عاد الجنرال الروسي ألكسندر تشايكو إلى الواجهة مجددا بعد فشله في إتمام اتفاقات جديدة بين روسيا وقوات سوريا الديموقراطية (قسد) فيما يتعلق بالعملية العسكرية التركية في شمالي سوريا.
وتشايكو الذي عزل في تشرين الأول/أكتوبر من منصبه كقائد المنطقة العسكرية الشرقية الروسية وسط سلسلة من الانتكاسات على ساحة المعركة في أوكرانيا، عاد مجددا إلى سوريا كقائد للقوات الروسية فيها.
وكان الجنرال، 52 عاما، قد قاد القوات الروسية بالفعل في سوريا في الفترة من أيلول/سبتمبر 2019 إلى 20 أيلول/سبتمبر 2020 على الأقل، وحققت وحشيته سمعة عالمية له.
ومؤخرا، اجتمع تشايكو مرتين مع قادة قوات قسد في شمال شرق سوريا في أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر وأوائل كانون الأول/ديسمبر، على خلفية تحذيرات تركيا بتنفيذ عملية عسكرية جديدة على حدودها مع سوريا، حسبما أوردت محطة الميادين التلفزيونية.
وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد تعهد بتنفيذ عملية توغل جديدة في شمالي سوريا لطرد القوات الكردية، بعد أن حملها مسؤولية تفجير وقع في إسطنبول في تشرين الثاني/نوفمبر وأسفر عن مقتل ستة أشخاص.
وتنكر الفصائل الكردية أي تورط لها في ذلك التفجير، فيما طالبت روسيا بخفض التصعيد على طول الحدود التركية-السورية.
وقال الصحافي السوري محمد العبد الله للمشارق إن تشايكو، حسب ما تم تسريبه، طلب انسحاب قوات قسد من منبج وكوباني وتسليم المنطقة إلى قوات الأمن الداخلي (الأسايش) بعد ضمها إلى قوات الأمن السورية الحكومية.
وأضاف أنه "طلب أيضا رفع العلم السوري على المرافق الأساسية والحيوية وتسليم سد الطبقة للحكومة السورية".
"هذا بالإضافة إلى رفع حصة النظام السوري من كميات النفط المستخرجة من مناطق سيطرة قوات قسد واستحواذ النظام على المحاصيل الاستراتيجية والتحكم بتوزيعها"، حسبما تابع.
إلى هذا، أكد إردوغان للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 11 كانون الأول/ديسمبر ضرورة أن يقوم الكرملين بـ "إبعاد" القوات الكردية عن الحدود "إلى العمق حتى مسافة 30 كم على الأقل".
لكن تشايكو فشل حتى الآن في إقناع القوات الكردية بالانسحاب من المنطقة الحدودية.
وفي هذا السياق، قال أرام حنا الناطق باسم قوات قسد لقناة العربية يوم 28 تشرين الثاني/نوفمبر بعد الاجتماع الأول لتشايكو مع قوات قسد، "نرفض كل المطالب".
يذكر أن اتفاقا أبرم عام 2019 بين موسكو وأنقرة أنهى هجوما آخر وذلك عبر إنشاء "منطقة آمنة" عمقها 30 كم لحماية تركيا من الهجمات الحدودية من الأراضي السورية.
ويتهم إردوغان روسيا، وهي لاعب أساسي في الصراع السوري وداعم للرئيس بشار الأسد، بعدم الوفاء بوعودها لضمان انسحاب الوحدات الكردية من الحدود التركية.
هذا وتتمركز بعض القوات الكردية في مناطق خاضعة للسيطرة العسكرية الروسية.
في حين يقاتل البعض الآخر إلى جانب الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
فظائع إدلب
وإضافة إلى طريقة تعامله مع الوضع الراهن في شمال شرق سوريا، فقد تورط تشايكو في بعض أسوأ الفظائع في البلد الذي مزقه الحرب، بدءا بجرائم الحرب ومرورا بفضائح الفساد وصولا إلى ترويع المعارضين له ولسياسات بوتين.
