عدالة

جهود بطيئة وإنما متقدمة لإمثال عناصر داعش المتطرفين أمام العدالة

فريق عمل المشارق ووكالة الصحافة الفرنسية

نساء من الطائفة الأيزيدية في معبد لالش القريب من دهوك بالعراق خلال مراسم إحياء الذكرى الثامنة للمجزرة التي ارتكبت في آب/أغسطس 2014 على يد تنظيم داعش في منطقة سنجار بحق أبناء المجتمع الأيزيدي. [إسماعيل عدنان/وكالة الصحافة الفرنسية]

نساء من الطائفة الأيزيدية في معبد لالش القريب من دهوك بالعراق خلال مراسم إحياء الذكرى الثامنة للمجزرة التي ارتكبت في آب/أغسطس 2014 على يد تنظيم داعش في منطقة سنجار بحق أبناء المجتمع الأيزيدي. [إسماعيل عدنان/وكالة الصحافة الفرنسية]

بغداد - باتت الأهوال التي تسببت بها سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على شمال العراق من الماضي، إلا أن الجهود المبذولة لتقديم المتطرفين أمام العدالة لا تزال تتواصل.

وقال كبير محققي الأمم المتحدة كريستيان ريتشر الذي يحقق في سلسة من الفظائع التي ارتكبها تنظيم داعش من قتل وتعذيب واغتصاب جماعي وعبودية وإبادة جماعية، إنه "ما يزال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به".

وذكر ريتشر الذي يرأس فريق التحقيق الأممي (يونيتاد) الهادف إلى تحقيق المساءلة، أن العمل مستمر للتحقيق في جرائم التنظيم بعد مرور 5 سنوات على هزيمته في العراق ووجود الآلاف من عناصره في السجون العراقية.

وفي مقابلة أجريت في بغداد، وصف المدعي الألماني السابق المهمة القاتمة التي تنفذ بالتعاون مع السلطات العراقية، على أنها "صعبة" ومترامية النواحي.

رئيس فريق التحقيق لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش (يونيتاد) كريستيان ريتشر يتحدث خلال مقابلة في مكتبه بالمنطقة الخضراء في بغداد بالعراق بتاريخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر. [صباح عرار/وكالة الصحافة الفرنسية]

رئيس فريق التحقيق لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش (يونيتاد) كريستيان ريتشر يتحدث خلال مقابلة في مكتبه بالمنطقة الخضراء في بغداد بالعراق بتاريخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر. [صباح عرار/وكالة الصحافة الفرنسية]

وأوضح ريتشر لوكالة الصحافة الفرنسية، "لقد فتحنا للتو تحقيقا في ملف تدمير داعش للتراث الثقافي العراقي ويشمل ذلك تدمير الأضرحة والكنائس والمواقع الثقافية والمتاحف".

وأضاف أن التحقيق المستقبلي سيركز على الجرائم المرتكبة في الموصل، وهي مدينة رئيسة في شمال العراق احتلتها داعش بين عامي 2014 و2017.

وأعلن العراق الانتصار على التنظيم في 9 كانون الأول/ديسمبر 2017، إلا أن هذا الأخير ظل يسيطر على الأراضي في سوريا المجاورة حتى آذار/مارس 2019، حين هزم على يد القوات التي يقودها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة.

هذا وبدا ظهور داعش ودولة "الخلافة" المزعومة سريعا للغاية. وقد ساعد استيلاءها على الموصل في بسط سيطرتها لفترة وجيزة على نحو ثلث الأراضي العراقية. وقد برزت مخاوف جدية في مرحلة معينة من احتمال أن يشن التنظيم هجوما كبيرا على العاصمة بغداد.

وتحولت الانتهاكات بحق المدنيين والأقليات والمعارضين سمة مميزة للتنظيم الذي تعززت صفوفه مع قدوم آلاف الأجانب للالتحاق بها.

وأشار ريتشر إلى أن قائمة جرائم تنظيم داعش طويلة وتشمل "الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب".

العدالة الدولية

وتابع ريتشر أن فريق يونيتاد ساعد السلطات المحلية في الكشف عن المقابر الجماعية ويعمل على جمع الأدلة "التي قد تحتاج إليها أي ولاية قضائية في العالم... حتى بعد عقود عدة".

