قال خبراء إن الفساد الممنهج في القطاعين العام والخاص في إيران لجهة الالتفاف على العقوبات قد جذب وسطاء من دول الشرق الأوسط، محذرين من أن ذلك قد يؤثر على الأمن الاقتصادي لتلك الدول.
وحتى في الوقت الذي يشارك فيه النظام الإيراني في محادثات العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 مع القوى العالمية، استمر في الالتفاف على العقوبات عبر بيع النفط بأسعار مخفضة إلى الصين وسوريا ، وإبرام صفقات نفطية مع فنزويلا.
ففي شباط/فبراير، رست في ميناء برشلونة الفنزويلي ناقلة نفط عملاقة ترفع العلم الإيراني تحمل أكثر من 2 مليون برميل من المكثفات، حسبما أوردت وكالة الأسوشيتيد برس. يذكر أن فنزويلا تخضع أيضا لعقوبات أميركية.
ويتطابق حجم الناقلة مع حجم الناقلة ستارلا التي تملكها شركة الناقلات الإيرانية الوطنية، وتخضع الشركة أيضا للعقوبات بسبب مساعدتها في تمويل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
ولم تعترف وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية بوصول الناقلة إلى فنزويلا، كما لم تستجب بعثة إيران في الأمم المتحدة لطلب التعليق، بحسب تقرير للوكالة.
ووفق تقرير صادر عن معهد الشرق الأوسط عام 2021، فقد زادت إيران من صادراتها غير القانونية من النفط الخام تحت غطاء سوق النفط الخليجية المعقدة.
وذكر التقرير أنه "عبر استغلال مسارات الشحن المكتظة في المنطقة ومتاهات صناعة النفط ومراكز التجارة، تمكنت إيران من بيع نفطها الخام إلى الصين وسوريا وفنزويلا وبلدان أخرى".
ويوم 1 آذار/مارس، أوردت وكالة رويترز أن مشتريات الصين من النفط الإيراني ارتفعت إلى مستويات قياسية في الأشهر الأخيرة، إذ تجاوزت ذروتها في عام 2017 حين لم تكن التجارة خاضعة لعقوبات أميركية، وذلك حسبما أظهرته بيانات تتبع الناقلات.
شركات واجهة وصفقات غير قانونية
بدورها، أوردت صحيفة وول ستريت جورنال يوم 18 آذار/مارس أن النظام الإيراني قد أنشأ شبكة مصرفية ومالية سرية للتعامل مع عشرات المليارات من الدولارات التي يتم جنيها في تجارة سنوية كانت محظورة بموجب العقوبات الدولية.
وزُعم أن الشبكة السرية تتضمن حسابات ببنوك أجنبية وشركات وكيلة مسجلة خارج إيران وشركات تنسق التجارة المحظورة.
وتشير الوثائق وتصريحات المسؤولين الغربيين إلى أن البنوك الإيرانية التي تشكل جزءا من تلك الشبكة السرية تبرم الصفقات التجارية عبر شركات تابعة لها في إيران.
وتنشئ هذه الشركات شركات في الخارج تعمل كوكلاء للنظام الإيراني.
ومن خلال الحسابات التي تفتحها في المصارف الأجنبية، تتاجر هذه الشركات بالدولار واليورو وعملات أخرى مع مشترين أجانب لنفط إيران وسلعها الأخرى، وأيضا مع الجهات التي تقوم بتصدير السلع لإيران.
ومع أنه يتم تهريب جزء من عائدات تلك الصفقات إلى إيران في صورة أموال نقدية، فإن معظم الإيرادات تظل في الحسابات المصرفية بالخارج.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤول غربي وصفه لشبكة إيران السرية بأنها "عملية غسيل أموال حكومية غير مسبوقة".
وقال خبراء للمشارق إن صفقات إيران غير المشروعة من خلال الشركات الواجهة في المنطقة تزيد من خطر إدراج البلدان التي تحدث فيها تلك الصفقات على "القائمة الرمادية" الخاصة بفريق العمل المعني بالإجراءات المالية.
وأشار المحلل السياسي بيمان زمان خاني إلى أن شركات الواجهة الإيرانية التي تديرها كيانات خاصة لها وجود كبير في دولة الإمارات، وهي ثاني أكبر شريك تجاري لإيران.
وقال إن "الولايات المتحدة قد حذرت الإمارات مرارا وتكرارا من هذا الأمر".
وأضيفت الإمارات إلى القائمة الرمادية (وهي الولايات القضائية الخاضعة لرقابة متزايدة) في آذار/مارس. كما أن الأردن وسوريا واليمن مدرجة على هذه القائمة، التي تضم البلدان التي تشكل خطرا أكبر بكثير في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
والتزمت البلدان المدرجة على القائمة رسميا بالعمل مع فريق العمل المالي المعني بالإجراءات المالية لإعداد خطط عمل تتطرق لهذه المسائل، لكنها قد تواجه عقوبات اقتصادية من المؤسسات وآثارا سلبية على التجارة.
أسرار النظام الإيراني وأكاذيبه
وكانت مجموعة القرصنة "Edaalat-e Ali" قد تداولت مؤخرا صورة لخطاب حكومي مصنف "سري للغاية" مؤرخ 6 أيلول/سبتمبر 2021 وموقع من نائب مدير شعبة الاستخبارات للشؤون القانونية في الحرس الثوري الإيراني.
ويعطي هذا الخطاب مصداقية للتقارير التي تفيد أن شعبة الاستخبارات كانت قد طلبت من النائب العام إصدار أوامر بمنع 37 مدير نفط من الإدارة السابقة من مغادرة البلاد.
ووفقا للخطاب، سعت تلك الخطوة لتجنب نقل معلومات سرية فيما يتعلق بمبيعات النفط.
وتتضمن قائمة الأفراد المذكورين في الخطاب ابن شقيق الرئيس السابق حسن روحاني وزوجته، إلى جانب بعض المدراء من منظمات ووكالات حكومية.
ومن بينهم مدراء في وزارة النفط والبنك الوطني الإيراني وشركة النفط الإيرانية الوطنية وشركة الغاز الإيرانية الوطنية والشركة الإيرانية القابضة للبتروكيماويات وشركة الناقلات الإيرانية الوطنية.
وستة من الأفراد المذكورين في الخطاب هم مسؤولون في شركة خليج فارس القابضة، وهي واحدة من أكبر شركات النفط الإيرانية، التي يعتبر الحرس الثوري الإيراني من كبار المساهمين فيها.
وقال المحلل السياسي زمان خاني إن "الاحتمال الأكبر لسبب هذا القرار هو أن النظام يشعر بالقلق من الرحيل المحتمل لمسؤولي النفط التنفيذيين من إيران وكشفهم لأسرار الدولة".
وأوضح أنه منذ تولي الرئيس إبراهيم رئيسي السلطة، فقد استخدم الحرس الثوري ومؤسسات عبر وطنية مختلفة استراتيجيات متنوعة للبقاء والالتفاف على العقوبات والقضاء على القطاع الخاص.
وكانت إدارة رئيسي قد تولت السلطة العام الماضي مع شعار "محاربة الفساد".
إلا أنه في ضوء الفساد المتواصل والمتزايد داخل النظام، أشار مركز الأبحاث شاثام هاوس الذي يقع مقره في المملكة المتحدة مؤخرا، إلى أنه "بدون إصلاح جوهري للنظام الاقتصادي، فمن المرجح أن تشهد الدولة المزيد من الاحتجاجات والقلاقل".