في وقت يوحي فيه المفاوضون الإيرانيون للمجتمع الدولي أن بلدهم مهتم بإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، يمضي النظام الإيراني قدما في تنفيذ مجموعة من الأنشطة النووية السرية وارتكاب انتهاكات صارخة أخرى.
ومن شأن العودة إلى الاتفاق، الذي يعرف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، أن ترفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران مقابل امتثالها الكامل للقيود التي وضعت على أنشطتها النووية.
إلا أن إيران تواصل مخالفة شروط الاتفاق عبر توسيع أنشطتها النووية، والتفت على العقوبات مرارا وتكرارا عبر انخراطها في أنشطة مالية غير قانونية، وفقا لمعطيات حديثة.
ويوم الأربعاء، 29 حزيران/يونيو، قال ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة "خاب أملها" في المباحثات غير المباشرة الجارية في الدوحة بتنسيق وسطاء من الاتحاد الأوروبي، قائلا إنه "لم يتم إحراز أي تقدم".
وأضاف الناطق أن "إيران أثارت قضايا لا علاقة لها على الإطلاق بخطة العمل الشاملة المشتركة، ويبدو أنها غير مستعدة لاتخاذ قرار جوهري حول ما إذا كانت تريد إحياء الاتفاق أم دفنه".
وقبيل المفاوضات الأخيرة، كانت إيران تعمل على بناء نفقا واسعا في جنوب موقع نطنز النووي، حسبما أوردت صحيفة نيويورك تايمز يوم 16 حزيران/يونيو.
وأفادت الصحيفة أن "عملية الإنشاء واضحة على صور الأقمار الاصطناعية، وتم رصدها من قبل مجموعات ترصد انتشار منشآت نووية جديدة".
وقال خبراء للصحيفة أن هذه الخطوة هي "أضخم جهد تقوم به طهران حتى الآن لبناء منشآت نووية في عمق الجبال التي تستطيع أن تتحمل القنابل الخارقة للتحصينات والهجمات السيبرانية".
ويوم 17 حزيران/يونيو، استشهدت وكالة رويترز بوثيقة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقول إن إيران تصعد عمليات تخصيب اليورانيوم أكثر وأكثر عبر التحضير لاستخدام أجهزة طرد مركزي من طراز IR-6 في منشأتها تحت الأرض بموقع فوردو، علما أن هذه الأجهزة تستطيع أن تتنقل بسهولة أكثر بين مستويات التخصيب.
يذكر أن الاتفاق النووي لعام 2015 لا يسمح بتخصيب اليورانيوم في موقع فوردو.
بدوره، استشهد معهد الولايات المتحدة للسلام بتقرير مسرب من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم 7 حزيران/يونيو، جاء فيه أن إيران خزنت ما يزيد عن 18 ضعفا من مقدار اليورانيوم المخصب المسموح به بموجب اتفاق عام 2015، واصفا الأمر بأنه "غير مسبوق".
وأضاف التقرير إن المخزون المتزايد يعني أنه "بوسع إيران أن تجميع وقود كاف لصنع قنبلة نووية واحدة في غضون أسابيع قليلة".
الالتفاف على العقوبات
وقال محللون للمشارق إن إيران باتت الآن أكثر عزلة من أي وقت مضى في المنطقة، لكن ذلك لا يبدو أنه يردع النظام عن ارتكاب انتهاكات وإجراء أنشطة غير قانونية.
ولم يوقف أيضا الحرس الثوري الإيراني عن التدخل في شؤون البلاد الأخرى، بشكل يهدد سلامها واستقرارها.
وتواصل إيران مخالفة العقوبات المفروضة على بيع نفطها عبر استخدام وسائل غير مشروعة، مثل إنشاء شركات واجهة في الصين والإمارات.
ويوم 16 حزيران/يونيو، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شبكة من منتجي البتروكيماويات الإيرانيين وشركات واجهة تابعة لهم تدعم شركة ترايليانس بتروكاميكل ليمتد وشركة بتروكاميكال كوميرشال الإيرانية.
وذكرت وزارة الخزانة الأميركية أن هذه الكيانات محورية في عمليات التوسط لبيع البتروكيماويات الإيرانية في الخارج، وأن عقوبات فُرضت عليها "لتقييد صادرات البترول والمنتجات البترولية والمنتجات البتروكيماوية من إيران".
وقال المحلل السياسي المقيم في كرمان فارامرز إيراني للمشارق، إن العقوبات الأميركية قضت على الأرباح العالية التي كان الوسطاء يجنونها عبر التهرب من العقوبات.
وأوضح أن هؤلاء الوسطاء هم أشخاص تابعون للنظام ويعرفون بأنهم "مستفيدون من العقوبات"، وجعلوا من الالتفاف على العقوبات عملا تجاريا.
'جنة غسيل أموال'
إلى هذا، تمكنت إيران من تحسين وضعها المالي بصورة مؤقتة عبر استخدام الخدمات المصرفية في الصين وبعض بلدان الشرق الأوسط، من ضمن بلدان أخرى.
وفي تقرير بتاريخ 22 حزيران/يونيو، قالت صحيفة وول ستريت جورنال نقلا عن دبلوماسيين ومسؤولين غربيين وإيرانيين، إن إيران تهربت من العقوبات "عبر شبكة من الشركات الوكيلة وشركات الصرافة والوسطاء".
وقال خبير أسواق المال، حسن زماني، إن الكيانات الإيرانية التي تسيطر عليها الحكومة افتتحت حسابات مصرفية خارج إيران وأنشأت شركات واجهة تبيع النفط الإيراني والمنتجات النفطية الإيرانية بأي عملة ممكنة.
وأضاف أنه حتى البنك المركزي الإيراني أنشأ غرفة تجارة بالصرف الأجنبي، غرضها الوحيد هو تحصيل تلك المدفوعات وتحويل أموالها إلى إيران.
وذكر زماني أن "إيران تمثل راهنا جنة غسيل أموال، خصوصا أنها ليست عضوا في فريق العمل المعني بالإجراءات المالية".
وبينما تبدو طهران ظاهريا متحمسة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، فقد أخفقت في الوفاء بالتزاماتها، حسبما قال خبراء. وتعرّض انتهاكاتها الوضع السياسي والاقتصادي العام للبلاد للخطر، وتؤدي إلى عزلها أكثر وأكثر عن المجتمع الدولي.
وأضافوا أن النظام يتسبب في إفقار غالبية الشعب الإيراني عبر الالتفاف على العقوبات واستخدام الأرباح في تسليح حزب الله اللبناني وغيره من الميليشيات الوكيلة، بما في ذلك الميليشيات في العراق وسوريا واليمن.
وهذا المناخ الاقتصادي في إيران هو السبب الرئيس وراء الاحتجاجات التي تصاعدت خلال الأشهر الأخيرة في جميع أنحاء البلاد.