بدأت تطفو على السطح مخاوف من احتمال أن تعطل أنشطة الميليشيات المدعومة من إيران في العراق القطاع النفطي، وأن تجبر الشركات النفطية الأجنبية على مغادرة البلاد.
وتمكن العراق خلال السنوات الماضية من زيادة إنتاجه من النفط الخام بفضل العقود التي أبرمتها بغداد مع شركات كبرى في مجال الطاقة.
فخلال السنوات العشر الماضية، ارتفعت المعدلات اليومية لإنتاج النفط في البلاد من 2.3 مليون برميل إلى أكثر من 4 ملايين برميل في نهاية عام 2020.
ويملك العراق خامس أكبر احتياطي للنفط الخام في العالم إذ يبلغ 145 مليار برميل ويشكل 17 في المائة من الاحتياطي المثبت في الشرق الأوسط و8 في المائة من الاحتياطات العالمية، بحسب ما ذكرته إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
ويعتمد اقتصاد العراق إلى حد كبير على صادرات النفط الخام التي تشكل أكثر من 90 في المائة من عائدات البلاد.
ولكن منذ نهاية العام 2019، عمدت الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، وأبرزها كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، إلى شن هجمات صاروخية عديدة استهدفت بعثات دبلوماسية ومعسكرات عراقية وقوات التحالف الدولي التي تحارب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وطال عدد من هذه الهجمات شركات طاقة عالمية منها شركة هاليبرتون الأميركية وشركة إيني الإيطالية، مع تعرض موقعهما المشترك في البصرة لهجوم بخمسة صواريخ في 6 نيسان/أبريل 2020.
مصالح ذاتية
وفي هذا السياق، قال أحد مشايخ العشائر ثائر البياتي، إن الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني دأبت على زرع الخوف وإعاقة الاستثمارات الأجنبية لتتمكن من توجيه موارد الدولة نحو مصالحها الذاتية.
وأشار إلى أن بعض شركات النفط الكبرى التي أجبرت على خفض فرق عملها المحلية بالعراق، تنوي اليوم مغادرة البلاد بسبب هجمات الميليشيات وتهديداتها.
وفي 29 حزيران/يونيو، قال وزير النفط إحسان عبد الجبار اسماعيل إن شركات النفط "تفكر بالانسحاب من العراق والتخلي عن أعمالها".
وأكد البياتي أن "وكلاء إيران يحاولون إثارة مخاوف الشركات الغربية وتشجيعها على المغادرة لكي تستحوذ الشركات الصينية على عقود تشغيل وإدارة حقول النفط مقابل عمولات تذهب إلى جيوبهم".
واعتبر أن ذلك يجري في إطار "سعي الميليشيات لشد العراق أكثر باتجاه محور إيران"، في ضوء علاقات إيران بالصين التي توطدت عبر اتفاقيات طويلة الأمد وقعها الجانبان.
وحذر من أن انسحاب الشركات النفطية من العراق سيعني تراجعا بمستويات الإنتاج النفطي وبالتالي انخفاضا للصادرات النفطية، ما قد يؤثر على الاقتصاد والشعب العراقي.
ولطمأنة الشركات النفطية الغربية، تعهدت وزارة الدفاع بتأمين الحماية لها.
وفي هذا الإطار، قال قائد عمليات البصرة اللواء الركن علي الماجدي في اجتماع عقد بمقر شركة النفط الأميركية إكسون موبيل يوم 11 حزيران/يونيو، إن وحدته اتخذت إجراءات أمنية لتسهيل عمل شركات النفط وإنه سيتم إرسال قوات دعم إلى كل الحقول النفطية.
وأضاف أن الوضع الأمني في البصرة جيد، مؤكدا "نحن على اطلاع كامل على الملف الأمني... ولا داعي للقلق والخوف".
يُذكر أن العراق وقّع في 17 حزيران/يونيو عقدا مع شركتي النفط الأميركيتين إكسون موبيل وشلمبرغير لحفر 96 بئر نفطي في حقل غرب القرنة 1 في البصرة.
وقال وزير النفط إسماعيل خلال حفل التوقيع، إن العقد "سيزيد إنتاج النفط في حقل القرنة-1 النفطي بمعدل 200 ألف برميل في اليوم خلال السنوات الخمس المقبلة".
تحديات أخرى أمام قطاع النفط
ويأتي التهديد الأمني الذي تشكله الجماعات المدعومة من إيران، وسط تغيرات في قطاع النفط العراقي وتهديدات أخرى.
وكشف الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، أن شركات الطاقة واجهت مشاكل أمنية غير تلك التي تسبب بها وكلاء الحرس الثوري.
وأوضح أن بعض الأهالي الذين تأثرت مزارعهم جراء توسع خطوط الأنابيب وأجبروا على تركها مقابل وعود زائفة بالتعويض وبفرص عمل، نظموا تظاهرات احتجاجية عدة واقتحموا مقار شركات النفط.
وقالت وزارة النفط في بيان إن فلول داعش ما يزالون يشكلون خطرا على الحقول النفطية الشمالية بالعراق. وفي 5 أيار/مايو، فجّر مقاتلون يشتبه بانتمائهم لداعش بئرين نفطيين في حقل باي حسن بكركوك.
ولفت المشهداني إلى أن عقود عدد من الشركات الغربية ستنتهي، فضلا عن تحويل شركات أخرى استثماراتها من النفط إلى الغاز الطبيعي، كشركة شل الأميركية.
وذكر أن وزارة النفط العراقية تبحث في هذه الأثناء في اقتراح شراء حصص من أرباح تشغيل الحقول من الشركات الأجنبية وتحمل مسؤولية تشغيل هذه الحقول النفطية.
وتابع أن الهدف هو تحقيق إدارة أمثل لقطاع الطاقة في ظل التغيرات والتحديات الحالية.