بعد أسابيع من المشاورات وعدة تعديلات، أعلن الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي عن لائحة مرشحيه لمجلس الوزراء ورفعها إلى البرلمان (المجلس) لإقرارها.
ويتميز مجلس الوزراء هذا بعناصره التابعين للحرس الثوري الإيراني والمناهضين للغرب، حيث أن عددا كبيرا من المرشحين هم عناصر حاليون أو سابقون في الحرس الثوري أو مسؤولون فرضت عليهم عقوبات.
ولم تشمل اللائحة أية نساء أو أقليات دينية.
وعوضا عن ذلك وفي حال تم إقرارها، ستضم حكومة رئيسي أكبر عدد من الشخصيات العسكرية في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
مسؤولون على لائحة العقوبات
وقد اختار رئيسي، وهو رجل دين ومقرب من الزعيم الإيراني علي خامنئي، عددا غير مسبوق من القياديين الحاليين والسابقين في الجيش أو الحرس الثوري ليترأسوا وزارات مختلفة، وقد بلغ هذا العدد 8 (من أصل 19).
كذلك، ضمت اللائحة عددا غير مسبوق من المسؤولين المدرجة أسماؤهم على لائحة العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.
يُذكر أن العديد من المسؤولين أو القياديين في الحرس الثوري الذين تم استبعادهم من حملة الترشح للرئاسة من قبل مجلس صيانة الدستور، أو الذين كانوا يعرفون أنهم لن يفوزوا في الانتخابات، باتوا اليوم مرشحين لمناصب مجلس الوزراء.
ومن بين هؤلاء القيادي السابق في الحرس الثوري رستم قاسمي.
وقد رُشح قاسمي، البالغ من العمر 57 عاما وكان وزيرًا للنفط في إيران بين آب/أغسطس 2011 وآب/أغسطس 2013 في ولاية الرئيس محمود أحمدي نجاد، لهذا المنصب مجددا تحت ولاية رئيسي.
وكان قاسمي قد ترأس أيضًا مقر خاتم الأنبياء للإعمار بين العامين 2007 و2011، وكان قائدا لقاعدة نوح البحرية التابعة للحرس الثوري.
وقد أدرجت الولايات المتحدة اسم قاسمي على لائحة العقوبات في العام 2019، على خلفية عمله لصالح فيلق القدس التابع للحرس الثوري.
وإلى جانب قاسمي، فرضت عقوبات على مرشحين لمجلس الوزراء هم غلام حسين إسماعيلي ومحمد مخبر وعزة الله زرغامي ومحمد رضا أشتياني، من قبل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو من كلا الطرفين.
وقد رٌشح إسماعيلي ليكون رئيس الأركان لدى رئيسي، كما رُشح مخبر ليكون نائب الرئيس، في حين رشح زرغامي (المدير السابق لإذاعة جمهورية إيران الإسلامية) وزيرا للسياحة والتراث الثقافي وأشتياني وزيرا للدفاع.
مجلس وزراء مهمش ومعسكر
ومن الأوجه المهمة للحكومة المقترحة من رئيسي، تشابهها الواضح مع حكومة الرئيس الأسبق أحمدي نجاد لدرجة أن البعض أطلق عليها اسم "إدارة أحمدي نجاد الثالثة".
حيث تضم قائمة مرشحي رئيسي 10 من إدارة الرئيس الأسبق.
وإلى جانب المرشحين لمختلف الوزارات، فإن مسعود ميركاظمي، الذي طرح اسمه ليشغل منصب رئيس منظمة التخطيط والميزانية، كان أيضا مسؤولا عسكريا سابقا وقد خدم في حكومة أحمدي نجاد.
ولا تضم قائمة رئيسي أسماء لنساء يشغلن مناصب رفيعة.
وحتى حكومة أحمدي نجاد ضمت وزيرة واحدة (للصحة)، وهو خيار لم يتخذه رئيسي أو الرئيس السابق حسن روحاني.
وقبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حذر العديد من المحللين والمراقبين من احتمال عسكرة النظام مع تطلع الكثير من الشخصيات الحالية والسابقة في الحرس الثوري إلى الخدمة في مناصب رفيعة.
