بعد أيام من اختتام المحادثات "البناءة" في فيينا حول إحياء الاتفاقية الدولية بشأن برنامج طهران النووي، يتساءل المراقبون عما إذا كان النظام الإيراني قادرا حتى على أن يصبح سلطة حكم سلمية.
وأحد محاور اتفاقية 2015 التاريخية، التي تعرف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، هو تعهد طهران بوقف دعم الحرس الثوري الإيراني لأذرعه من الميليشيات والنشاط الإرهابي.
وفي الوقت الذي يزعم فيه المسؤولون الإيرانيون كثيرًا أن لبلدهم نوايا سلمية ويدينون خصومهم الإقليميين والعالميين على خلفية انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان، فإن الجمهورية الإسلامية لم تتخل يوما عن "ثورتها" الحافلة بسجل طويل وموثق من الانتهاكات والإرهاب.
وهذا النفاق الذي يتمثل في الترويج لأرضية أخلاقية عالية وفي نفس الوقت الانخراط في العنف هو سمة معتادة للنظام الإيراني.
الحرس الثوري الإيراني: أداة للإرهاب
ويدعي الحرس الثوري الإيراني أنه موجود لحماية شعب إيران، لكنه يُستخدم كأداة للقمع في الداخل، بينما يُستخدم جناحه الخارجي، أي فيلق القدس، كأداة لممارسة الإرهاب خارج الحدود الوطنية.
ويقوم فيلق القدس بتدريب وتمويل وتوجيه أذرعه في المنطقة الذين يستخدمون العنف لدعم أجندة النظام الإيراني التوسعية. وخارج الشرق الأوسط، خطط الفيلق لاغتيالات وتفجيرات لإظهار نفوذ إيران.
وفي أحدث الأمثلة على النشاط المستمر للحرس الثوري الإيراني، تبنت جماعة تطلق على نفسها اسم أولياء الدم، وهي " جماعة غطاء" للميليشيات العراقية البارزة المدعومة من إيران مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، تبنت القصف الصاروخي المميت الذي استهدف في 15 شباط/فبراير مجمعًا عسكريًا في أربيل.
وقُتل في الهجوم على المنطقة الكردية بالعراق أحد المقاولين الأميركيين وأصيب تسعة أشخاص آخرين بينهم جندي أميركي، وهو آخر هجوممن بين العديد من أعمال العنف التي نفذتها الميليشيات المدعومة من إيران في العراق.
وفي أعقاب هذا العمل الإرهابي،نفذت الولايات المتحدة في 25 شباط/فبراير غارة جوية انتقامية بالقرب من معبر حدودي شرقي سوريا مع العراق حيث كانت الميليشيات المدعومة من إيران تنقل الأسلحة والأفراد.
ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده في بيان الضربة الجوية الأميركية بأنها "عدوان غير قانوني" و "انتهاك لحقوق الإنسان"، لكنه أغفل أي ذكر لاستخدام إيران المميت لميليشيات تعمل بالوكالة.
الاستشهاد بالانتهاكات وتمويل الإرهاب
وبالإضافة إلى الهجمات العديدة على المصالح الأميركية والغربية في العراق، قوضت الميليشيات المدعومة من إيران سلطة الحكومة العراقية وقوات الأمن وهاجمت المدنيين العراقيين أو أرهبتهم .
وهم المستفيدون الرئيسونمن كارتل فاسد للتهرب الجمركي يحول مليارات الدولارات بعيدا عن خزائن الدولة لملء جيوبهم.
وفي سوريا، دعمت الميليشيات الموالية لإيران الرئيس السوري بشار الأسد عندما شن حملة عسكرية قاتلة ضد شعبه لسحق انتفاضة شعبية وشاركتفي العديد من انتهاكات حقوق الإنسان.
ولطالما دعا أعضاء البرلمان الأوروبي النظام السوري وروسيا وإيران إلى تحمل المسؤولية عن الجرائم الشنيعة التي يواصلون ارتكابها في سوريا والعواقب الاقتصادية لتدخلاتهم العسكرية.
ففي 10 آذار/مارس، دعا البرلمان الأوروبي روسيا وإيران وحزب الله اللبناني إلى سحب جميع قواتهم وأذرعهم الخاضعين لقيادتهم من سوريا.
