من سطح منزله في مدينة الرقة السورية، يشاهد يوسف ناصر بقلق مئات المقاتلين المدججين بالسلاح بقيادة الأكراد وهم يمشطون شوارع ما كانت ذات يوم العاصمة الفعلية لـ "الدولة الإسلامية" (داعش).
ويتأهب المقاتلون خوفا من كمين آخر في حرب العصابات التي يشنها تنظيم داعش، بعد مقتل ستة من رفاقهم في هجوم للتنظيم على مجمع أمني محلي في كانون الأول/ديسمبر بهدف تحرير مئات من زملائهم المتطرفين من سجن المجمع.
وفي 11 كانون الأول/ديسمبر، أصيب ثلاثة من عناصر الأسايش (قوى الأمن الداخلي الكردية) عندما فجّر عنصر من داعش نفسه بقنبلة يدوية أثناء اقتحامه منزل في الرقة.
وفي اليوم نفسه، قتلت القوات الأميركية اثنين من "مسؤولي" داعش في "غارة ناجحة بطائرة مروحية" نفذتها شرقي سوريا قبيل الفجر.
وتأتي أحداث الرقة في وقتتعمل القوات الكردية فيه على تطهير مخيم الهول في محافظة الحسكة المجاورة من عناصر داعش في محاولة لتحسين الوضع الأمني.
وفي الوقت الذي يتجول فيه المقاتلون الأكراد من منزل إلى منزل في الرقة ويحذرون الأهالي بواسطة مكبرات الصوت بضرورة البقاء في منازلهم، قال ناصر البالغ من العمر 67 عاما إنه يأمل في تحقيق "الاستقرار والأمن" في مدينته التي ما تزال تتعافى من الأهوال التي شهدتها إبان حكم داعش.
وبدعم من الولايات المتحدة، نجحت قوات سوريا الديمقراطية عام 2017 فيطرد تنظيم داعش من الرقة، حيث كان قد عمل على بسط حكمه الإرهابي ونفذ إعدامات جماعية شملت قطع الرؤوس وجرائم أخرى.
وبالنسبة للأهالي في معقل داعش السابق في سوريا والذين تعرضوا لصدمات نفسية، زادت الهجمات الأخيرة كما التمشيط الأمني مخاوفهم من عودة المتطرفين، على الرغم من أن المحللين قالوا إن "العلامة التجارية" لداعش تكافح للحفاظ على أهميتها .
وأردف ناصر "إذا عاد تنظيم داعش، ستكون كارثة. من الطبيعي أن تخاف على عائلتك وأطفالك وأصدقائك".
قلق دائم
وفي العملية التي بدأت الأسبوع الماضي، سيّر المقاتلون بقيادة الأكراد دوريات في شوارع الرقة سيرا على الأقدام وفي شاحنات ومدرعات، وذلك تحت أنظار الأهالي القلقين والأطفال الخائفين.
وقبل هزيمته العسكرية في عام 2019، ضم تنظيم داعش الذي تمدد ذات يوم وأعلن إقامة دولة "الخلافة" مساحات من الأراضي العراقية والسورية، لكنه منذ ذلك الحين لم يحتفظ بمواقع ثابتة له.
وبدلا من ذلك، بادر إلى شن هجمات متفرقة ضد النظام السوري والقوات التي يقودها الأكراد في شمال البلاد وشرقها، كما استهدف القوات العراقية وحلفاءها في هجمات عابرة للحدود.
وإثر الاعتداء على المجمع الأمني، أعلنت السلطات في الرقة حالة طوارئ والإغلاق الشامل، وأقامت نقاط تفتيش على مداخل المدينة.
وأعرب السكان عن خشيتهم من عودة داعش.
وفي هذا السياق، قالت فايزة حسن، 45 عاما، بعد أن فتشت الشرطة منزلها "أشعر بالقلق في كل مرة يغادر فيها أطفالي المنزل"، وأضافت "الوضع في الوقت الراهن صعب للغاية".
أما أم محمد الستينية فقالت وهي تحمل سيجارة في يدها المرتجفة إن مشهد رجال مسلحين لوحده أخافها.
وتابعت وأطفالها مجتمعون حولها "أنظر كيف ترتعش يداي"، مكررة مرات عدة "أنا خائفة".
’خطة لزرع الفوضى‘
من جانبه، قال العميد في الشرطة الكردية علي حسن إن عملية التمشيط أسفرت حتى الآن عن اعتقال نحو 150 شخصا، بعضهم من كبار المسؤولين، على خلفية الاشتباه بأنهم متطرفون.
وفي وقت سابق، سعت عملية "صاعقة الجزيرة" الكردية المدعومة من التحالف الدولي والتي استمرت ثمانية أيام واختتمت في 6 كانون الثاني/ يناير، إلى سحق وجود داعش في المنطقة الحدودية العراقية السورية.
وكشف حسن أن تنظيم داعش "غير استراتيجيته، وابتعد عن الهجمات الفردية ليشن هجمات جماعية"، تستهدف مراكز الاحتجاز التي تضم أعضاءه.
ويعتبر هجوم الرقة الأخير أكبر هجوم متطرف منذ أن هاجم مقاتلو داعش في كانون الثاني/يناير 2022 سجن غويران في مدينة الحسكة التي يسيطر عليها الأكراد، في أكبر هجوم لهم منذ سنوات.
وقُتل المئات في الهجوم الذي استمر أسبوعا ونُفذ بهدف إطلاق سراح عناصر داعش المسجونين.
وأضاف حسن أن التنظيم كان يحاول "إعادة بناء نفسه عبر هذه العمليات".
وتابع "يبدو أن هناك خطة كبيرة للسيطرة على السجون وإثارة الفوضى"، مشيرا إلى أن عملية التمشيط تهدف إلى منع حدوث مثل هذا السيناريو.
لكن بعض السكان يخشون ألا تكون الجهود كافية لوقف داعش.
وقال أحمد حمد، 30 عاما، "بغض النظر عن عدد الحملات الأمنية التي يشنونها، لن يتمكنوا من مصادرة كل أسلحتهم".
ولفت إلى أن المنطقة التي بالكاد تستعيد عافيتها بعد سنوات من الحرب، لديها موارد مالية محدودة للغاية للقتال ضد فلول داعش.
ولطالما شكل السجن المحلي المكتظ بالمتطرفين مصدر قلق كبير لحمد الذي يعيش بالقرب منه.
وختم قائلا "نخاف من كل شيء لأننا لا نملك شيئا".