ولم يعد الحرس الثوري الآنيهيمن فقط على الجيش الإيراني والاقتصاد المحلي، بل بات يعمل بتعاون وثيق مع خامنئي للسيطرة على الساحة السياسية.
وفي السياق نفسه، رشح رئيسي إسماعيل خطيب لمنصب وزاري رفيع، علما أن هذا الأخير هو عنصر في فريق العمليات بالحرس الثوري.
وشملت قائمة المرشحين رجل دين واحد هو علي عبدالله، وقد طرح اسمه ليترأس وزارة المخابرات.
وتقضي قاعدة غير مكتوبة بأن يكون وزير المخابرات دوما رجل دين، ويوافق على اسمه خامنئي مباشرة.
انعزال إضافي عن الغرب
كذلك، اختار رئيسي حسين أمير عبداللهيان البالغ من العمر 57 عاما لمنصب وزير الخارجية، علما أن هذا الأخير مقرب من فيلق القدس التابع للحرس الثوري ويقدم المشورة لقسم الشؤون الدولية في البرلمان.
ونقل على لسان أمير عبداللهيان قوله إنه يلتزم بالموقف السياسي لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الراحل قاسم سليماني، مما يعني إعطاء الأولوية للحرس الثوري والسياسيات التوسعية الإقليمية على حساب العلاقات مع دول الغرب.
ويكشف تعيينه من قبل الرئيس الجديد كوزير خارجية أن رئيسي غير مهتم بتوسيع العلاقات الدولية ولا سيما مع الغرب.
ويعرف أمير عبداللهيان في الأوساط السياسية الإيرانية بأنه "دبلوماسي متعصب"، وفي حال تم تأكيد تعيينه واختير لمواصلة المفاوضات مع الغرب لإحياء اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، فستؤثر مواقفه على موقف إيران في المحادثات، كما من المرجح أن تغير نتيجة هذه المحادثات بصورة جذرية.
وقالت الباحثة السياسية الإيرانية ماري عبدي في دراسة لمعهد الشرق الأوسط صدرت في 17 آب/أغسطس، إنه "أكثر تشاؤما حيال الغرب وأكثر ودًا حيال روسيا والصين وأكثر تصميما على الدفاع عن الميليشيات التابعة لإيران في المنطقة مقارنة بـ [وزير الخارجية السابق جواد] ظريف".
وفي هذه الأثناء، أشارت وسائل إعلام إيرانية شبه رسمية إلى احتمال كبير بتولي المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يتبع خامنئي مباشرة المسؤولية عن الجولة الجديدة من المفاوضات النووية عوضا عن وزارة الخارجية التي تولت هذه المهمة حتى اليوم.
أما مرشح رئيسي لوزارة الداخلية أحمد وحيدي، فهو مستشار جامعة الدفاع الوطني الإيرانية التابعة للحرس الثوري وقائد سابق لفيلق القدس. وكان قد شغل منصب وزير الدفاع في الولاية الثانية لأحمدي نجاد.
وفي شباط/فبراير 2019، وصف وحيدي المدرج اسمه على لائحة العقوبات الخاصة بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجموعة العمل المالي بأنها ليست فريق عمل اقتصادي بل نظام استخبارات وتجسس مستقل عن الأمم المتحدة.
وقد كان اسم وحيدي مدرجًا على لائحة الإنتربول منذ العام 2007 بعد أن أصدرت الأرجنتين اتهاما بحقه بتنفيذ عمل إرهابي في الاعتداء الدامي خلال العام 1994 على مركز مجتمعي يهودي، هو مركز الرابطة الإسرائيلية الأرجنتينية المتبادلة، اتهم فيه حزب الله اللبناني.
وقد نددت وزارة الخارجية الأرجنتينية بتعيين وحيدي، واصفة إياه بأنه إهانة للنظام العدلي في الأرجنتين وللضحايا الذين سقطوا في المركز.
وتكشف اختيارات رئيسي لمجلس الوزراء عن توجه عام للذهاب شرقا ولا سيما باتجاه الصين وروسيا، وذلك على حساب تحسين العلاقات مع الغرب.