وقال إنه "يستنكر دور روسيا وإيران في دعم قمع النظام السوري الشامل لسكانه المدنيين، وسيطرتهما على العملية السياسية والموارد الاقتصادية في سوريا".
وفي اليمن، غالبا ما يشير المسؤولون الإيرانيون إلى السعودية على أنها المسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان، لكن النظام الإيراني يدعم منذ سنواتالحوثيين (أنصار الله) بأسلحة مهربة بشكل غير قانونيتُستخدم لاستهداف المنشآت النفطية في السعودية وترهيب سكان اليمن وعمال الإغاثة الدوليين.
وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز قد استهدف إيران خلال خطابه في الاجتماع السنوي للأمم المتحدة لقادة العالم في 23 أيلول/سبتمبر الماضي.
فاتهم إيران بنشر "الفوضى والتطرف والطائفية" في المنطقة، ودعا إلى حل شامل لاحتوائها ومنعها من الحصول على أسلحة الدمار الشامل.
إلى هذا، اغتال النظام الإيراني نحو 360 شخصا خارج إيرانمنذ الثورة الإسلامية، وفقا لوزارة الخارجية الأميركية.
وأضافت أن هذه الاغتيالات نُفِّذت في 40 دولة، وبصورة رئيسية عن طريق فيلق القدس أو وزارة المخابرات في الجمهورية الإسلامية أو الجماعات التي تعمل بالوكالة مثل حزب الله.
وكان جميع الضحايا تقريبا منشقين أو أعضاء في المعارضة بالجمهورية الإسلامية.
وقالت المعلمة المتقاعدة المقيمة في إيران سارة بايغي إنه بهذا النوع من السلوك، دمر قادة الحرس الثوري الإيراني وغيرهم من كبار المسؤولين الإيرانيين "إيران تماما، ويسعون الآن إلى تدمير باقي المنطقة".
الترويج للسلام والتخطيط للاغتيالات
وفي أيلول/سبتمبر الماضي، كشفت العديد من وسائل الإعلام عن مؤامرة إيرانية لاغتيال السفيرة الأميركية في جنوب إفريقيا آنذاك لانا ماركس.
وقال مسؤول أميركي لم يذكر اسمه في ذلك الوقت إن الخطة كانت واحدة من خيارات عدة كان النظام الإيراني يدرسها ليرد على الضربة الجوية الأميركية التي قتلت قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليمانيفي بغداد في كانون الثاني/يناير 2020.
وفي الوقت الذي كان فيه النظام الإيراني يناقش هذه الخطط، ألقى الرئيس الإيراني حسن روحاني خطابا في الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي عرض فيه صورة مضللة للأجندة الإيرانية.
وقال في خطابه "نحن في إيران نسعى جاهدين لبناء السلام وتعزيز حقوق الإنسان للشعوب والأمم. نحن لا نتغاضى عن الاستبداد وندافع دوما عن صوت الذين لا صوت لهم".
إلا أن الأدلة داخل إيران، وسلوك إيران في الخارج، تناقض تصريح روحاني.
وبعد مقتل سليماني، قال مسؤول في الحرس الثوري الإيراني إنه شارك في عمليات لقمع احتجاجات واسعة النطاق في إيران في ربيع عام 2009.
وفي الآونة الأخيرة وتحديدا بين نوفمبر/تشرين الثاني 2019 وكانون الثاني/يناير 2020، نفذ الحرس الثوري الإيراني حملة قمع ضد الاحتجاجات الشعبية المعارضة لسياسات النظام الإيراني الداخلية والخارجية.
ويشعر النظام بقلق كبير من استياء الشعب لدرجة دفعت بوزارة الداخلية عام 2020 إلى إنشاء "لجنة لمراقبة السخط العام"، والتي يقال إن لها فرعا في كل محافظة من محافظات إيران.
وأردفت بايغي أن "نحو نصف الشعب الإيراني مقتنعون أنه ليس لديهم خيار سوى دعم هذا النظام لأنها الطريقة الوحيدة لكسب لقمة العيش".
"أما النصف الآخر، فيتكون من أشخاص إما يبيعون كل ما لديهم من أجل السفر إلى الخارج وإما مسجونين فعليا في هذا البلد من قبل النظام لأنهم لا يملكون الموارد المالية للهجرة".