قام رئيس البرلمان الإيراني (المجلس) محمد باقر قاليباف وعدة شخصيات رفيعة أخرى بالتلاعب سرا بالموازنة السنوية للجمهورية الإسلامية من أجل ضخ مئات الملايين من الدولارات إلى الحرس الثوري والمؤسسات الحليفة له، حسبما ذكرت وسائل الإعلام المحلية.
وتتلقى المؤسسات التي تستفيد من هذه الخطوة السرية أوامرها مباشرة من المرشد الأعلى علي خامنئي أو الحرس الثوري.
ويعد هذا التلاعب غير المسبوق في الموازنة، والذي خلق موجة غضب في صفوف العديد من أعضاء البرلمان في إدارة الرئيس حسن روحاني، الأول من نوعه في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
وقال مراقبون إن هذا ليس إلا مثالا جديدا على سوء الإدارة الاقتصادية المتفشي للنظام وفساده، لافتين إلى أنه لم يتم يوما تعديل مشروع قانون موازنة كان قد تمت الموافقة عليه وإقراره من قبل البرلمان.
يُذكر أن البرلمان أقر الموازنة السنوية في آذار/مارس بعد جولات عديدة من المداولات، وذلك بعد أن أرسلت مجددا إلى إدارة روحاني للمراجعة استجابة لأسئلة أعضاء البرلمان ومخاوفهم.
ولكن في 24 نيسان/أبريل، وجّه مائة عضو من البرلمان رسالة إلى قاليباف، استنكروا فيها ما وصفوه بـ "تغييرات كبيرة" أجراها مع آخرين على الموازنة التي كانت قد أقرت بالفعل.
واتهموا قاليباف وغيره بالانخراط في المحسوبية الاقتصادية من أجل توجيه الأموال نحو المؤسسات المفضلة لديهم والتي لا رقابة عليها، أو لا تخضع إلا لرقابة محدودة، من هيئات منتخبة.
وكان قاليباف قد واجه سابقا اتهامات بالفساد المالي، غير أنه تم رفض هذه القضايا بدون تحقيق، وقد عزا مراقبون ذلك إلى علاقته بخامنئي.
إعادة توجيه الأموال إلى الحرس الثوري
يُذكر أن التغييرات التي قيل إنها أجريت في المسودة النهائية التي أرسلها قاليباف إلى روحاني تخصص مبالغ أكبر لبعض المؤسسات.
حيث تخصص التعديلات نحو 400 مليون دولار لقوة المقاومة الباسيج، وهي جماعة شبه عسكرية تابعة للحرس الثوري ومسؤولة عن الأمن الداخلي. وقد شاركت قوة الباسيج في أعمال قمع عنيفة وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في إيران.
كذلك، تم تخصيص مبلغ إضافي بقيمة 145 مليون دولار لجامعة الإمام الحسين التابعة للحرس الثوري في طهران، مع تخصيص مبلغ مماثل لمنظمة الدعوة الإسلامية، وهي مؤسسة أوكلت إليها مهمة نشر الدعاية المؤيدة للنظام.
وفي السياق نفسه، حصلت إذاعة جمهورية إيران الإسلامية، وهي مؤسسة البث التلفزيوني والإذاعي المدعومة من الدولة، إلى جانب مجموعة من الناشطين السيبرانيين المتشددين والتابعين على الأرجح "للجيش الإلكتروني" التابع للحرس الثوري، على نحو 444 مليون دولار.
وتعتبر إذاعة جمهورية إيران الإسلامية، التي يعيّن خامنئي مديرها الذي يكون مسؤولًا أمامه مباشرة، على نطاق واسع منحازة إلى المتشددين.
هذا ولا تمثل المخصصات الكبيرة التي تعطى للمؤسسات، بما في ذلك الحرس الثوري، أمرا غير اعتيادي. ولكن من غير المألوف أن تتلاعب شخصيات رفيعة بالموازنة بعد التصديق عليها من قبل البرلمان وإقرارها من قبل مجلس صيانة الدستور.
وأشار العضو في البرلمان الإيراني إلياس نادران، وهو حليف لقاليباف، ضمنا إلى أن التعديلات لبّت طلبا من مجلس صيانة الدستور.
وذكر مستشارو قاليباف أن مؤيدي روحاني يستخدمون مسألة الموازنة لتشويه سمعة المتشددين، وذلك عبر تشويه "جزء عادي من عملية وضع الموازنة" في إيران.
ولكن ما حصل بعيد كل البعد عن العملية الاعتيادية، لا سيما أن المؤسسات التي هي بحاجة ماسة إلى تمويل، كوكالة حماية البيئة ومنظمة التخطيط والميزانية، قد خسرت الأموال، في حين أن العديد من المؤسسات التي تفتقر إلى التمويل الكافي تواجه تحديات جراء جائحة كورونا.
تلاعب ʼغير قانونيʻ بالموازنة
وفي هذا الإطار، اتهمت وكالة أنباء فارس، وهي وكالة إعلامية شبه رسمية مدعومة من الحرس الثوري، منتقدي قاليباف بـ "فبركة" الأرقام العالية.
واتهمت الوكالة أيضا وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، التي كانت أول من نشر الخبر (والتي هي جزء من إدارة روحاني)، بـ"محاولة تحويل الانتباه عن المعاناة الحقيقية التي يعيشها الشعب" تحت حكم روحاني.
وبعد التعرض للضغط، أصدرت وكالة إرنا تراجعا، قائلة إن المقالة كانت خطأ ارتكبه "مراسل مهمل".
وفي ظل احتدام الجدل، دعا أحمد توكلي، وهو رئيس سابق للجنة الموازنة في البرلمان ويرأس حاليا منظمة غير حكومية لمكافحة الفساد، قاليباف وحلفاءه لشرح كيف تم تغيير الموازنة ولأي سبب.
ومن المرجح ألا يؤدي أي تفسير يقدمه قاليباف ومؤيدوه، في حال قُدم، إلى إقناع شعب هو أصلا مقتنع بأن المسؤولين في طهران عازمون على إثراء حلفائهم.
ومن جهته، وصف الصحافي الإيراني المقيم في الولايات المتحدة شاهين محمدي أفعال قاليباف ونادران بأنها "غير قانونية".
وقال إنهما تلاعبا في واقع الأمر بالموازنة لزيادة التمويل لبعض المؤسسات عبر "أخذ الأموال من أقسام أخرى من الموازنة، وقاما بذلك بعد أن تم التصويت على مشروع القانون وإقراره من قبل البرلمان".
وفي هذا السياق، أكدت دراسة أجرتها منظمة الشفافية الدولية، وهي منظمة دولية غير ربحية تصدر مؤشرا سنويا لتصنيف الدول بحسب المستويات الظاهرة لفساد القطاع العام، الفساد المستشري في إيران.
ففي العام 2020، صنفت إيران في المرتبة 149 من أصل 180 دولة قيمتها منظمة الشفافية الدولية، وقد صُنف القضاء وأكبر الأوقاف الدينية بأنهما أقل المنظمات شفافية في إيران.