأزمات.
وموت زعيم آخر واستبداله هو دليل آخر على ذلك.
وقال جان-بيير فيليو، وهو محلل في جامعة ساينسز بو في باريس إن "ضعف القيادة العليا للتنظيم تعزز استقلالية الفصائل التابعة له، لا سيما الأكثر نشاطا في أفغانستان والساحل".
لكن الأحداث الأخيرة تثير أسئلة حول المدة التي يمكن فيها للشخصيات في منطقة الشرق الأوسط أن تدعي الحق في تولي زعامة التنظيم.
وأوضح شيندلر أن "الأمر ينطوي على نوع ما من التمييز لأن رجلا عربيا دائما من قبيلة قريش هو الذي يتوجب أن يقود الشبكة".
"دعونا نرى عدد المرات الأخرى التي ستقبل فيها الأجزاء الأفريقية في الشبكة هذا الأمر".
ووفق إحصاء أعده داميان فير، مؤسس مجموعة جهاد أناليتكس، فإنه طوال عام 2021، خصصت مجلة النبأ الدعائية التابعة لداعش 28 من أصل 52 صفحة أولى للفصائل التابعة الأفريقية.
وفي واقع الأمر، فإن سبعة من "ولايات" داعش الحالية، التي يبلغ عددها الإجمالي 13، تقع في أفريقيا.
لكن في الوقت الراهن، تبقى الهيمنة العربية بدون منازع.
من جانبه، قال الباحث جليل لوناس من جامعة الأخوين المغربية إن "الأمر سيتطلب من الأفارقة الذهاب إلى منطقة العراق-سوريا وفرض أنفسهم بالتدريج عبر الصعود في هرم السلطة".
لكن "كلما ضعفت السلطة المركزية، كلما تمكنت الفصائل التابعة الأفريقية من زيادة نفوذها".