كان الحرس الثوري الإيراني عند تكوينه قوة موجهة أيديولوجيا مكلفة بإيصال نظام روح الله الخميني إلى السلطة و"تصدير الثورة".
وقال محللون إنه خلال العقود الأربعة التالية، شدد الحرس الثوري تركيزه على التدريب الإيديولوجي وأعطاه ثقلا مساويا للتدريب العسكري وكافأ ورقى العناصر الأكثر راديكالية.
ومثلما يشير اسم هذه المؤسسة، الذي لا يتضمن حتى اسم "إيران"، فإن القدرات العسكرية للحرس الثوري الإيراني ليست موجهة لأي غرض داخلي حقيقي غير قمع المعارضة.
ويعود ذلك لكون الحرس الثوري أنشأ بصورة رئيسة لتنفيذ سياسات التوسع الإقليمية وتحقيق مهمة "تصدير الثورة"، وهو هدف مؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني.
لذا، يتم تلقين مجنديه ومتدربيه ومكافأتهم بالترقيات على أساس مستوى ولائهم للمعتقداته الجوهرية ومدى التزامهم بأنشطته الإقليمية.
وفي تقرير صدر بتاريخ 3 أيار/مايو، قال معهد الشرق الأوسط إن جهود التلقين العقائدي التي ينفذها الحرس الثوري الإيراني قد تزايدت مؤخرا، مشيرا إلى أن الاستثمار في زيادة عمليات التلقين حقق منافع للنظام.
وتابع التقرير أن الالتزام الأيديولوجي تتم مكافأته برواتب أعلى ويؤدي إلى الترقيات والصعود ضمن صفوف الحرس.
وأشار إلى أن الجيلين الثالث والرابع من عناصر الحرس (أولئك الذين تم تجنيدهم بين عامي 2000 و2020) هم ضمن الأكثر راديكالية أيديولوجيا.
قولبت المجندين
وقال محللون إن الحرس الثوري ينتقى لأغراض التجنيد الأفراد الميالين أيديولوجيا، ومن ثم يكونون قابلين للتلقين العقائدي، أو أولئك الذين يحتاجون الدعم المالي ويقوم بقولبتهم حسبما يرغب.
وتتم مكافأة أعضاء هذه المؤسسة التي أصبحت الآن لاعبا رئيسا في السياسة والاقتصاد بإيران، على تطرفهم والتزامهم بعقيدة ولاية الفقيه.
وتدعو هذه العقيدة للولاء للزعيم الإيراني علي خامنئي الذي يستحوذ على السلطة الأعلى في إيران ويدعم بقوة الحرس الثوري.
وولاية الفقيه هي مصطلح فقهي شيعي تستخدمه إيران لتبرير نظام الحكم الديكتاتوري فيها وتصدير "الثورة" إلى جميع أنحاء المنطقة. لكن التفسير الإيراني لهذه العقيدة مرفوض إلى حد كبير في المجتمع الشيعي الأوسع الذي يعتبره شذوذا دينيا.
ويقع التدخل الإقليمي في لب التفسير الإيراني لهذه العقيدة، وذلك من خلال تصدير الثورة.
وويحتفظ خامنئي بعلاقات وثيقة مع الحرس الثوري الإيراني، ويؤثر على كل قراراته واستراتيجياته وأعماله.
وفي هذا السياق، قال محلل سابق في البحرية الإيرانية طلب عدم الكشف عن هويته للمشارق، إن "خامنئي والنظام يدينان بالفضل للحرس الثوري الإيراني".
ويستأثر الحرس الثوري بحصة كبيرة متزايدة من ميزانية البلاد على قطاعات رئيسة في الاقتصاد الإيراني ويهمين عليها.
فهو يمتلك حصصا مهيمنة في مجالات النفط والاتصالات والنقل والموانئ والشحن والجمارك وصناعات التصدير والاستيراد، وأيضا في القطاعات الصناعية والزراعية.
تهميش الجيش
وأضاف المحلل البحري الإيراني السابق إن الجمهورية الإسلامية أعطت الأولوية للحرس الثوري الإيراني على القوات المسلحة التقليدية، مشيرا إلى أن "الأيديولوجيا تأتي قبل الخبرة بالنسبة للحرس الثوري".