وأضاف "سيكون من الممكن محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية حتى بعد مرور 20 أو 30 عاما. ما من فترة محددة لذلك. ويمكن القيام بذلك في كندا وهولندا وماليزيا والعراق طبعا".

ويُعتقد أن الخسفة التي هي عبارة عن حفرة جنوبي الموصل استخدمتها داعش كمقبرة جماعية، تحتوي على رفات آلاف ضحايا التنظيم.

وفي تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدر في آذار/مارس 2017، قدم شهود عيان من المنطقة شهادات عن ضحايا قتلوا وتم رميهم في الحفرة.

وقالوا إنهم شهدوا على عدة عمليات إعدام جماعية نفذت هناك وأحيانا بشكل أسبوعي، وذلك بدءا من حزيران/يونيو 2014 وحتى أيار/مايو أو حزيران/يونيو من العام 2015.

وفي تقريره الأخير الذي قدم إلى مجلس الأمن الدولي يوم الإثنين، 5 كانون الأول/ديسمبر، سلط فريق يونيتاد الضوء على قيام داعش بتصنيع الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.

وبحسب التقرير، شمل البرنامج "تطوير واختبار وتسليح ونشر مجموعة من المواد الكيماوية".

هذا وحقق يونيتاد أيضا في مجزرة سبايكر التي ارتكبت عندما اختطف حتى 1700 مجند في الجيش العراقي "أغلبهم من الشيعة" من قاعدة عسكرية قبل إعدامهم في حزيران/يونيو 2014.

ومن الفظائع الأخرى التي تم التحقيق فيها، مقتل مئات المعتقلين في سجن بادوش القريب من الموصل.

وتم كذلك التحقيق في الجرائم المرتكبة بحق الأيزيديين، وهذه أقلية دينية أعدم العديد من رجالها وخطفت نساؤها للاستعباد الجنسي.

وفي هجومهم عام 2014 على سنجار في محافظة نينوى شمالي العراق، قتل عناصر داعش وأسروا آلاف الرجال والنساء والأطفال الأيزيديين، ولا يزال الكثير منهم في عداد المفقودين.

وحتى اليوم، تم العثور على عشرات المقابر الجماعية التي تحتوي على جثث مئات الضحايا الأيزيديين في سنجار والبلدات المجاورة.

ووصفت الأمم المتحدة الهجوم على سنجار بأنه إبادة جماعية.

وفي عام 2021، أصدرت محكمة ألمانية حكما بحق طه الجميلي العنصر السابق في داعش بالسجن المؤبد بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية بعد أن ترك طفلة أيزيدية تبلغ من العمر 5 سنوات تموت عطشا، علما أن هذا كان الحكم الأول من نوعه في العالم.

وجرت المحاكمة التاريخية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يجيز لأي محكمة وطنية المقاضاة بمثل هذه الجرائم بغض النظر عن مكان ارتكابها.

وقال ريتشر "ربما في المستقبل ستكون هناك محكمة لجرائم داعش"، مضيفا أن الفكرة تخضع "لمناقشات مستمرة".

’محاكمات عادلة‘

يُذكر أن السلطات العراقية لا تنشر إحصاءات عن المعتقلين من تنظيم داعش، ولكن قدّرت الأمم المتحدة عام 2018 أن أكثر من 12 ألف "مقاتل" عراقي وأجنبي محتجزون في سجونها.

وشدد ريتشر على أن فريق يونيتاد يقدم مساهمته فقط في "المحاكمات العادلة"، حيث لا مجال "للتعذيب أو لأي انتهاك لحقوق الإنسان".

وقال إن المحاكمات يجب أن تكون "عادلة ومستندة إلى أدلة، مع وجود شهود يمكنهم الإدلاء بشهاداتهم أمام المحكمة وضحايا يمكنهم سرد القصة كاملة وإخبار المحكمة بما حدث لهم".

وأضاف "هذا ما نهدف إليه، ولا نهدف إلى إجراء محاكمات على أساس الاعترافات".

وأعرب عن أمله في أن يساعد هذا العمل في تحقيق المصالحة في العراق الذي مزقت سنوات طويلة من الحرب والتمرد نسيجه الاجتماعي المتنوع.

وأكد أن "المصالحة تأتي دائما نتيجة التحقيقات والمحاكمات العادلة، حيث يكون للضحايا صوت وفرصة للإدلاء بشهادتهم".

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500