عدالة

العراق ينبش مقابر جماعية عمرها 4 عقود من العنف

فريق عمل المشارق ووكالة الصحافة الفرنسية

خبير في الطب الشرعي يستخدم فرشاة لإخراج رفات بشرية من مقبرة جماعية في النجف بعد اكتشفها بالصدفة في 18 أيار/مايو، وذلك عندما أراد مطورو العقارات تجهيز الأرض للبناء عليها. [قاسم الكعبي/وكالة الصحافة الفرنسية]

خبير في الطب الشرعي يستخدم فرشاة لإخراج رفات بشرية من مقبرة جماعية في النجف بعد اكتشفها بالصدفة في 18 أيار/مايو، وذلك عندما أراد مطورو العقارات تجهيز الأرض للبناء عليها. [قاسم الكعبي/وكالة الصحافة الفرنسية]

النجف - على وقع صوت الحفر بالأرض، يتم العمل للكشف عن مقبرة جماعية جديدة في العراق قبل أن تُستخرج منها رفات بشرية وبنكب خبراء الطب الشرعي على مهمتهم الصعبة: تحديد هوياتها.

فيتم إخراج جمجمة من طبقة من الطين في حين توضع قصبة ساق في كيس الجثث لإرساله إلى المختبر وفحصه وراثيا ومقارنة النتائج بعينات دم أقارب المفقودين.

ويعد الموقع القريب من النجف واحدا من مواقع عدة في العراق الذي عانى على مدى أكثر من 4 عقود من الصراع الدموي والاضطرابات.

فخاض صدام حسين الحرب مع إيران من عام 1980 إلى عام 1988، ثم جاءت حرب الخليج عام 1991 لتليها حرب العراق عام 2003، ومؤخرا توغل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) حتى أطيح به عام 2017.

انتصار محمد شقيقة شخص مفقود، تقدم عينة من دمها في 21 كانون الثاني/يناير. وتشتبه السلطات العراقية في أن رفات شقيقها قد تكون في مقبرة جماعية في النجف. [قاسم الكعبي/وكالة الصحافة الفرنسية]

انتصار محمد شقيقة شخص مفقود، تقدم عينة من دمها في 21 كانون الثاني/يناير. وتشتبه السلطات العراقية في أن رفات شقيقها قد تكون في مقبرة جماعية في النجف. [قاسم الكعبي/وكالة الصحافة الفرنسية]

ونتيجة لكل هذه الحروب، يعتبر العراق من الدول التي لديها أحد أكبر عدد من الأشخاص المفقودين في العالم، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وفي النجف، بدأ العمل في أيار/مايو على حفر قطعة أرض مساحتها 1500 متر مربع لاستخراج عظام نحو مائة من ضحايا انتفاضة عام 1991 ضد صدام.

وعُثر على المقبرة الجماعية صدفة عندما كان مطورو العقارات يعملون على تجهيز الأرض للبناء عليها.

’لم يأت يوما‘

واستدعيت انتصار محمد لتقديم عينة من دمها بسبب اشتباه السلطات بأن تكون رفات شقيقها في المقبرة الجماعية.

وكان حميد قد اختفى عام 1980، أي في العهد الاستبدادي لصدام حسين.

وفي ذلك الوقت، انتقلت محمد وأسرتها إلى سوريا، لكن شقيقها بقي في العراق من أجل متابعة دراسته على أن ينضم إلى أسرته لاحقا.

وقالت مستذكرة "انتظرناه طويلا، لكنه لم يأت يوما"، مضيفة أن شقيقها اختطف بحسب المعلومات "ولم نسمع عنه بعد ذلك".

وعادت إلى العراق في عام 2011، وما تزال تأمل في الكشف عن مصير أخيها.

وقال الفني في قسم الطب الشرعي في النجف وسام راضي، إن حمضها النووي "سيقارن مع العظام التي عثر عليها في الموقع".

وتستغرق عملية تحديد الهوية وقتا يستنزف صبر الأقارب الذين يشكون غالبا من شعورهم بأن لا أحد يبالي بهم.

