كشف محللون أن طريق خط الأنابيب عبر البلاد العربية السعودي (التابلاين) لعب دورا مهما في حرب الخليج مع تحوله إلى خط حيوي للإمداد العسكري، ويمكن استخدامه مرة أخرى لهذا الغرض إذا احتاجت المملكة إلى الدفاع عن أراضيها.
وكان العمال قد بنوا خط الأنابيب بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لتوفير وسيلة أسرع وأكثر فعالية لنقل النفط من الخليج العربي إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.
ووفقا لمقال نشر في 27 أيار/مايو في مجلة عناصر التابعة لشركة أرامكو، "في الماضي، كان السفر بالسفن من السعودية إلى البحر المتوسط عبرقناة السويس رحلة طويلة ومكلفة، إذ كان قطع 3600 ميل [5794 كيلومترا] يستغرق تسعة أيام".
ولاستيعاب الزيادة المتوقعة في الطلب على النفط الخام، تأسست شركة خط الأنابيب عبر البلاد العربية في عام 1944 وبدأ بناء خط الأنابيب عام 1948.
وفي عام 1950 انتهى بناء خط الأنابيب وبدأ ضخ النفط عبره.
وكان خط الأنابيب الذي يزيد طوله عن 1600 كيلومتر ينقل في أول الأمر النفط الخام من منطقة رأس مشعاب على ساحل المملكة على الخليج إلى محطة بالقرب من ميناء صيدا اللبناني.
لكن بعد توقف نقل النفط إلى ميناء صيدا جراء الحرب الأهلية اللبنانية، تم عام 1983 تحويل خط الأنابيب إلى ميناء الزرقاء الأردني حتى توقف نقل النفط عبره تماما عام 1990.
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، تم تصنيف خط الأنابيب المتوقف كأول موقع تراث صناعي مسجل رسميا في المملكة تقديرا لأهميته التاريخية والاقتصادية.
وفي الوقت الذي خرج فيه خط الأنابيب عن الخدمة وبات من التاريخ، ما يزال الطريق المرتبط به صامدا ويلعب دورا حيويا.
ومع تصاعد التوترات بسبب مواصلة إيران لأنشطتها المزعزعة للاستقرار، تستعد قوات إقليمية ودولية لسيناريوات محتملة تحاول إيران من خلالها عرقلة حرية ملاحة ناقلات النفط والناقلات التجارية في الممرات المائية الإقليمية الحيوية مثل الخليج العربي ومضيق هرمز وخليج عمان وخليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر.
من جهة أخرى، يستمر الحرس الثوري الإيراني في سياساته التدخلية والتوسعية من خلال أذرعه في العراق وسوريا ولبنان واليمن حتى مع استمرار إيران في انتهاك الاتفاق النووي لعام 2015. وفي أيار/مايو، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من أن إيران لم تجب بوضوح عن الاستفسارات بشأن نشاط نووي محتمل سري، فيما تجاوز مخزونها من اليورانيوم المخصب الحد المسموح به 16 مرة.
طريق تابلاين/الطريق السريع 85
هذا ويمتد "طريق التابلاين"، الذي استخدم بداية لبناء خط الأنابيب وخدمته، من شرق المملكة إلى غربها، ويمر عبر جزئها الشمالي وصولا إلى طريف بالقرب من الحدود مع الأردن. وقد تم بناؤه عام 1950 كطريق ممهد من الحصى والتراب، لكن جرى تعبيده عام 1967.
وفي نهاية المطاف، أخذت الحكومة السعودية على عاتقها مسؤولية الطريق الذي كان خاصا في البداية، ودفعت تكاليف تعبيده وصيانته.
"في تلك الأيام، كان الطريق يستخدم حصريا من قبل الشاحنات والمقطورات العملاقة التي تم جلبها لنقل كميات هائلة من الأنابيب ومواد البناء من رأس مشعاب إلى الخط"، وفقا لعدد آذار/مارس-نيسان/ أبريل 1967 من مجلة شركة أرامكو العالمية.
وبدأت أيضا أطقم الصيانة والدوريات الأمنية الذين كلفتهم الحكومة السعودية بحماية خط الأنابيب باستخدام هذا الطريق.