وأضاف أن "القوة شُكلت في مطلع عصر الثورة [في بداية الثمانينيات] للالتفاف على الجيش المدرب بصورة مهنية، والذي كان الثوار يعتبرونه غير وفي وربما حتى متعاطف مع الغرب".
وتم تهميش القوات المسلحة التقليدية، سواء من حيث الميزانية أو الدفاع، منذ نهاية الحرب العراقية-الإيرانية. كما أنها لا تحظى بثقة الحرس الثوري أو خامنئي.
وكان الحرس الثوري هو الذي يهيمن منذ فترة طويلة على شعبة اللوجستيات والتحضيرات بالقوات المسلحة الإيرانية، التي تعرف باسم إتكا.
ولكن وفي ملف سرب في فبراير/شباط، أشار مسؤول بارز بالحرس الثوري "علينا [الحرس الثوري] أن نتصرف بموضوع إتكا، لأن عناصر القوات المسلحة حاولوا مؤخرا التغلغل فيها".
وعلى الرغم من التدريب العملي الذي تحصل عليه القوات المسلحة، إلا أنها لا تلعب إلا دورا هامشيا في المجال العسكري العام بالبلاد
وقال باباك أصلانينيا، وهو خبير عسكري مقيم في إيران وضابط سابق بالقوات المسلحة الإيرانية، إن "خامنئي، وهو القائد العام، يعلم جيدا أوجه القصور في الحرس الثوري، ومع ذلك يصر على إعطائه الأولوية على القوات المسلحة".
وأضاف أن "مثالا على أوجه القصور هذه هو إسقاط طائرة الخطوط الجوية الأوكرانية 752. وبدلا من الدفاع عن سيادة بلدنا، فقد قتلوا شعبنا، وهذا مجرد مثال واحد".
وتابع أن "خامنئي والحرس الثوري يركزان أكثر على الأصولية الإسلامية، وعلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري وأفعاله المزعزعة للاستقرار في المنطقة، على حساب الدفاع عن البلد".
وأشار أصلانينيا إلى أن "ذلك يعود لأن الشعب والسيادة الوطنية لم يكونا أبدا هامين بالنسبة لهما".
مكافأة الأكثر تطرفا
ومع تغلغل الحرس الثوري أكثر وأكثر في المشهد السياسي بإيران، فقد ارتفع أيضا عدد أعضائه الذين تم تعيينهم كسفراء في المنطقة وعمداء ومدراء ومدراء متوسطين في الحكومة.
وقام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بملء مجلس وزرائه بمتشددين، وكثيرون منهم مسؤولون سابقون في الحرس الثوري، وذلك على نحو غير مسبوق.
وبينهم المسؤول السابق في الحرس الثوري محمد باقر قاليباف، الذي كان مقربا من قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني.
ومع أنه اتهم باختلاس مبالغ طائلة أثناء عهدته كعمدة لطهران، فقد أفلت قاليباف دون أن يمس في محاكمة شهدت إدانة آخرين، ثم مضى ليصبح رئيسا للبرلمان في أيار/مايو 2020.
وفي نيسان/أبريل، احتل عناوين الصحف مرة أخرى بسبب رحلة أسرته المترفة إلى تركيا. فقد عاد أفراد أسرته بـ 20 حقيقة ضخمة ممتلئة بأغراض اشتروها، ما أثار غضبا عاما في وقت يعاني فيه كثيرون بإيران معاناة كبيرة.
وجاء ذلك في وقت يصف فيه مسؤولو النظام، بمن فيهم خامنئي، مدى البساطة التي يعيشون بها حياتهم والأغراض القليلة التي يمتلكونها، وذلك على الرغم من كل الأدلة التي تشير إلى خلاف ذلك.
وأضاف المحلل البحري "إذا نظرنا إلى السنوات الـ 40 الماضية، لا أعتقد أننا سنجد مثالا لضابط كبير في الحرس الثوري تمت ملاحقته لأي سلوك سيئ ارتكبه في إيران أو في الخارج".
وتابع "في أقصى الحالات، يتم تغيير مواقعهم أو يعطون مناصب أو وظائف جديدة".
وقد أجج ذلك الاستياء داخل إيران التي تواجه أزمة اقتصادية حادة فيما يملء الحرس الثوري خزائنه ويمول وكلائه الإقليميين، وأثار احتجاجات شعبية ساعد الحرس الثوري في قمعها.