وفي حزيران/يونيو، فرضت المملكة المتحدة عقوبات على تشايكو على خلفية أعماله في سوريا، كما أن منظمة هيومان رايتس ووتش تقول إنه قد يتحمل بصفته قائد المسؤولية عن الانتهاكات أثناء هجوم إدلب في الفترة 2019-2020، وبينها الهجمات واسعة النطاق على المستشفيات والمدارس واستخدام الأسلحة عشوائيا في المناطق المأهولة بالسكان.
ووفق المنظمة، قتل خلال الهجوم على إدلب 1600 مدني ونزح نحو 1.4 مليون شخص.
ومع ذلك، منح بوتين تشايكو عام 2020 جائزة بطل روسيا، وهو أعلى تكريم في البلاد، وقام برقيته لرتبة كولونيل جنرال في حزيران/يونيو 2021.
بدوره، قال المحلل السياسي رامز ممدوح للمشارق إن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يواجه منذ بدء الحرب الأوكرانية معارضة عدد كبير من كبار الجنرالات لقراراته وأسلوب تنفيذ العمليات العسكرية".
وأضاف أنه "نتيجة لذلك، أصبح يعتمد الآن على عدد قليل نسبيا من الجنرالات المقربين إليه، ومنهم الكسندر تشايكو وسيرغي سوروفيكين ... وغيرهم".
وأوضح أن "هذه المجموعة تخرجت من الكليات الحربية في الوقت نفسه تقريبا، وشاركوا في الحروب عينها التي عرفتها روسيا منذ العام 1990 ولغاية الآن".
وتابع "لهذا نرى أن المهام الأساسية يتولاها [هؤلاء]، سواء في سوريا أو أوكرانيا أو بعض المناطق الأخرى".
ويؤكد ممدوح أن إصرار بوتين على الاعتماد على مجرمي حرب مشتبه بهم، مثل تشايكو وسوروفيكين، قد تجعله يدفع الثمن غاليا وقد يؤدي إلى مقاضاة روسيا أمام المحكمة الجنائية الدولية إذا ما تم انجاز ملفات جرائم الحرب في سوريا وأوكرانيا على حد سواء.
'مجرم حرب'
من جانبه، قال الناشط مصعب عساف، وهو من مدينة إدلب، إن تشايكو "ليس إلا سفاح ومجرم حرب".
وأضاف أن ذلك ظهر بوضوح خلال الهجمة التي تعرضت لها محافظة إدلب خلال العامين 2019 و2020، مشيرا إلى أنه بسبب عدم قدرة القوات السورية المدعومة من روسيا التقدم على أي من الجبهات يومها، تم اعتماد سياسة الأرض المحروقة.
وتابع أن "ذلك خلف المئات من القتلى والجرحى ودمر المنازل والمرافق الصحية والخدمية والبنى التحتية، حتى أن بعض المناطق أصبحت لا تصلح على الإطلاق للسكن".
وذكر عساف أن "تشايكو والذي عاد من أوكرانيا بسبب فشله الذريع في تحقيق الأهداف الموضوعة، انقلب على المراسل الحربي الروسي أوليغ بلوخين، وذلك بسبب الانتقادات الكثيرة التي وجهها الأخير له بسبب سواء إدارته للمعارك في أوكرانيا".
فبحسب تقارير، أمر تشايكو القوات السورية باعتقال بلوخين وزوجته وإبقائهما في الاحتجاز لأسبوع تقريبا في تشرين الأول/أكتوبر قبل أن يتم تسليمهما إلى موسكو، حسبما ذكر عساف.
وأكد عساف أن الجنرال الروسي "يتخوف أن يقوم بلوخين بفتح ملفات الفساد التي يتورط بها العديد من الجنرالات الروس في سوريا، وبينهم كل من تشايكو وسوروفيكين".
وأوضح أن تلك الملفات تتضمن إنشاء شركات وهمية لاستخراج وبيع الفوسفات والتجارة بالأسلحة وتلقي عمولات كبيرة لتهريب النفط من مناطق سيطرة قوات قسد وبيعها في السوق السوداء.