الموصل - يستخدم متحف عراقي تكنولوجيا الكمبيوتر وسماعات الواقع الافتراضي لإعادة الزمن إلى الوراء والسماح للزوار باستكشاف المواقع التراثية في البلاد التي دمرها المتمردون أو تضررت أثناء المعارك مع الإرهابيين.
وقد استولى عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على ثلث أراضي العراق في هجوم خاطف عام 2014، فسيطروا على مدينة الموصل الشمالية واتخذوها معقلا لهم وخربوا أو دمروا عددا كبيرا من المواقع الثقافية في مختلف أنحاء البلاد.
وتشهد مدينة الموصل مركز محافظة نينوى حملة إعادة إعمار كبيرة لتحويل شكلها بعد 5 سنوات من تدمير داعش لها.
وأطلق رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مشروع إعادة الإعمار المرتقب لمطار الموصل في 10 آب/أغسطس. وستتم إعادة بناء المطار وتحسينه ليكون جاهزا لتسيير رحلات دولية أيضا.
الموصل عبر الواقع الافتراضي
وباستخدام آلاف الصور، تمكنت مجموعة من المهندسين المحليين من إعطاء حياة افتراضية جديدة لـ 5 مواقع أثرية في الموصل ومحافظة نينوى الأوسع نطاقا. وشملت هذه المواقع جامعا ومئذنته الحدباء.
وقالت مهية يوسف بعد استكشاف الصور ثلاثية الأبعاد للمباني المدمرة بواسطة خوذة الواقع الافتراضي في متحف بيت تراث الموصل، إن التجربة "تأخذك إلى عالم آخر".
وأضافت يوسف البالغة من العمر 50 عاما وتعمل في معمل للأغذية، "كنت أتمنى أن تكون هذه الموصل الحقيقية وليس النسخة الافتراضية عنها. إن العودة إلى الواقع مؤلمة".
يُذكر أن زعيم تنظيم داعش آنذاك أبو بكر البغدادي، كان له الظهور العلني الوحيد المؤكد في جامع النوري في الموصل، من حيث أعلن إقامة "الخلافة".
وخلال معركة تحرير المدينة من داعش، تحولت مدينة الموصل القديمة إلى أنقاض ودُمر جامعها والمئذنة الحدباء المجاورة له.
واتهمت السلطات العراقية داعش بزرع متفجرات في الموقع قبل الانسحاب منه. وقد نجت قاعدة المئذنة وحدها من التفجيرات.
واستخدمت سابقا تقنية الواقع الافتراضي لإعادة رسم ملامح المواقع التراثية التي دمرتها داعش، وذلك في معرض تدعمه اليونسكو في الولايات المتحدة.
ولكن يعيد هذا المتحف إحياء المواقع ليستذكرها سكان الموصل.
وقال مؤسس المتحف الافتراضي أيوب يونس البالغ من العمر 29 عاما، إن "الكثير من الأطفال لم يروا جامع النوري ومئذنته الحدباء".
وأضاف "نحاول من خلال [الواقع الافتراضي] أخذ الأشخاص بجولة إلى تلك المواقع وإحياء ذكراها".
وتابع يونس أن المتحف الخاص له واجهة رخامية ويقع على ضفة نهر دجلة وقد افتتح في منتصف حزيران/يونيو وتجاوز عدد زواره الـ 4000 شخص خلال الشهر الأول من تأسيسه.
ومن المواقع الأخرى التي تسمح الجولة الافتراضية بزيارتها، كنيسة الطاهرة الواقعة بين أزقة المدينة القديمة المتعرجة، وموقع الحضر الذي يعود إلى أكثر من 2000 عام ويقع في الصحراء جنوبي الموصل.
وحمل المتمردون البنادق والفؤوس لتدمير بقايا المدينة القديمة، ونشروا فيديو عام 2015 لإظهار الدمار.
’إنقاذ ذاكرة المدينة‘
وعلى شاشة حاسوبه، أظهر عبد الله بشير نسخة طبق الأصل ثلاثية الأبعاد للمسجد الذي يضم ضريح النبي يونس الذي يعتبره المسلمون والمسيحيون مقدسا، وهو موقع فجره المتطرفون عام 2014.
وأوضح "استخدمنا صورا شخصية وأخرى التقطها السكان" لنعيد من خلالها بناء المواقع.
ولكنه أضاف أنه لم يكن هناك إلا صورا "قليلة جدا" تعود إلى ما قبل العام 2014.
وأعاد بشير ومهندسون متخصصون آخرون الحياة إلى المشاهد السابقة في مشروع يصفه بأنه "طريقة لإنقاذ ذاكرة الموصل".
ويضم المتحف العديد من الأشياء التي تستخدم في الحياة اليومية وقد تبرعت بها عائلات محلية، من بينها جرار فخارية ومصابيح وألواح جدارية تقليدية وحاويات معدنية وحتى راديو قديم.
وبعد جولته الافتراضية، تجول الشاب المقعد محمد عبد الله في غرف المتحف مقببة ليشاهد المعروضات التي تعكس الحياة الواقعية.
وقال عبد الله، 28 عاما وهو طالب يدرس هندسة الاتصالات، إن التناقض بين الواقع الافتراضي وواقع الموصل كان مؤلما، في رأي وافقه عليه زوار آخرون.
وأضاف أن "إعادة الإعمار بطيئة للغاية ولا ترقى إلى مستوى الدمار الحاصل".
ودعا إلى الإسراع في ترميم المواقع التراثية لجذب السياح و"بث الحياة" في المناطق المجاورة.
وقال "سيأتي اليوم الذي سنقوم فيه بهذه الزيارة على أرض الواقع. وستكون أفضل من الجولة الافتراضية".