وقال ضرغام كامل من مؤسسة الشهداء وهي هيئة حكومية مسؤولة عن إدارة المقابر الجماعية، إن فتح مقبرة جماعية مهمة ضخمة و"من أكبر العقبات التي تعترضها هي العقبات مالية".

وكشف أن مؤسسة حكومية أخرى هي مديرية حماية المقابر الجماعية، لم تتلق "أي تمويل من الحكومة" بين عامي 2016 و2021.

وتشمل العقبات أيضا مركزية النظام العراقي، إذ يتم إجراء المقارنات الجينية حصريا في بغداد.

وفي الموصل وأماكن أخرى في شمالي العراق، يحرز علماء الطب الشرعي تقدما بطيئا في تحليل المقابر الجماعية الـ 200 تقريبا التي خلفتها داعش.

’قتلوا على أيدي داعش‘

وكان مدير الطب الشرعي في محافظة نينوى حسن العنزي، قد طالب بأن تشمل قاعدة بيانات المفقودين جميع ضحايا داعش في المنطقة، ولكن لم يحصل هذا الأمر حتى الآن.

وقال "هناك الآلاف من المفقودين. كل يوم، تأتي إلينا نحو 30 أسرة بحثا عن أخبار حول أحبائها".

ولكنه تابع أنه "بسبب غياب النية السياسية"، لم يُفتح موقع الخسفة حتى الآن، ويقع في تجويف جنوب الموصل استخدمته داعش كمقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات الآلاف من ضحاياها.

وفي تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدر في آذار/مارس 2017، قدم شهود عيان من المنطقة إفادات حول ضحايا قتلوا وألقوا في الحفرة.

وقالوا إنهم بدءا من حزيران/يونيو 2014 وحتى أيار/مايو أو حزيران/يونيو 2015، شاهدوا عدة إعدامات جماعية كانت تجري أحيانا بشكل أسبوعي.

وتسعى الأم الثكلى في الموصل، أم أحمد، للحصول على معلومات حول مصير ابنيها الضابطين في الشرطة أحمد وفارس واللذين اختطفهما تنظيم داعش عندما سيطر على المدينة.

وقالت "طرقت كل الأبواب وذهبت حتى إلى بغداد، لكنني لم أحصل على أي معلومات".

ويشكل النقص في المعلومات مشكلة مالية إضافية للعديد من العائلات، خصوصا أنها لا تتلقى أي تعويض مالي من الدولة العراقية حتى يتم التعرف على رفات المفقودين.

إعدامات الميليشيات

إلى هذا، عُثر في حزيران/يونيو 2021 على مقبرة جماعية بالقرب من الفلوجة في الأنبار، وكانت تحتوي على رفات عشرات المدنيين الذين أعدموا على ما يبدو من مسافة قريبة على أيدي الميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة.

وقالت مصادر للمشارق حينها إن المقبرة تقع ضمن منطقة عمليات كتائب حزب الله وكتائب الإمام علي، مشيرة إلى أن الميليشيات كانت تتواجد في المنطقة بعد تحريرها من داعش عام 2016.

وبعد أن اكتشف السكان المقبرة الجماعية، قامت الميليشيات بتطويق الموقع في محاولة على ما يبدو للتعتيم على الجريمة، بحسب مدير مركز توثيق جرائم الحرب العراقي عمر الفرحان.

ولفت إلى أن المقبرة الجماعية تشبه عشرات المقابر الأخرى التي تحتوي على رفات ضحايا داعش، لكنها "تحمل بصمات الميليشيات بحسب إفادات السكان المحليين".

وفي كانون الثاني/يناير 2021، كشفت الأمطار عن مقبرة جماعية أخرى بالقرب من بلدة الإسحاقي في صلاح الدين، وظهرت رفات المدنيين الذين قتلوا على أيدي الجماعات شبه العسكرية خلال معركة الإطاحة بداعش.

ويتهم مسؤولون عراقيون الميليشيات المتحالفة مع إيران بالإخفاء القسري لما لا يقل عن 12 ألف من سكان المناطق المحررة من داعش، بحجة ارتباطهم بالتنظيم المتطرف.

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500