القاهرة -- لفت الإغلاق الأخير لقناة السويس الأنظار مجددا إلى الدور الحيوي الذي يلعبه هذا الممر المائي الاستراتيجي في التجارة العالمية، وإلى جهود مصر وحلفائها لتأمين سلامة الشحن التجاري والملاحة البحرية.
وفي 29 آذار/مارس، حدث جنوح سفينة حاويات حمولتها 200 ألف طن في القناة خلال عاصفة رملية، فأعاقت مسار السفن الأخرى إلى حين تمكن أسطول من القاطرات والحفارات التي تجرف الرمال من تحريرها بعد ستة أيام على جنوحها.
وقال رئيس تحرير نشرة ماريتيم أكزكوتيف توني مونوز إن مصر نجحت بالخروج من الأزمة القصيرة بامتياز.
وذكر مونوز لوكالة الصحافة الفرنسية أن "الحكومة المصرية تعاملت مع عرقلة الممر التجاري الحيوي وإغلاقه بشكل ممتاز مع الأخذ بالاعتبار الضغط الدولي الشديد"، مشيرا إلى أن خبراء دوليين لعبوا أيضًا دورًا رئيسًا في العملية.
ردا على ما حدث، وافق الرئيس عبد الفتاح السيسي في أوائل أيار/مايو على مشروع توسيع كبير للقناة لتجنب تعطل الملاحة فيها في المستقبل، حسب ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.
وعلى الرغم من مرور نحو 12 في المائة من حركة التجارة العالمية عبر قناة السويس التي تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط وتعتبر أسرع طريق بحري بين آسيا وأوروبا، إلا أنها نادرا ما تتصدر عناوين الصحف.
ويعود الفضل في ذلك بشكل كبير إلى الكفاءة المهنية لشركة قناة السويس التي تديرها، وإلى جهود القوات المصرية والدولية التي تعمل معا في المياه الإقليمية لضمان مرور سلس لحركة التجارة العالمية.
الحفاظ على الأمن الإقليمي
وحول أهمية قناة السويس، لفت عضو البرلمان المصري أكمل نجاتي إلى أن "موقعها استراتيجي جدا من الناحية الجيوسياسية، ومن المهم لجميع القوى الدولية الإبقاء على استقرار حركة المرور عبرها".
وأضاف نجاتي أن شركاء مصر الدوليين "يعملون دائما سويا لحفظ الأمن والسلام الإقليميين، خاصة في أوقات عدم استقرار ببعض الدول مثل اليمن والعراق وسوريا، لضمان عدم تأثر مجرى الشحن الملاحي".
ويبقى الهدف هو ضمان عدم تأثر حركة التجارة العالمية بأية صراعات سياسية أو اقتصادية وتأمين حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية الرئيسة.
إلا أن هذه المبادئ ستكون عرضة للخطر في حال نشوب صراع مع إيران، خصوصا أنها تعتمد بشكل كبير على القناة الاستراتيجية.
وتصاعدت التوترات مع النظام الإيراني بشأن برنامجه النووي ودعمه المستمر لميليشيات تعمل بالوكالة عنه في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وتابع نجاتي أن قناة السويس تمثل "همزة وصل مهمة بين مراكز التصنيع في دول الشرق الأقصى مثل اليابان والصين وماليزيا وإندونيسيا والأسواق في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة".
وأشار إلى أن مصر نجحت على مدى عقود في "حماية ممر الشحن وتشغيله باحتراف ووضعه في خدمة العالم".
من جهته، قال عضو البرلمان المصري نادر مصطفى أن مصر تبذل جهودا استثنائية لتطوير قناة السويس، وضخت في السنوات الأخيرة استثمارات هائلة في مشروع قناة السويس الجديدة.
ومن بين أهداف مشروع القناة تعميق ممرات الشحن وتوسيعها إضافة إلى تقليل وقت انتظار السفن لدخول القناة.
وأوضح مصطفى أن "التعاون مع المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب في المنطقة وتعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط يعتبران جزءا أساسيا من سياسة مصر الخارجية".
فعلى سبيل المثال، مصر هي جزء من التحالف الدولي الذي يقاتل الحوثيين (أنصار الله) المدعومين من إيران، والذين عملوا على إطالة أمد حرب دائرة منذ أكثر من ست سنوات تسببت لليمنيين بمعاناة لا توصف والذين يهاجمون بانتظام أهدافا نفطية وتجارية سعودية.
وأكد أن مصر تعمل بشكل مستمر وبالتعاون مع المجتمع الدولي "لضمان عدم حدوث أية نزاعات إقليمية تؤثر على حركة التجارة العالمية".
الإبقاء على قناة السويس مفتوحة
وتلعب الولايات المتحدة دورا حيويا في ضمان بقاء قناة السويس مفتوحة أمام العالم.
فهي تقدم لمصر سنويا 1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية، كما يعمل الأسطول الخامس الأميركي جنبا إلى جنب مع القوات الدولية المشتركة المتمركزة في المياه الإقليمية لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر.
ويشمل نطاق عمل الأسطول الخامس من مقره في البحرين نحو 2.5 مليون ميل مربع من المياه في البحر الأحمر والخليج العربي وخليج عمان وأجزاء من المحيط الهندي.
وبالإضافة إلى قناة السويس، يشمل نطاق عمله مجريين بحريين آخرين حيويين لحركة الملاحة البحرية، وهما مضيق هرمز ومضيق باب المندب.
وتعمل قناة السويس كممر حيويتدعم من خلاله الولايات المتحدة العمليات العسكرية في الشرق الأوسط، وتمر عبره بانتظام مجموعات حاملات الطائرات الضاربة وهي في طريقها إلى الخليج العربي.
والولايات المتحدة هي أيضا عضوفي القوات البحرية المشتركة المتعددة الجنسيات والمتمركزة في البحرين، والتي تعمل على تعزيز الأمن والاستقرار والازدهار عبر مساحة نحو 3.2 مليون ميل مربع من المياه الدولية.
وتعمل هذه القوات المشتركة، والتي تشارك فيها 33 دولة، على دعم قواعد النظام الدولي من خلال مكافحة الجهات الفاعلة غير الرسمية وغير الشرعية في أعالي البحار، وتعزيز الأمن والاستقرار والازدهار.
وتتدرب القوات البحرية الدولية معا في المياه الإقليمية وتعمل على حماية الملاحة والدفاع عنها أثناء مرورها عبر ممرات التجارة العالمية.
حماية حرية الملاحة
من جانبه، أكد عضو البرلمان المصري محمود القط أنه "لطالما لعبت مصر دورا مهما في أمن المنطقة والسلام فيها".
وتابع أن "قناة السويس هي مثال حي على كيفية الحفاظ على حرية الملاحة الدولية وعلى مصالح العالم الاقتصادية من خلال قدرة مصر على تأمينها وتشغيلها وتطويرها".
ولفت إلى صلابة الشراكة بين مصر والولايات المتحدة، إذ "تعمل الدولتان جنبا إلي جنب لضمان استقرار منطقة الشرق الأوسط حتى لا تتأثر حركة الملاحة البحرية في قناة السويس".
وباعتبارها ممرا ملاحيا دوليا رئيسا، يتوجب على قناة السويس البقاء مفتوحة أمام حركة التجارة العالمية.
وشدد رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع على أنه لا يمكن لمصر منع عبور أىة سفينة تابعة لأية دولة إلا في حالات معينة استنادا إلى ما تنص عليه اتفاقية القسطنطينية.