قال مراقبون إن الجماعات شبه العسكرية العراقية حققت مكاسب سياسية في الانتخابات البرلمانية لعام 2018 بعد هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، لكنها ستواجه تحديا قويا في الانتخابات القادمة المقرر إجراؤها في تشرين الأول/أكتوبر.
وقد خسرت الميليشيات الدعم مع استمرارها في تهديد أمن العراق واستقراره وسيادته من خلال تنفيذ هجمات ضد أهداف عراقية ودولية وترهيب المعارضين السياسيين أو قتلهم.
وألقيت اللائمة بصورة واسعة على الميليشيات العراقية التي تدعمها إيران في قتل أكثر من 70 ناشطا عراقيا أو الاعتداء عليهم أو خطفهم منذ انطلاق التظاهرات الشعبية في تشرين الأول/أكتوبر 2019.
وفي آخر مثال على هذا الترهيب، تم خطف ناشط عراقي كان ينتقد الميليشيات المدعومة من إيران وتم الاعتداء عليه خلال عطلة نهاية الأسبوع.
فاختفى الصحافي والناشط والباحث علي مقدام يوم الجمعة، 9 تموز/يوليو، ما آثار قلقا واسعا بين أصدقائه ومؤيديه، قبل أن يُطلق سراحه في وقت متأخر من يوم السبت وهو مصاب عند أطراف بغداد.
وزاره رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يوم الأحد في أحد مستشفيات بغداد حيث كان قد نُقل بعد أن حررته قوات الأمن من قبضة مختطفيه.
وحتى الآن هذا العام، استهدف نحو 50 هجوما تحمل بصمات الميليشيات التي تدعمها إيران، قواعد تضم قوات من التحالف الدولي المناهض لداعش وسفارات ومواكب لوجستية عراقية.
وقد تبنت جماعة ثأر المهندس التابعة لكتائب حزب الله المسؤولية عن آخر وابل من الصواريخ أطلق على قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار.
كما استهدفت الموجة الأخيرة من عنف الميليشيات قوات التحالف الدولي في سوريا المجاورة أيضا.
وسقطت يوم الأحد قذيفة هاون على حقل كونكو للغاز في محافظة دير الزور شرق سوريا بالقرب من قاعدة تضم قوات من التحالف الدولي، وفقا لما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقال المرصد إنه لم ترد أية تقارير فورية حول وقوع إصابات، مشيرا إلى أنه من المرجح أن تكون الميليشيات الموالية لإيران المسؤولة عن الحادث الذي جاء عقب سلسلة من الهجمات على حقل العمر المجاور. ويضم حقل العمر أيضا قوات من التحالف الدولي.
فقدان الدعم السياسي
وكان التحالف شبه العسكري الذي شكّل منذ 7 سنوات لمحاربة تنظيم داعش، قد اندمج في القوات المسلحة للدولة، لكنه سرعان ما تحول إلى العمل السياسي.
ويقول خبراء إن هذا التحالف أصبح القوة المهيمنة في المشهد السياسي العراقي، حيث أنه يملك ثاني أكبر كتلة في البرلمان العراقي وله أصدقاء أقوياء في إيران وموارد مالية ضخمة.
وصرح مسؤول عسكري بارز لوكالة الصحافة الفرنسية شريطة عدم الكشف عن هويته، أن التحالف له عملاء في صفوف القوات المسلحة النظامية بالبلاد.
وأضاف أن الجماعات المسلحة ضمن التحالف تعمل على تجزئة قوات الأمن الحكومية في محاولة "لإضعافها وتقسيمها"، مع أن القادة الوطنيين يحاولون مقاومة هذه الجهود.
هذا وتدير الميليشيات بعضا من الموانئ والمعابر الحدودية البرية بالعراق حيث تساعد الرشاوى في تمويل عملياتها ودعم حلفائها بما في ذلك إيران وأذرعها في المنطقة مثل حزب الله.
وقد ساعدت شعبية التحالف شبه العسكري في نقله إلى المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية لعام 2018، وكانت هذه المرة الأولى التي يشارك فيها كقوة سياسية.
ولكن يقر مسؤولو التحالف شبه العسكري وآخرون أنهم يتوقعون نتيجة أقل في الانتخابات القادمة في تشرين الأول/أكتوبر.
وقال النائب العراقي السابق طه اللهيبي، إن التحالف بات كيانا خطيرا يهدد العراق بموارد الدولة، إذ يتلقى تمويلا سنويا من الخزانة العراقية.
وخصصت الحكومة له أكثر من 2.4 تريليون دينار عراقي (1.6 مليار دولار) في عام 2020، وهو مبلغ فاق مجموع موازنات عدة وزارات.
ʼلا احترام للقانونʻ
وأكد اللهيبي أنه بالرغم من الامتيازات التي حصلت عليها، فإن الكثير من الميليشيات لا تعتبر نفسها جزءا من الدولة "إلا عندما يتعلق الأمر بمخصصاتها المالية".
وأوضح أنها لا تظهر أدنى احترام للدولة وتعرّض العراق دائما للخطر بأفعالها.
وأشار إلى أن الحرس الثوري الإيراني يعتبر تلك الميليشيات "قوة عسكرية رديفة"، مبينا أن إيران تعتزم استخدامها "لإضعاف الجيش العراقي وجعل العراق رهينة بيدها".
بدوره، قال جليل خلف المحمداوي وهو ضابط عراقي متقاعد، إن الميليشيات التي تدعمها إيران تحارب الدولة العراقية وتنشر الإرهاب وتعتدي على المدنيين.
وأضاف "طوينا صفحة داعش بتضحيات وخسائر فادحة ونريد من العالم اليوم مد يد العون لنا لإعمار البنية التحتية المدمرة وبناء الاستقرار والمستقبل الزاهر".
واستدرك قائلا "تحاول الميليشيات إدخالنا في نفق مظلم عبر جر بلادنا للصراعات والحروب".
ومع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، يخشى بعض المراقبين تكرار سيناريو العام 2018 عندما استغلت الميليشيات نفوذها وسلاحها لتحقيق مكاسب سياسية وتأمين مقاعد لها في البرلمان الحالي.
ولكن قال آخرون إن نفوذ الميليشيات يتضاءل بشكل واضح..
وفي هذا السياق، قال الكاتب والصحافي سرمد الطائي إن الميليشيات فقدت رصيدها لدى الرأي العام العراقي بعد قمعها العنيف للاحتجاجات الشعبية، مشيرا إلى شعار "نريد وطنا" الذي استخدمه الحراك الشعبي.
وأضاف أن هذا يشير إلى رغبة الشعب العراقي في إنشاء مشهد سياسي شعبي حر جديد بدون ترهيب أو تأثير من إيران.