"بعد ذلك وعندما انتشرت الأخبار عن أن طريق التابلاين يشكل طريقًا بريا مختصرا جديدا لنقل البضائع من لبنان وسوريا والأردن إلى شرق الجزيرة العربية ووسطها وإلى دول الخليج، بدأت حركة مرور الشاحنات التجارية الكبيرة عليه تفوق الحركة المرورية الحكومية وتلك المرتبطة بخط التابلاين".
"وبشكل سريع، تحول الطريق إلى شريان مروري رئيس".
ويمتد طريق التابلاين المعروف بالطريق السريع 85 مباشرة عبر الصحراء في الجزء الشمالي من المملكة حتى بالقرب من الحدود مع الأردن.
وحتى قبل تعبيده، كانت فائدة الطريق وأهميته جلية، إذ فتح طريقا تجاريا جديدا يمتد من دول الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط.
وسرعان ما بات الطريق كثير الاستخدام مع تدفق النفط عبره أولا ثم البضائع، ليلعب لاحقا وتحديدا مع اندلاع حرب الخليج دورا رئيسا في حركة تنقل القوات وحشد العتاد.
طريق للإمداد اللوجستي
خلال حرب الخليج، "تحول العديد من الطرق المحسّنة في السعودية إلى طرق إمداد رئيسة للجيش الأميركي"، وفقا لكتاب صدر عام 2010 عن مركز التاريخ العسكري التابع للجيش الأميركي.
وكان طريق التابلاين الذي حمل آنذاك اسما رمزيا هو طريق الإمداد الرئيس دودج، أحد معبرين رئيسين للنقل البري استخدمهما الجيش للإعداد للحرب وخوضها.
وأكد كتاب مركز التاريخ العسكري أن الطرق السريعة شكلت "سبلا فائقة السرعة لنقل الوحدات القتالية والإمدادات إلى وجهاتها".
"ونظرا لأن الطرق الرحبة كانت متعددة المسارات، فقد سمحت لحركة المرور الكثيفة للمركبات الفردية أو القوافل بالتحرك بسرعة كبيرة. وحتى الطرق التي لم تكن متعددة المسارات، فقد كانت بشكل عام معبدة وفي حالة جيدة".
وأنشأ الجيش الأميركي على طول هذه الطرق سلسلة من محطات خدمة القوافل لتسهيل نقل الشاحنات لمسافات طويلة وتوفير مرافق تعمل على مدار الساعة للتزود بالوقود وإجراء ما يلزم من إصلاحات، بالإضافة إلى استراحات ومنشآت للجنود.
كما أشار كتاب مركز التاريخ العسكري إلى أنه "مع وجود موانئ ممتازة وطرق متينة، كل ما كان الجيش يحتاج إليه هو الوسائل لنقل المعدات والإمدادات".
واستعدادا للعملية البرية، نقل الجيش الأميركي الجنود والذخائر والإمدادات من الموانئ إلى البر، وفقا لدراسة كتبها جون آر برينكرهوف عام 1997 لصالح معهد التحليلات الدفاعية تحت عنوان "الدعم الخارجي للجيش في حرب الخليج الفارسي".
وعمدت القوات إلى تخزين الإمدادات في المناطق الأمامية لدعم الهجوم المخطط له، مع إنشاء قاعدتين لوجستيتين ضخمتين على طول طريق التابلاين في حفر الباطن ومدينة الملك خالد العسكرية لضمان نجاح العملية.
"تم تطوير وتوسيع شبكة طرق الإمدادات العسكرية ... لتضم القواعد اللوجستية الجديدة وتوفر نقطة انطلاق محتملة للتحرك باتجاه الغرب. وجرى أيضا تحسين حالة الطرق".
ومن هذه القواعد اللوجستية الإضافية قاعدة لوغ بيس إيكوعلى طريق التابلاين غرب حفر الباطن وقاعدة لوغ بيس تشارلي، وقد شملت كل منهما محطات بترولية تكتيكية ونقاط إمداد بالذخيرة ومرافق صيانة.