تشهد مدينة الموصل عاصمة محافظة نينوى حركة إعمار لافتة، لتظهر اليوم بصورة مغايرة عما كانت عليه منذ 5 سنوات عندما تركها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في حالة دمار تام.
وتسير مشاريع إعادة البناء اليوم بوتيرة متسارعة بعد سنوات من التعثر والتأخير في إنجازها، وذلك في استجابة لمطالبات بزيادة زخم العمل لاستعادة بريق المدينة التاريخية وتلبية احتياجات سكانها.
وشكّلت الحكومة العراقية في آذار/مارس 2021 لجنة مركزية عليا للإشراف على تنفيذ خطة إصلاح شاملة للخدمات العامة.
وتتركز الجهود على تأهيل مؤسسات القطاع الصحي مع مشاريع لتطوير المستشفى العام والمستشفى الجمهوري في الموصل وتجديد شبكة الطرقات والجسور والمطار المدني وإعادة تأهيل الواجهة النهرية لمنطقة الموصل القديمة.
وفي نيسان/أبريل، أعلنت اللجنة أن خطتها تتضمن تنفيذ 249 مشروعا ممولا من الأرصدة السنوية المخصصة لنينوى من خزينة الدولة والتي جمدت بعد سيطرة داعش على المدينة.
ويشكل ذلك استثمارا قدره 400 مليار دينار عراقي (أي 273 مليون دولار) في المدينة.
ويضاف إلى ذلك تخصيص مبلغ 1.15 تريليون دينار (789 مليون دولار) من قانون الدعم الطارئ لتمويل مشاريع عمرانية في قطاعات الصحة والتعليم والسكن ولا سيما في المنطقة القديمة التي دمرت أثناء المعارك.
وفي هذا السياق، قال قائممقام الموصل أمين المعماري للمشارق إن "عمليات الإعمار تسير بخطى واسعة"، مشيدا بـ "الاهتمام الاستثنائي [للحكومة] بهذا الملف وسعيها الدؤوب" للنهوض بالمدينة.
زيارة رئيس الوزراء
وأجرى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 9 تموز/يوليو زيارة للموصل هي الثالثة منذ تسلمه منصبه، بالتزامن مع الذكرى الخامسة لتحرير المدينة، لمتابعة سير العمل في عدد من المشاريع الخدمية.
وأعاد في الموصل افتتاح شارع كورنيش أوبروي الذي أعيد تأهيله، متفقدا أعمال إعادة الإعمار المنجزة في جامعة الموصل وفي مؤسسات حكومية.
وأشار المعماري إلى اكتمال العمل بمشاريع إعادة تأهيل مكاتب البلدية والبنى التحتية التي تضررت خلال المعارك، كمشاريع الماء والطاقة والطرقات.
وذكر أن المساعي تنصب حاليا على المشاريع الاستراتيجية الكبيرة، وأهمها مطار الموصل الدولي.
وتابع أنه يتم أيضا تطوير شبكة القطاع الصحي عبر إدخال مستشفيات جديدة للخدمة، ومن بينها مبنى مستشفى أمراض الدم الذي اكتمل إنجازه والمستشفى الألماني ومستشفى ابن الأثير ومستشفى ابن سينا.
وشدد على أهمية الحفاظ على الاستقرار الأمني في الموصل لضمان استمرار أعمال البناء وتشجيع الاستثمارات والتنمية.
وعلى الرغم من حملات التأهيل التي تشهدها المدينة، لا زال ركام المنازل والأبنية في البلدة القديمة الواقعة في الشطر الغربي (أو الجانب الأيمن) من نهر دجلة يعيد إلى ذاكرة الأهالي قسوة الحياة تحت حكم داعش.
آثار القتال لا تزال تشوه المدينة
وفي الإطار نفسه، قال عبد الكريم حسن، وهو من سكان حي راس الكور في الموصل، إن "آثار القتال ما تزال تشوه صورة المدينة وتذكر الناس بمآسي الإرهاب والحرب".
وأضاف "هناك عمل كبير أنجز في رفع الأنقاض وإصلاح الشوارع والأسواق وإرجاع الخدمات الأساسية في بعض الأحياء القديمة".
وتابع للمشارق "لكن بالمقابل هناك منازل كثيرة مدمرة وأصحابها يحتاجون للمال لتعميرها. نطمح من الحكومة بذل كل ما بوسعها للارتقاء بمدينتنا وإنصاف حقوق الناس".
يُذكر أن المعارك الطاحنة لطرد داعش من البلدة القديمة في الموصل دمرت أكثر من 12 ألف وحدة سكنية، أعيد اعمار بضع المئات منها بدعم من الأمم المتحدة وحكومة نينوى المحلية.
وذكرت نسرين علي، وهي مواطنة من حي السكر، للمشارق أن الموصل "من دون شك تتعافى ووضعها حاليا أفضل من قبل عامين أو 3، وبالأخص في الجانب الشرقي (الأيسر) من المدينة".
وتابعت "نأمل مزيدا من الإعمار والعمل الجاد في إنجاز مشاريع الخدمات وجذب الاستثمارات والاهتمام أيضا بإصلاح المعالم والهوية التاريخية للمدينة".
وتتعاون جهات وطنية ودولية لإعادة إعمار تراث المدينة القديمة عبر مشروع "إعادة إحياء روح الموصل" التابع لمنظمة اليونسكو والذي يهدف إلى ترميم 50 مبنى تراثيا.
وتشمل هذه المباني جامع النوري الشهير وكنيستي الطاهرة والساعة.
ويؤمن المشروع أكثر من 3000 فرصة عمل للشباب العراقيين في مجال الحرف التراثية وإعادة ترميم المباني، وفق ما ذكرته منظمة اليونسكو.
وفي هذه الأثناء، تعمل مبادرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية/مبادرة صمود المجتمع العراقي(مبادرة تعافي) على احتضان مبادرات الشباب للحفاظ على التراث والإرث الثقافي الموصلي.
وتؤمن المبادرة الدعم للعشرات من المنظمات والفرق التطوعية، فتساعدها في تقديم العون للأهالي المتضررين من الإرهاب وإنعاش مناطقهم وتعزيز أسس الاستقرار.