لندن - أقرت الحكومة البريطانية رسميا يوم الثلاثاء، 1 آب/أغسطس، أن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ارتكب "أعمال إبادة جماعية" بحق الإيزيديين في عام 2014.
وتعرض الإيزيديون اللذين حولتهم ديانتهم السابقة للإسلام إلى هدف لمتطرفي داعش، لمجازر وزواج قسري واستعباد جنسي خلال فترة حكم التنظيم بين عامي 2014 و2015 في محافظة سنجار شمالي العراق.
وأصدرت وزارة الخارجية البريطانية هذا الإعلان قبيل فعاليات "الذكرى التاسعة للفظائع" التي ارتكبها تنظيم داعش بحق الأقلية الإيزيدية الناطقة باللغة الكردية في العراق.
وجاء في البيان أن "المملكة المتحدة أقرت رسميا اليوم بارتكاب داعش أعمال إبادة جماعية ضد الإيزيديين في عام 2014".
وحتى الآن، أقرت المملكة المتحدة بـ 4 حالات أخرى فقط من الإبادة الجماعية هي الهولوكوست ورواندا وسربرنيتسا (البوسنة) وكمبوديا.
وقال الوزير البريطاني لشؤون الشرق الأوسط طارق أحمد في البيان "عانى المجتمع الإيزيدي الأمرين على يد داعش قبل 9 سنوات، وما زالت تداعيات هذه المعاناة محسوسة حتى يومنا هذا".
وأضاف أن "العدالة والمساءلة أمران أساسيان لأولئك الذين دمرت حياتهم".
ومن بين نحو 1.5 مليون إيزيدي في العالم، كان يعيش العدد الأكبر منهم والبالغ 550 ألف نسمة في العراق قبل هجوم داعش عام 2014.
وهاجم المتطرفون معقل الإيزيديين في سنجار في آب/أغسطس 2014، ما أسفر وفقا للسلطات المحلية عن مقتل أكثر من 1200 شخص وترك عدة مئات الأطفال أيتاما وتدمير نحو 70 ضريحا.
وتم اختطاف 6400 إيزيدي آخر أنقذ نحو نصفهم أو تمكنوا من الفرار، وفر حوالي مائة ألف شخص إلى أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا، وفقا للأمم المتحدة.
’خطوة مهمة‘
وأشاد الشريك المؤسس لمنظمة يزدا العالمية للإيزيديين مراد إسماعيل، بهذا الإقرار البريطاني واصفا إياه بأنه "خطوة مهمة".
وقال "الإقرار هو جوهر عملية العدالة ومساعدة الضحايا على الشفاء من الجروح العميقة التي تسببت بها هذه الإبادة الجماعية".
وفي هذا السياق، قالت الناشطة الإيزيدية الحائزة على جائزة نوبل للسلام لعام 2018 نادية مراد التي لجأت إلى ألمانيا بعد محنتها "يسعدني أن حكومة المملكة المتحدة قد اعترفت رسميا بالفظائع التي عانى منها الأيزيديون باعتبارها إبادة جماعية".
وكانت مراد قد فقدت والدتها و6 من أشقائها وإخوتها غير الأشقاء عندما اجتاح تنظيم داعش سنجار. وتم اختطافها من قبل الجماعة المتطرفة وإجبارها على العبودية الجنسية مع 6000 امرأة وفتاة إيزيدية أخرى.
ومنذ هروبها من داعش، شنت حملة ضد استخدام العنف الجنسي في الحرب وكانت حاضرة في سنجار عام 2021 لحضور جنازة جماعية أعيد فيها دفن رفات 104 من ضحايا داعش، بينهم 2 من أشقائها.
وقالت مراد "آمل أن تبدأ الحكومة البريطانية الآن بالسعي لتحقيق العدالة للضحايا من خلال محاسبة المقاتلين الذين ولدوا في بريطانيا".
وتابعت "لا يمكن للعالم أن يترك عناصر داعش يعيشون بحرية. فيرسل ذلك رسالة إلى العالم مفادها أنه يمكنك القتل والاغتصاب والإفلات من العقاب".
حكم المحكمة الألمانية
وفي أيار/مايو 2021، قال فريق تحقيق خاص تابع للأمم المتحدة إنه جمع "أدلة واضحة ومقنعة" على ارتكاب داعش إبادة جماعية ضد الإيزيديين.
وبعد 6 أشهر، كانت محكمة ألمانية أول محكمة في العالم تعترف بالجرائم ضد المجتمع الإيزيدي على أنها إبادة جماعية، عندما أدانت مقاتلا سابقا في داعش بارتكاب أعمال إبادة جماعية في العراق.
وفي محاكمة تاريخية، حكمت محكمة في فرانكفورت بشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021 على طه الجميلي بالسجن المؤبد لارتكابه جرائم من بينها قتل فتاة إيزيدية تبلغ من العمر 5 سنوات في العراق.
وقال ممثلو الادعاء إن الجميلي قام في عام 2015 بربط الطفلة المستعبدة بالسلاسل في الهواء الطلق في حر شديد، ما أدى إلى وفاتها من العطش.
وأشاد ناشطون بحكم المحكمة ووصفوه بأنه انتصار "تاريخي".
وتم تثبيت الحكم بعد أن رفضت محكمة العدل الفيدرالية الألمانية استئناف المدعى عليه في كانون الثاني/يناير.
وتعد ألمانيا واحدة من الدول القليلة التي اتخذت إجراءات قانونية ضد داعش.
وفي عام 2016، صوّت مجلس العموم البريطاني بالإجماع لإدانة معاملة داعش للإيزيديين والمسيحيين في العراق على أنها ترقى إلى الإبادة الجماعية، وذلك في حالة تحديد برلماني نادرة لإبادة جماعية.
وكانت وزارة الخارجية حينها قد رفضت الاعتراف بالإبادة الجماعية، وذلك تماشيا مع سياسة طويلة الأمد بشأن تحديد الإبادة الجماعية من قبل المحاكم وليس من قبل الحكومات.
وبعد مرور نحو 6 سنوات على إعلان العراق الانتصار الإقليمي على داعش، لا يزال العديد من الإيزيديين عاجزين عن العودة إلى سنجار وعزا بعضهم ذلك إلى استمرار أنشطة الميليشيات التابعة لإيران في مناطقهم.
ولا يزال الآلاف يعيشون في ظروف محفوفة بالمخاطر في مخيمات النازحين. ويواجه من عادوا إلى مناطقهم وضعا أمنيا غير مستقر وخدمات عامة معدومة أو غير ملائمة.