جنيف -- لعل غزو روسيا الشامل لأوكرانيا كما حملة العنف العشوائي الموثقة التي نفذتها في سوريا في السنوات الماضية، جدد المخاوف من ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات حقوق إنسان ضد المدنيين.
وكانت القوات الروسية قد بدأت غزو أوكرانيا يوم الخميس، 24 شباط/فبراير، بشن غارات جوية وإرسال قوات إلى عمق الأراضي الأوكرانية، وذلك بعد أن فشلت أسابيع من الجهود الدبلوماسية في ردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن شن العملية العسكرية.
ويبدو أن بوتين الذي أصدر الأمر بالهجوم، عازم على إسقاط الحكومة الأوكرانية.
وأعلنت أوكرانيا أنه حتى يوم الجمعة، قُتل المئات من الجنود والمدنيين ونزح أكثر من 100 ألف شخص.
وحذرت منظمة هيومان رايتس ووتش هذا الأسبوع من أن استهداف روسيا العشوائي للبنية التحتية المدنية والمباني السكنية في أوكرانيا يذكّر باستراتيجية جرائم الحرب التي نفذتها في سوريا.
وأعرب الكثير من السوريين الذين ما يزالون يعيشون تحت شبح الحرب عن تضامنهم مع الأوكرانيين، قائلين إن ما يحدث الآن في أوكرانيا ليس إلا استمرارا لسياسة روسيا.
وكانت حكومة بوتين حليفا رئيسا للرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الدائرة في سوريا التي بدأت في العام 2011.
وتدخلت روسيا في الحرب الأهلية السورية عام 2015 بشن غارات جوية دعما لقوات النظام التي كانت تواجه مصاعب، وساعد دعمها العسكري في تحويل دفة الصراع لصالح الأسد.
وفي مكالمة هاتفية مع بوتين يوم الجمعة، أشاد الأسد بالغزو الروسي لأوكرانيا، قائلا إنه "تصحيح للتاريخ".
'استراتيجية جرائم حرب'
من جانبه، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم الجمعة إن قوات موسكو تستهدف المناطق المدنية مثنياً على "شجاعة" أبناء بلده.
وأضاف في تسجيل مصور "يقولون إن المنشآت المدنية ليست هدفًا لهم، لكن قولهم هذا كذبة أخرى يطلقونها، لأنهم في الواقع لا يميزون بين المناطق التي ينفذون فيها عملياتهم".
ولاقى كلام زيلينسكي صداه في تصريح للجيش الأوكراني أكد فيه أن الجنود الروس "يختارون على نحو متزايد استهداف البنية التحتية المدنية والمباني السكنية".
وفي أوبولونسكي، وهي ضاحية شمالية للعاصمة كييف، خلّفت ما يبدو أنها فرقة متقدمة من قوات الغزو الروسية سيلا من الدمار.
وكان المارة يجرون بحثا عن الأمان، وأمكن سماع نيران الأسلحة الخفيفة والانفجارات.
وشوهد رجل يرتدي ملابس مدنية ميتا على الرصيف، والمسعفون يهرعون لمساعدة رجل آخر بالقرب منه سُحقت سيارته تحت عجلات آلية مدرعة.
وفي وقت سابق من يوم الثلاثاء، سلطت منظمة هيومان رايتس ووتش الضوء على تاريخ روسيا في قصف البنية التحتية المدنية في الصراع السوري، وأعربت عن مخاوفها من إمكانية تكرار "استراتيجية جرائم الحرب" هذه في أوكرانيا.
وعقب اعتراف بوتين الأحادي بجمهوريتين مزعومتين في شرقي أوكرانيا يوم الاثنين، ذكّر مدير هيومان رايتس ووتش كينيث روث الصحافيين في جنيف في إحاطة صحافية بالفيديو بسلوك القوات الروسية في الحرب الأهلية السورية.
وكانت هيومان رايتس ووتش قد أصدرت أواخر عام 2020 تقريرا بشأن مواقف الحكومة السورية وحليفتها روسيا لجهة "أظهارهما لامبالاة قاسية" بحياة المدنيين، خلال سعيهما لاستعادة محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها في شمال غرب سوريا.
وأضاف روث أن حملة القصف التي دامت نحو عام في إدلب والتي بدأت في نيسان/أبريل 2019، "تمكننا من فهمالطريقة التي يحارب بها الجيش الروسي مؤخرا".
وتابع أن منظمته وجدت "حالات متكررة من الاستهداف المتعمد للمؤسسات المدنية، أي المستشفيات والمدارس والأسواق والمباني السكنية".
ووثق التقرير 46 حالة من الهجمات المباشرة على البنية التحتية المدنية "حيث لم يكن هناك أي دليل على أن المعارضة لديها أسلحة عسكرية أو عتاد أو أفراد في المناطق القريبة في وقت الهجوم".
وأشار روث إلى أن الاستراتيجية في هذه الحالات كانت "سافرة".
فالقاذفات الروسية كانت "تهاجم على نحو متعمد المؤسسات المدنية لجعل الحياة مستحيلة وتسهيل الأمر للقوات السورية للتقدم والدخول".
وأوضح روث أنه في ذلك الوقت، كان "لدى بوتين مسؤولية القيادة"، وأنه منح أعلى الأوسمة "للقادة الذين كانوا يشرفون على استراتيجية جرائم الحرب".
وذكر روث "نحن قلقون للغاية من احتمال تكرار استراتيجية جرائم الحرب هذه في أوكرانيا".
وأعربت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، عن مخاوف مماثلة.
وقالت باشليه في بيان إنها "شعرت بقلق عميق" عقب قرار بوتين الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونتسك ولوهانسك الانفصاليتين في شرقي أوكرانيا.
وكان بوتين قد أعلن ذلك القرار يوم الاثنين، أي قبل ثلاثة أيام من غزو أوكرانيا.
وأضافت باشليه يوم الثلاثاء أن "أي تصعيد كبير في العمليات العسكرية يزيد من مخاطر ارتكاب انتهاكات حقوق إنسان جسيمة وانتهاكات للقانون الدولي الإنساني".
السوريون يقفون إلى جانب أوكرانيا
ونظرا لتجربتهم مع القصف الروسي والغارات الجوية في بلدهم، أعرب الكثير من السوريين عن تضامنهم مع أوكرانيا مع تصاعد الأزمة.
ففي حديثه لقناة الجزيرة، قال أحد أهالي مدينة بنش في إدلب رسّام الجرافيتي، عزيز الأسمر، إن "النظام السوري وحلفاءه الروس حولوا بيوتنا إلى أنقاض على مدار السنوات الـ 11 الماضية، ما أدى إلى نزوح كثير من الناس من منازلهم وقراهم".
وأضاف أن "ما يحدث الآن في أوكرانيا هو استمرار لسياسة روسيا".
وتذكر أحد أهالي إدلب، فايز الدغيم، حين أجبره القصف الروسي وكثيرين آخرين على الفرار من بلداتهم ومدنهم نحو الحدود التركية.
وقال في حديث للوسيلة الإعلامية "كان المشهد مماثلا" لما يحدث الآن في أوكرانيا.
وتساءل "من أعطى بوتين الحق في قتل الناس وطردهم من أرضهم؟ ألا يوجد أحد في العالم قادر على وقف جرائم روسيا ووضع حد لها؟".
يقدّر أن الحرب في سوريا أدت إلى مقتل نحو نصف مليون شخص، وشردت ملايين آخرين منذ بدايتها بقمع وحشي للاحتجاجات المناهضة للنظام في العام 2011.