الحضر، العراق -- أبدى عشرات الزوار إعجابهم أثناء تجولهم بين الآثار القديمة في الحضر شمالي العراق، حيث تهدف مبادرات محلية إلى قلب صفحة جديدة بعد فترة حكم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) القصيرة والوحشية في آن على المنطقة.
ويعود تاريخ الحضر إلى القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد، وقد صنفت موقعا تراثيا عالميا معرضا للخطر من قبل منظمة اليونسكو.
وتقع الحضر على بعد ساعتين بالسيارة من معقل داعش السابق في الموصل التي استعادت القوات العراقية والتحالف الدولي السيطرة عليها عام 2017 وهي محمية بعمليات أمنية تنفذ ضد فلول التنظيم في المنطقة.
وكان التنظيم قد استولى على الموصل عام 2014.
ونظمت جولة للموقع يوم السبت، 10 أيلول/سبتمبر، وهي أول جولة من نوعها تنظم من قبل متحف خاص في الموصل وقد هدفت إلى تعزيز السياحة في المنطقة.
فسمح لنحو 40 زائرا غالبيتهم من العراقيين، بالتجول في ساعة الشفق الذهبية بالموقع الأثري الذي يعود تاريخه إلى أكثر من ألفي عام.
والتقط السياح صورا شخصية أمام الأروقة المبهرة واستطلعوا النقوش التي خربها ودمرها عناصر داعش.
وقالت لونا باتوتا التي شاركت في الجولة مع زوجها البلجيكي، إن للموقع "تاريخا عظيما" يتيح للمرء إلقاء نظرة على حضارة قديمة. وأضافت "لهذا الموقع طابع تاريخي بارز ولكنه يذكّر في الوقت عينه بالكثير من الأحداث المؤسفة التي جرت تحت حكم داعش".
وعاشت باتوتا، 33 سنة، في بلجيكا منذ سن التاسعة. وكانت هذه المرة الأولى التي تعود فيها إلى بلدها الأم.
ولفتت إلى أن زيارتها للحضر أثارت لديها "مشاعر متناقضة. فترى الثقوب التي تسبب بها الرصاص وترى الكثير من [أغلفة الرصاص]."
يُذكر أن الحضر كانت مركزا دينيا وتجاريا مهما في ظل الإمبراطورية البارثية، وكانت تضم تحصينات ومعابد استثنائية تعكس مزيجا من الطرز المعمارية اليونانية والرومانية والزخرفات الشرقية.
وعام 2015، نشر تنظيم داعش فيديو يظهر مقاتليه وهم يدمرون سلسلة من النقوش، فيطلقون النار عليها ويضربون أحد التماثيل بفأس.
وقد أدت موجة الغضب الدولية إزاء تدمير الحضر ومواقع أثرية أخرى في العراق وسوريا، ومن بينها مدينة النمرود القديمة التي تقع أيضا في محافظة نينوى، إلى إصدار القرار 2199 الصادر عن الأمم المتحدة عام 2015.
ويدين القرار تدمير التراث الثقافي ويتبنى تدابير ملزمة قانونالمواجهة التهريب غير المشروع للآثار والقطع الثقافية من العراق وسوريا.
وفي شباط/فبراير، كشفت السلطات عن ثلاث عمليات إعادة تأهيل في الموقع وهي عبارة عن تمثال على الطراز الروماني لشخص بالحجم الطبيعي وسلسلة من النقوش على جانب المعبد الكبير الذي كان قد دمره عناصر داعش.
ʼحضارة وتراث وثقافةʻ
وبعد مرور 5 سنوات على هزيمة داعش، استعادت الموصل وضواحيها شيئا من الحياة الطبيعية، رغم ما تشهده جهود إعادة الإعمار من نكسات ورغم أن العديد من المناطق لا تزال مطبوعة بآثار الحرب ضد المتطرفين.
ونظمت الجولة في موقع الحضر من قبل بيت تراث الموصل وهو متحف خاص تم افتتاحه في حزيران/يونيو.
ولكن فارس عبد الستار، وهو أحد المنظمين، ذكر أن الموقع كان يستقطب زوارا فرديين حتى قبل تنظيم الجولة.
وأضاف أن هذه المبادرة الجديدة تهدف إلى "إظهار تراث وهوية" الموصل ومحافظة نينوى.
وبعد سيطرة تنظيم داعش على أراض واسعة في العراق وسوريا عام 2014، واجه هجمات مضادة في كلا البلدين. وأعلنت القوات العراقية الانتصار في نهاية المطاف بأواخر العام 2017.
ومع انفتاح العراق تدريجيا على السياحة الخارجية، يستكشف اليوم عشرات الزوار ولا سيما الغربيين منهم، البلاد مع وصول البعض حتى إلى الموصل رغم التحذيرات التي أصدرتها بعض الحكومات بشأن مخاطر محدقة.
كذلك، تشهد السياحة الدينية إلى مدينتي كربلاء والنجف المقدستين ازدهارا، علما أن معظم السياح هم من إيران.
ولكن لا تزال التحديات قائمة وتبقى البنية التحتية للسياحة بدائية في العراق.
وفي هذا السياق، ذكر بريار بهاء الدين وهو طالب دكتوراه في الأنثروبولوجيا بجامعة إكستر في بريطانيا، خلال زيارته للحضر أن "اسم الموصل لا يرتبط فقط بالحرب وداعش والإرهاب".
وأضاف "الموصل هي حضارة وتراث وثقافة".
وتابع "يجب أن يعج هذا الموقع المبهر بالسياح من كل أنحاء الكرة الأرضية".
أعمال إعادة الإعمار جارية
وبدوره، قال قائممقام قضاء الحضر في جنوبي نينوى بسمان أحمد السلطان إنه رغم تباطؤ جهود إعادة الإعمار بسبب جائحة كورونا العالمية، أحرز قضاء الحضر في جنوبي نينوى تقدما بارزا على مستوى إعادة الخدمات وإعادة إعمار المواقع.
وأعلن في حزيران/يونيو 2020 أن الإدارة المحلية للحضر نجحت في إعادة تأهيل عدة مشاريع للبنية التحتية ومبان حكومية.
وأضاف أنه تم إتمام مشروع مياه الحضر بفضل جهود دائرة مياه نينوى والحكومة المحلية للمحافظة، مشيرا إلى أن العمال أعادوا الكهرباء بعد إصلاح خطوط النقل.
وتابع أنه تم كذلك إتمام أعمال إعادة الإعمار في المباني التابعة للإدارة المحلية والمجلس المحلي والقائمقامية ومركز الصحة العامة، فيما أعيد فتح المدارس التي دمرت خلال الحرب.
وأشار إلى أن فرق العمل قامت بتمهيد عدد من الشوارع وأعادت بناء جسر الحضر الذي يربط القضاء بمحافظة الأنبار.
وكان من المتوقع أن يؤدي إصلاح الطرقات والجسور إلى تنشيط الاقتصاد المحلي عبر تمكين التجارة التي كانت قد عطلتها داعش، وإلى إحياء حركة السياحة.